تحطيم القيود

منذ 2014-04-29

إننا عندما رفعنا راية الجهاد في سبيل الله فإنما نبتغي إرضاء الله، ونرمي إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، ومن إعلاء كلمة الله -التي شُرع من أجلها الجهاد- رفع الظلم عن الناس، فنحن إذا تحركنا في ميادين القتال في ساحة النزال الأفغانية؛ فإنما نهدف إلى إماطة الظلم عن أنفسنا، ومسح الظلم عن إخواننا المسلمين الأفغان، إعذارًا إلى الله.

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على اشرف المرسلين.
وبعد..
فإننا عندما رفعنا راية الجهاد في سبيل الله فإنما نبتغي إرضاء الله، ونرمي إلى أن تكون كلمة الله هي العليا، ومن إعلاء كلمة الله -التي شُرع من أجلها الجهاد- رفع الظلم عن الناس، فنحن إذا تحركنا في ميادين القتال في ساحة النزال الأفغانية؛ فإنما نهدف إلى إماطة الظلم عن أنفسنا، ومسح الظلم عن إخواننا المسلمين الأفغان، إعذارًا إلى الله و{..عَسَى اللَّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا..} [النساء:84].

إزالة الظلم:
إن أهم أغراض الجهاد في سبيل الله؛ هو رفع الظلم عن الناس، بل ما تنزلت الشرائع كلها إلا لإقامة القسط في الأرض ورفع الظلم عنهم، فقد قال جل شأنه: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد:25]، والميزان هو: "العدل" كما قال مجاهد وقتادة والسدي (تفسير القرطبي:ج17/ص154، سورة الرحمن، عند قوله تعالى: {وَوَضْعَ الْمِيزَانَ})، يقول قتادة: "اعدل يا ابن آدم كما تحب أن يعدل لك، وأوف كما تحب أن يوفى لك، فإن العدل صلاح الناس".

وعندما أرسل رسول الله صلى اله عليه وسلم عبد الله بن رواحة لجمع خراج خيبر، أهداه اليهود كمية من التمر الفاخر لعله يخفف عنهم، فقال عبد الله رضي الله عنه: "لقد جئتكم من عند أحب الناس إلي صلى الله عليه وسلم، وأنتم أبغض خلق الله إلي، ولكن والله ما حبي له وبغضي لكم ليجعلني أن أبخسكم حقكم"، فقال اليهود: "بمثل هذا قامت السموات والأرض"، ولذا فليس عجيبًا أن ينزل رب العزة عشر آيات من السماء لتبرئة يهودي من سرقة اُتهم بها، وأثباتها عند رجل يصلي ويصوم من المدينة -وهو طعمة بن أبيرق أو بشير بن أبيرق والآيات التي خلدت هذه الحادثة في سورة النساء: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللّهُ وَلاَ تَكُن لِّلْخَآئِنِينَ خَصِيماً} [النساء:105].

وهذه القصة لا تعرف لها البشرية نظيرًا، ولم تعرف لها الأرض مثيلاً، وتشهد وحدها بأن هذا القرآن تنزيل من حكيم حميد، لا يمكن للبشر أن يكون لهم يد فيه، لأن البشر -مهما ارتفعت تصوراتهم ومهما صفت أرواحهم ومهما استقامت طبائعهم- لا يمكن أن يرتفعوا بأنفسهم إلى هذا المستوى الفذ الذي يرسم على الأفق خطاً لا يمكن أن ترتقي إليه البشرية، ولا يمكن أن تصعد إليه الإنسانية إلا في ظل هذا الدين، وإلا على هدي من هذا المنهج.

وخلاصة القصة في سبب نزول هذه الآيات؛ أن نفرًا من الأنصار -قتادة بن النعمان وعمه رفاعه- غزوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض غزواته، فسرقت الدرع لأحدهم -رفاعة- فحامت الشبهة حول رجل من الأنصار من أهل بيت يقال لهم: (بنو أبيرق، فأتى صاحب الدرع رسول الله صلى الله على وسلم، فقال: "إن طعمة بن أبيرق سرق درعي"، وفي رواية: "إنه بشير بن ابيرق"، فلما رأى السارق ذلك؛ عمد إلى الدرع فألقاها في بيت رجل يهودي اسمه زيد بن السمين، وقال لنفر من عشيرته: "إني غيبت الدرع وألقيتها في بيت فلان، وستوجد عنده، فانطلقوا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: يا نبي الله إن صاحبنا يرى أن الذي سرق الدرع فلان، وقد أحطنا بذلك علمًا، فأعذر صاحبنا على رؤوس الناس وجادل عنه، فإنه إن لم يعصمه الله بك يهلك"، ولما عرف رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الدرع وجدت في بيت اليهودي، قام فبرأ ابن ابيرق وعذره على رؤوس الناس، وكان أهله قد قالوا للنبي صلى الله عليه وسلم -قبل ظهور الدرع في بيت اليهودي-: "إن قتادة بن النعمان وعمه عمدا إلى أهل بيت منا أهل إسلام وصلاح، يرمونهم بالسرقة من غير بينة ولا ثبت".

قال قتادة: "فأتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فكلمته، فقال صلى الله عليه وسلم: («عمدت إلى أهل بيت يذكر منهم إسلام وصلاح، وترميهم بالسرقة على غير ثبت ولا بينة»، قال: فرجعت ولوددت أني خرجت من بعض مالي ولم أكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك، فأتاني عمي رفاعة فقال: يا أبن أخي ما صنعت؟ فأخبرته بما قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: الله المستعان، فلم نلبث أن نزلت: {إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ..}" (تفسير القرطبي:ج5/ص375).

لقد نزلت هذه الآيات في أحرج أوقات الجماعة المسلمة وأدقها، حيث لم يدع اليهود سهمًا مسمومًا إلا صوبوه تجاه هذا الدين، ولم يدعوا خنجرًا إلا حاولوا أن يطعنوا به القيادة الربانية، التي تمثل هذا المنهج واقعًا وسلوكًا وأخلاقًا، نزلت الآيات وقد نصب اليهود معاليهم -مصائدهم- وأقاموا شباكهم وفرقوا سهامهم تجاه الجماعة المسلمة، يبغونها الفتنة، يودون تمزيقها ويريدون تشتيتها، وقد كان اليهود العقل المفكر والرأس المدبر والأيادي الخبيثة التي تدير المنافقين من وراء ستار، حيث يكون الذين في قلوبهم مرض المخالب الخبيثة والقفازات النجسة التي يضرب بها اليهود.

وفي هذا الوقت تتنزل هذه الآيات لتنصف يهوديًا اتهم ظلمًا بسرقة، وتدين بها بيتًا من بيوت الأنصار، الذين كانوا عيبة -محل نصح- رسول الله صلى الله عليه وسلم، والذين قدموا الغالي والرخيص، والنفس والنفيس، من أجل نصرة هذا الدين وحماية نبتته، نزلت لتثبت سرقة في بيت أنصاري؛ فتعطي بهذا سيفًا جديدًا مسلولاً يستعمله اليهود للتشهير بأنصار هذا الدين.

لقد كانت المصلحة في موازين البشر؛ تقتضي أن لا تثار هذه القضية، وأن لا تنبش هذه المسألة، سيما في هذا الوقت ومع هؤلاء الأقوام، وقد كانت الكياسة والسياسة تقتضي؛ أن لا يفضح رجل من الجماعة المسلمة، ومن أجل من؟ لأجل يهودي يواصل كيد الليل بالنهار للإساءة لهذا الدين وأهله، لقد كانت اللباقة في عرف الناس توجب أن لا يفضح رجل من أبناء الجماعة المسلمة وعلى ملأ من أهل المدينة، لا بل على مر العصور وكر الدهور؛ ينزل به قرآن يتلى آناء الليل وأطراف النهار، إن ظروف الجماعة المسلمة ومصلحتها في تلك الحقبة العصيبة تستلزم في النظرة البشرية القصيرة؛ أن يضرب صفحًا عن مثل هذا الحادث وأن لا يجعله حديث السامر وحداء المسافر.

ولكن المسألة لم تكن مجرد تبرئة بريء اتهم، وإن كانت تبرئة المتهم وإنصاف المظلوم شيئاً ثقيلاً في ميزان الرحمن، ولكن القضية أكبر من هذا بكثير، إن القضية هي إقرار منهج رباني قائم على العدل تطبقه الجماعة المسلمة على نفسها، قبل أن تطبقه على غيرها، وتنتصف المجموعة المؤمنة للحق من مالها ودمها قبل أن ينتصف الحق من غيرها، لا بد من إقرار منهج لا يتأرجح مع الهوى، ولا يتزعزع مع الشهوات، ولا يتأثر بالمصالح القريبة والأنساب والعصبيات.

يقول الأستاذ سيد قطب في (الظلال): "وينظر الإنسان من هذه القمة السامقة على السفوح الهابطة في جميع الأمم على مدار الأزمان فيراها هنالك، هنالك في السفوح، ويرى بين تلك القمة السامقة والسفوح الهابطة؛ صخورًا متردية، هنالك من الدهاء والمراء والسياسة والكياسة والبراعة والمهارة ومصلحة الدول والوطن ومصلحة الجماعة، إلى آخر الأسماء والعنوانات، فإذا دقق الإنسان فيها النظر؛ رأى تحتها الدود! وينظر الإنسان مرة أخرى فيرى الأمة المسلمة -وحدها- صاعدة من السطح إلى القمة، تتناثر على مدار التاريخ، وهي تتطلع إلى القمة التي وجهها إليها المنهج الفريد، أما العفن الذي يسمونه (العدالة) في أمم الجاهلية الغابرة والحاضرة؛ فلا يستحق أن نرفع عنه الغطاء في مثل هذا الجو النظيف الكريم" (تفسير الظلال:ج2/ص753).

إن رفع الظلم عن الناس هي مهمة الأنبياء التي من أجلها تنزل الروح الأمين من السماء، وله نزلت الشرائع وأوحى الله بالكتب، واستمراء الظلم وقبول الهوان والاستنامة تحت نير العبودية؛ قرين الكفر، وقديمًا قال الشافعي:
 

أنا إن عشت فلست أعدم قوتًا *** ولئن مت فلست أعدم قبرًا  
همتي همة الملوك ونفسي *** نفس حر ترى المذلة كفرًا

    

وإن المستضعفين في الأرض الذين يعيشون تحت أقدام الجبابرة؛ ليستحقون الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة؛ {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ قَالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قَالُوا كُنَّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قَالُوا أَلَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللَّهِ وَاسِعَةً فَتُهَاجِرُوا فِيهَا فَأُولَئِكَ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَسَاءَتْ مَصِيرًا . إِلَّا الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ لَا يَسْتَطِيعُونَ حِيلَةً وَلَا يَهْتَدُونَ سَبِيلًا . فَأُولَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوًّا غَفُورًا} [النساء:97-99]، فالذين لا يهاجرون من تحت نير الظالمين ويرضون العيش بين قطعان السوائم؛ جزاؤهم جهنم يصلونها، كلما خبت زادها رب العزة سعيرًا.

فإذا علمت سبب نزول هذه الآية فإنك ستقف أمامها مشدوها حائرًا.
فقد روى البخاري بإسناده عن عكرمة؛ أخبرني ابن عباس: "أن أناسًا من المسلمين كانوا مع المشركين يكثرون سواد المشركين على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، يأتي السهم فيصيب أحدهم فيقتله، أو يُضرب فيقتل، فأنزل الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ تَوَفَّاهُمُ الْمَلَائِكَةُ ظَالِمِي أَنْفُسِهِمْ..} [النساء: 97]"، هذا شأن المؤمنين في مكة القابضين على دينهم كالقابض على الجمر، فما بالك بالذين يعيشون في بلادهم، يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام، لا يشغله إلا لقمة الطعام وقطعة الكساء والعلاوة والوظيفة والدرجة والراتب وموديل السيارة ودهان العمارة؟!

والذين لا يتحركون لرفع الظلم وإنصاف المظلومين؛ هؤلاء تجأر إلى الله عليهم دعوات المستضعفين: {وَمَا لَكُمْ لَا تُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْوِلْدَانِ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْ هَذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُهَا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا وَاجْعَلْ لَنَا مِنْ لَدُنْكَ نَصِيرًا} [النساء:75]، فهم الظالمون لأنفسهم لا يتحرقون ولا يتحركون لإزالة الظلم عن المظلومين.

ولذا كانت أول آية نزلت لإباحة القتال تشير إلى العلة الحقيقية والسبب الرئيسي له، وهو إزالة الظلم؛ {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ . الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} [الحج:39-40]، فهؤلاء ظلموا؛ بأن طردوا من ديارهم إجحافًا وافتئاتًا -تعديًا- على حقهم، وكان السبب الحقيقي لطردهم هو التوحيد الذي حملوه في أعماقهم وضحوا من أجله وما أساؤوا إلى قومهم، ولا كان لهم ذنب إلا أنهم وحدوا الله، وهذا عند المشركين أكبر الذنوب، فالتوحيد في نظر أعداء الله جريمة يستحق صاحبها الطرد من مسقط رأسة ومرتع شبابه.

عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "لما خرج النبي صلى الله عليه وسلم من مكة، قال أبو بكر: أخرجوا نبيهم! إنا لله وإنا إليه راجعون، ليهلكن!، قال ابن عباس: فأنزل الله عز وجل: {أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}، قال أبو بكر رضي الله عنه: فعرفت أنه سيكون قتال" (تفسير ابن كثير:ج3/ص225)، {وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ}، أي قادر على نصر عباده المؤمنين من غير قتال، ولكنه سبحانه يريد من عباده أن يبذلوا جهدهم في طاعته.

ونحن نقول:
1- إن فريضة الجهاد من أهم الفرائض التي افترضها الله علينا من فوق السبع الطباق، وأوجب علينا أداءها، كالصلاة والصوم والزكاة -سواء بسواء-

2- إن مزاولة الفرائض الإسلامية وأداءها أمر إلهي وتكليف رباني لكل إنسان، إنه حق طبيعي وأمر منطقي، لا يجادل فيه إلا مماحك أو مماحل.

3- لقد ظلمنا في كثير من البلدان الإسلامية وحرمنا من أدنى الحقوق التي تتمتع بها الحيوانات، فالدجاجة إن اقتربت من أفراخها الناشئة تهجم عليك، والكلب يعضك إن وطئت ذنبه أو اقتربت من البيت الذي يحرسه، ولا تستطيع قوة في الأرض أن تمنع أطراف الشاة أن تتحرك وهي تلفظ أنفاسها وتجود ببقية دمائها، ونحن حُرِمنا أن نمسك اليد التي تشهر علينا الحراب لذبحنا، ومُنعنا أن نرفع أصواتنا ونحن نلفظ أرواحنا، وقد وصل اللص إلى داخل حجرة النوم فكُبتنا وحُرمنا من إزعاجه وهو ينتهك أعراضنا، ويسلب أموالنا ويسفك دماءنا.

4- وبعد أن سلمنا أوطاننا لأعدائنا وحرمونا أن ندافع عن مقدساتنا وأن نحمي أعراضنا، وسقط المسجد الأقصى دون أن يسقط حوله -ويا للعار والشنار- عشرة من المسلمين دفاعًا عنه! بعد هذا كله؛ حاولنا أن نجمع من بقي في قلوبهم غيرة أو ممن يحمل في نفسه بقية من رجولة أو شهامة، نحاول إزعاج اليهود الذين دخلوا المسجد الأقصى آمنين مطمئنين، فأبوا علينا، وتكالبوا بقواتهم يحولون بيننا وبين أعدائنا بخيلهم ورجلهم، وهذا ظلم ليس بعده ظلم، وتعسف ليس دونه تعسف، وتجبر لا نعلم دونه خسف.

5- وبعد أن أبوا علينا الجهاد وحرموا علينا فريضة الإعداد، وأصبح السلاح في العالم العربي جريمة يؤخذ عليها بالنواصي والأقدام، ومن ألقى القبض عليه متلبسًا بجريمة حمل السلاح؛ شُكلت له المحاكم العسكرية وصُفد بالأغلال والقيود، وُوضع رهن التحقيق في غياهب الزنازين، لا يرى شمسًا ولا يراه النور، ولا يعلم عنه والد ولا ولد ولا صديق وفي ولا خل صفي.

وعندما أبينا أن نموت مستضعفين في الأرض تحت أقدام الطغاة، ونفضنا الذل عن عواتقنا، وخجلنا أن نرفع الشعارات البراقة والآمال العريضة ونحن في ذل العبيد؛ قررنا أن نهجر الأرض التي يحرم فيها الجهاد ويعتبر جريمة موبقة رعناء، وكما قال أبو الطيب:
 

إذا كنت ترضى أن تعيش بذلة *** فلا تستعدن الحسام اليمانيا
ولا تستطيلن الرماح لغارة *** ولا تستجيدن العتاق المذاكيا    
فما ينفع الأسد الحياء من الطوى *** ولا تتقى حتى تكون ضواريا

    

وإذا كان رب العزة سمى النسيء زيادة في الكفر -والنسيء تأخير حرمة شهر إلى شهر أخر- فماذا نسمي الذين يسمون الجهاد (جريمة قانونية)، ويعلن عن عقوبات مرتكبيها في أجهزة الإعلام دون خشية ولا خجل ولا حياء ولا وجل؟! أليس الحكم الشرعي لهؤلاء أشد بكثير وأعظم جرمًا من أولئك الذين كانوا يراعون قداسة الأشهر الحرم ويرعون عدتها، فلا يحلون في العدد، ولكن العرب -ولشدة حماسهم للحرب وعدم صبرهم عن القتال والنزال- كانوا يؤخرون حرمة محرم إلى صفر، إذ كان يقف كل عام في موسم الحج رجل من كنانة يقال له (القلمس) أو آخر اسمه (أبو ثمامة) -جنادة بن عوض بن أمية- فيقول: "ألا إن أبا ثمامة لا يجاب ولا يعاب"، ثم يقول: "إني أخرت حرمة محرم إلى صفر" (تفسير ابن كثير:ج2/ص356).

إن تحريم الجهاد كفر يخرج من الملة، وإن محاربة أولياء الله ومطاردتهم في بلادهم وإحصاء أنفاسهم، وعد نبضاتهم وتكميم أفواهم؛ عمل عظيم عند الله يؤدي إلى خراب البلاد وهلاك العباد، ألم تر إلى قول أبي بكر رضي الله عنه: "أخرجوا نبيهم إنا لله وإنا إليه راجعون ليهلكن"، وهذا شأن الذين يخرجون أولياء الله والدعاة في سبيله: «ومن عادى لي وليًا فقد آذنته أو بارزته بالحرب» (البخاري)، (فتح الباري:ج11، كتاب التواضع، برقم:6502، وهو مروي عن أبي هريرة).

فماذا تحكم الشريعة الإسلامية على الذين يحرمون الجهاد؟ ويسمون الزنا: فنا! والربا: فائدة! والإسلام: رجعية، والتمسك بدين الله: تطرفا وانحرافا؟!

اللهم ثبت، اللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك.
 

اللهم لو لا أنت ما اهتدينا *** ولا تصدقنا ولا صلينا
فأنزلن سكينة علينا *** وثبت الأقدام إن لا قينا
إن الألى قد بغوا علينا *** إذا أرادوا فتنة أبينا

        

اللهم إنك تعلم أن الألى قد بغوا علينا، ونحن نأبى أن نعطي الدنية في ديننا، ولن نرضى الفتنة والكفر الذي يحاولون فرضه علينا، وسبحانك اللهم وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

المصدر: مجلة الجهاد