المرأة وعلم السياسة الشرعية!

منذ 2014-04-30

قبل مدّة تلقيت رسالة من طالبة علم متميزة، شَعرَتْ بأنَّ تخصصها في السياسة الشرعية لم يكن مرحباً به من بعض من استشارتهم في موضوع رسالتها العلمية التي تتعلق بموضوع مهم من موضوعات السياسة الشرعية المتعلقة بالمرأة! وتلقيت إثرها رسالة أخرى من طالبة علم أخرى في مرحلة الدراسات العليا أيضا، تذكر فيها تثبيطَ بعض صويحباتها لها في اهتمامها بالتكوين العلمي في تخصص السياسة الشرعية!المر

قبل مدّة تلقيت رسالة من طالبة علم متميزة، شَعرَتْ بأنَّ تخصصها في السياسة الشرعية لم يكن مرحباً به من بعض من استشارتهم في موضوع رسالتها العلمية التي تتعلق بموضوع مهم من موضوعات السياسة الشرعية المتعلقة بالمرأة! وتلقيت إثرها رسالة أخرى من طالبة علم أخرى في مرحلة الدراسات العليا أيضا، تذكر فيها تثبيطَ بعض صويحباتها لها في اهتمامها بالتكوين العلمي في تخصص السياسة الشرعية!

وقد أجبت كلّ واحدة مافي حينه.. وكانت خلاصة الجواب: أنَّ السياسة الشرعية علم من علوم الشريعة، يندرج في عموم النصوص الواردة في فضل التفقه في الدين وطرق التماس العلم، فهو لا يخرج عن علم الفقه وأصوله، لكنه تخصص تم فرزه لأهميته ودقّة مسائله وتشعبها مع مرور الزمن، وأنَّ موضوعاته ليست خاصة بالرجل، بل فيه جوانب كثيرة تتعلق بالمرأة، ولا شك أن المتخصصين فيه من الرجال قلة، فكيف بالنساء! ومن ثمّ فإنَّ هذا التخصص يحتاج متخصصات من النساء، ولعل الله ينفع بهن في تدريسه لبنات جنسهن أيضًا، ولا سيما أنَّ الساحة تحتاجه اليوم، وستحتاجه غدًا أكثر من حاجتها له اليوم..

وقد كانت العالمة الشرعية كالعالم الشرعي، مرجعاً في شتى العلوم الشرعية بما في ذلك علم السياسة الشرعية.
بل كانت تشارك بعلمها في كشف بعض الإشكالات العلمية المتعلقة بمجال مهم من مجالات السياسة الشرعية، وهو مجال القضاء، وربما اشتار بعض القضاة بعض المتميزات في فقه النوازل من العالمات..

ومن ظريف ما يروى في ذلك: قصة قاضي لوشة -إحدى مدن الأندلس- فقد روي: أنَّه ربما أشكل عليه فهم واقعة، فاستشار فيها زوجه التي اشتهرت بتفوق علمي فاقت فيه كثيرًا من الفقهاء في فقه النوازل، حتى قيل في هذا القاضي وزوجه على سبيل الدعابة:
 

بلـوشـة قـاضٍ لـه زوجـة *** وأحكامها في الـورى ماضيـة!  
فيـا ليتـه لم يكـن قـاضيـا *** ويا ليتهـا كـانت القاضيـة!


ومن الناحية الواقعية، نجد أنَّ للمرأة المسلمة عناية ومشاركة في السياسة الشرعية، وذلك من خلال ولايتها على بنات جنسها مثلا -وقد كتبت في تأصيل ذلك من قبل-، وكذا من خلال تأليف الكتب في علم السياسة الشرعية، وتقديم الأطروحات العلمية المحكّمة فيه؛ ومن هذه الأطروحات العلمية المحكّمة على سبيل المثال:

* السياسة الشرعية عند الإمام ابن قيم الجوزية رحمه الله، للدكتورة: جميلة عبد القادر شعبان الرفاعي.
* السياسة الشرعية وأثرها في الحكم الشرعي التكليفي، للدكتورة: نَسِيبة مصطفى البُغَا.
* الاجتهاد الفقهي المعاصر في السياسة الشرعية، للدكتورة: حبيبة أبو زيد.
* فقه الأولويات ودوره في الحكم على القضايا السياسية المعاصرة، للباحثة: نادية رازي.
* الاحتساب على النساء في العصر النبوي وعصر الخلفاء الراشدين- دراسة تحليلية، د. الجوهرة بنت محمد العمراني .
* مسؤولية الراعي في الفقه الإسلامي دراسة فقهية مقارنة، د. وفاء غنيمي محمد غنيمي.. وغيرها..


فهذه الرسائل والمؤلفات ونحوها، تُعد مشاركة نسائية عصرية في تأصيل وبيان علم السياسة الشرعية، وفيها نماذج عملية لكثير من طالبات الدراسات العليا، اللاتي يسألن كثيرا عن الرأي في تخصص المرأة في السياسة الشرعية؛ ولا سيما المجالات والموضوعات التي تتعلق بالمرأة ذاتها.

ولهذا أرى أنَّ من المهمّ تخصص عدد من طالبات العلم المؤهلات علميا بالتأصيل الشرعي، في علم السياسة الشرعية، لتعميق دراسات وأبحاث السياسة الشرعية بوجه عام، وفيما يتعلق بالمرأة بوجه خاص، ولا سيما أنَّه قد جرى خلال الأيام الماضية إعلان تأسيس: رابطة المنظمات النسائية الإسلامية العالمية الذي ضم ما يقارب ثمانين منظمة نسائية، من ست وعشرين دولة عربية وإفريقية وآسيوية وأوربية، بغرض خدمة المرأة المسلمة، والاجتهاد في تقديم الحلول الإسلامية لقضاياها في مختلف النواحي: النفسية، والاجتماعية، والاقتصادية، والمؤسسية، والتقنينية؛ ثم إعلان الرابطة عن انتخاب قيادة نسائية كاملة لها من عدد من الدول التي شاركت مؤسساتها فيه.

ويلحظ أنَّ من أهم أهداف هذه الرابطة الناشئة: ترسيخ الاهتمام بقضايا المرأة المسلمة على المستوى المحلي -لكل من تلك المنظمات- والدولي والإقليمي، وتبادل الخبرات المشتركة مع المنظمات المحلية والإقليمية والدولية التي تتقاطع معها في نفس المجال والاهتمام.

وهي خطوة متقدمة تستحق الإشادة والدعم الرسمي والأهلي؛ لتعيد للمرأة المسلمة مكانتها في الأمّة وأوطانها، وتبرز لها حقوقها الشرعية التي طالما انتهكت بسبب الفاسد من العوائد، والباطل من التصورات المجتمعية، ولا سيما أنَّ المرأة المسلمة في عالمنا الإسلامي قد تعرّضت للتشويش والتهميش خلال العقود الماضية، في حين روّج الأجنبي لنموذج المرأة التي لا تمثل أمتها ولا ثقافة أمتها؛ بل ربما تعدّت على ثوابت الأمة ومكونات الأوطان المسلمة.

أسأل الله عز وجل أن يبارك الجهود المصلحة، وأن يوفق العاملين لمصلحة أمتنا وأوطاننا الإسلامية.

 

سعد العتيبي