دموع المآذن - (4) الصلاة والمعارك

منذ 2014-04-30

الرحمات إنما تنزل بالصلوات.. فبها يشفى المرض وتكشف الكربة.. ويغفر الذنب وتقبل التوبة، اقرع بها أبواب السماء، والتمس كشف الكرب ورفع البلاء.

وهكذا الرحمات.. إنما تنزل بالصلوات..
في معركة الأحزاب، لما بلغت القلوب الحناجر، وهرب كل منافق وفاجر، وقد حفر المسلمون بينهم وبين عدوهم خندقاً، وأظلم الليل، واشتد البرد، فأراد النبي  صلى الله عليه وسلم  أن يعرف حال الكفار.. فأقبل على أصحابه، ثم قال لهم: «من رجل منكم يذهب وينظر لي خبر القوم ويكون رفيقي في الجنة؟».

فما تحرك أحد، فمر عليهم ثم قال: «قم يا حذيفة»، قال حذيفة: "فما كان لي من بد إذا أمرني رسول الله أن أقوم إلا أن أقوم، فقمت، قلت: لبيك يا رسول الله؟"، قال: «اذهب وانظر لي خبر القوم ولا تحدثن شيئاً حتى تأتيني».

قال حذيفة: "فنزلت في الخندق ثم صعدت فإذا المشركون كثير، وإذا من بينهم رجل يصلي يديه على نار بين يديه ثم يلصقهما بجانبيه، فنظرت فإذا هو قائد الجيش أبو سفيان، فقلت في نفسي: إن أنا قتلته اضطرب أمرهم وانهزموا، فأخذت سهماً من كنانتي أبيض الريش، فوضعته في كبد القوس، فلما شددته تذكر ت قول رسول الله  صلى الله عليه وسلم: «لا تحدثن شيئاً حتى تأتيني» فأرجعت السهم في كنانتي ونظرت في حالهم.. فإذا الريح قد اشتدت عليهم فما تقر لهم قدرًا ولا تقيم لهم بعيرًا، فدخلت في إحدى الخيام فجلست بينهم في الظلمة..".

فشعر أبو سفيان أن رجلاً قد دخل في القوم فصاح بهم وقال: "ألا لينظر كل امرئ من جليسه؟".
قال حذيفة: "فخفت أن يسألني الذي بجانبي فأفتضح، فبادرته وصحت به: من أنت؟ ففزع وقال: أنا فلان.. من بني فلان..، فسكت عنه، فلما رأى مني ذلك هاب أن يسألني، فنجوت، وخرجت من بينهم وعدت إلى رسول الله  صلى الله عليه وسلم، فإذا هو قائم يصلي ويدعو، فقعدت عنده حتى فرغ فبشرته بخبر القوم، ففرح وكبر:
«نعم! هزم الله الأعداء، ونصر الأولياء، بصلاة ودعاء»".

وكانوا كما قال الله: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا} [الأحزاب:25]، فانظر كيف فزع النبي  صلى الله عليه وسلم  إلى الصلوات فانكشفت الكربات..

خرج محمد بن واسع في جيش قتيبة بن مسلم، فلما التقى الصفان التفت قتيبة فلم ير ابن واسع، فأرسل بعض من عنده يطلبونه، فلما عادوا إليه: قالوا له: "وجدناه ساجداً، يحرك أصبعه ويدعو..".
فقال قتيبة: "والله لأصبع محمد بن واسع في الجيش أحب إليَّ من ألف شاب طرير، وسيف شهير".
فلما أتاه محمد بن واسع، قال قتيبة: "أين كنت؟"، فقال ابن واسع: "كنت أهز لك أبواب السماء.."!

فأين المرضى عن التعبد بالصلوات؟!
وأين المكروبون عن الركعات والسجدات؟!
بل.. أين المظلومون وأصحابُ الحاجات؟!
فبها يشفى المرض وتكشف الكربة.. ويغفر الذنب وتقبل التوبة.
اقرع بها أبواب السماء، والتمس كشف الكرب ورفع البلاء.

-------------------------------------------

من كتاب: (دموع المآذن) للشيخ: محمد بن عبد الرحمن العريفي 

محمد بن عبد الرحمن العريفي

دكتور وعضو هيئة التدريس بكلية إعداد المعلمين

المقال السابق
(3) الصلاة منجية
المقال التالي
(5) بوابة الرحمات