أين نحن من الإنصاف؟

إن الإنصاف هو العدل في المعاملة.. وهنا يقول ربنا سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} [المائدة:8].

قال السعدي رحمه الله في تفسيرها: "{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ} أي: لا يحمِلنَّكم، {شَنَآنُ قَوْمٍ} أي: بغضهم، {عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} كما يفعله من لا عدل عنده ولا قِسط. بل كما تشهدون لوليكم فاشهدوا عليه، وكما تشهدون على عدوكم فاشهدوا له فلو كان كافرًا أو مبتدِعًا.. فإنه يجب العدل فيه وقبول ما يأتي به من الحق لا لأنه قاله ولا يرد الحق لأجل قوله فإن هذا ظلم للحق".

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا في تفسيرها: "فنهى الرجل أن يحمل المؤمنين بغضهم للكفار على ألا يعدلوا فكيف إذا كان البغض لفاسق أو مبتدع أو مُتأوِّل من أهل الإيمان؟ فهو أولى أن يجب عليه ألَّا يحمله ذلك على ألَّا يعدل على مؤمن وإن كان ظالمًا له" من (كتاب الاستقامة لابن تيمية).

ولذلك لما سأل رجل الإمام أحمد: "تكتب عن محمد بن منصور الطوسي؟ قال: إذا لم أكتب عن محمد بن منصور الطوسي فعمَّن؟ -يقول ذلك مرارًا- فقال الرجل: إنه يتكلم فيك! فقال الإمام أحمد: رجل صالح ابتُليَ فينا فماذا نفعل؟!".

لم يفعل ابن حنبل كما يفعل بعض المغرورين بالعلم وحذَّر الناس من الطوسي! حيث أنه يتكلم فيه.. ولكنه علَّم تلاميذه ما يجب أن يكون عليه العالِم فالطوسي في نظر الإمام أحمد رجل صالح.. ينقل عنه العلم أما الموقف الشخصي فهذا من الابتلاء..

ورحم الله ابن القيم لما قال في إعلام الموقعين: "والواجب قبول الحق ممن جاء به من وليٍ وعدوٍ وحبيبٍ وبغيضٍ وبَرٍ وفاجر".

وقال محمد بن سيرين: "ظلم لأخيك أن تذكر منه أسوأ ما رأيت وتكتم خيره".

فهذه رسالة إلى إخواننا الذين نحبهم ونختلف معهم: "إننا بحاجة اليوم إلى الإنصاف أكثر من حاجتنا للطعام والشراب.. وخاصة ونحن في زمن علا فيه صوت الباطل، وانخفض فيه صوت الحق! لكننا على ثقةٍ أن الباطل سوف يندثر وأن الحق سوف ينتصر".