أساليب الطرح العلماني (2من2)

منذ 2008-03-09

وقال ابن الجوزي رحمه الله في (تلبيس إبليس): "التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق". ص36...


ثانيًا: الطرح المُمّوه الخادع (الالتباس)

قبل استعراضنا لأسلوب هذا الطرح ومعرفة المرتكزات التي يرتكز إليها، يجدر بنا أن نعرف معنى اللبس والالتباس.

تعريف اللبس والتلبيس:

قال في لسان العرب: "اللّبْس واللّبَس: اختلاط الأمر، لبس عليه الأمر يلبسه لبْسًا فالتبس، إذا خلطه عليه حتى لا يعرف جهته، والتبس عليه الأمر أي اختلط واشتبه.
والتلبيس: كالتدليس والتخليط، شدد للمبالغة، وربما شدد للتكثير.
يقال: لبَسَتٌ الأمر على القوم ألبْسِه لبساً إذا شبهته عليهم، وجعلته مشكلاً" ا.هـ باختصار.

وقال ابن الجوزي رحمه الله في (تلبيس إبليس): "التلبيس إظهار الباطل في صورة الحق". ص36.
ومن ذلك قوله تعالى: {ولاَ تَلْبِسُواْ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُواْ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [سورة البقرة: 42]، قال شيخ الإسلام ابن تيمية عند هذه الآية: "فإنّه من لبس الحق بالباطل فغطاه به فغلط به لزم أن يكتم الحق الذي تبين أنّه باطل إذ لو بينه زال الباطل الذي لبس به الحق". (مجموع الفتاوى ج19/194).

ويقول ابن القيم رحمه الله تعالى: "فنهى عن لبس الحق بالباطل وكتمانه ولبسه به خلطه به حتى يلتبس أحدهما بالآخر ومنه التلبيس، وهو التدليس والغش الذي يكون باطنه خلاف ظاهره فكذلك الحق إذا لبس بالباطل يكون فاعله قد أظهر الباطل في صورة الحق وتكلم بلفظ له معنيان معنى صحيح ومعنى باطل فيتوهم السامع أنّه أراد المعنى الصحيح ومراده الباطل فهذا من الإجمال في اللفظ". (الصواعق المرسلة 3/926). (ولا تلبسوا الحق بالباطل ص23-25 الصفوة).

والآن بعد هذا التعريف ندخل في أهم نقاط التي توضح لنا هذا الطرح وهي (أسلوبه - وجوده - خطورته - الخطة العملية له).

أ- أسلوبه: "أهل هذا الأسلوب غاية في الحذر والمكر، فهم يدّعون الإسلام ويتباكون على حال المسلمين حتى يلتبس أمرهم على طالب الحق فلا يستطيع تمييزهم ولكنهم يُعرفون بصدورهم فيما يتعلق عن آراء الشواذ فيما يتعلق بالشريعة وعدم رجوعهم إلى الحق ولو أقيمت عليهم الحجة، وهم في الغالب لا ينكشفون إلاّ في حال فرح غامر بانتشار المنكر أو استياء شديد عند حصول نصر للإسلام، ففي هذه الحال يصدر منهم ما ينبئ بما يخفون وبهذا يتبين انتماؤهم ومنهجهم" [1].

ب- وجوده: غالب من يسلك هذا الطريق الملتوي يعيش في بلد ترتفع فيه راية الدين فلا يمكن له التصريح بمنهجه خشية من العقوبة الرسمية أو خشية العقوبة الشعبية كرفض الشعب له ويفقد مصداقيته [2].

ج- خطورته: "ومن أخطر الأساليب الجاهلية للفصل بين الإنسان والإسلام عندما يفرض كأمر واقع هو اتخاذ موقف المتبني له والداعي إليه، والرافع لشعار الإيمان به، وقد كانت هذه الفكرة هي علة المحاولة الساذجة التي حاولها "أبرهة الحبشي"، عندما يئس من هدم الكعبة فبنى كعبة أخري فى بلاده ليصرف النّاس عن بيت الله الحرام، ومثلما بني المنافقون مسجدًا ضرارًا ليصرفوا النّاس عن مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وموقف بناء الكعبة المزيفة والمسجد الضرار هو موقف الجاهلية دائماً عندما تفشل في مواجهة واقع إسلامي" [3].

د- الخطة العملية له: هي الخطة التي وضعها المستشرقون للتلبيس، وقبل ذكر هذه الخطة، لابد من شرح الواقع الإسلامي في الفترة التي وضعت فيها مثل هذه الخطة، وبيان ذلك كالآتي:

حدثت نهضة إسلامية واعية في فترة الخمسينات والستينات من القرن العشرين الميلادي، وخاصة بعد الهزيمة من اليهود، وكانت هذه النهضة تمثل مرحلة من مراحل الإحياء الإسلامي، وكانت هذه النهضة تقوم في أكثر من مكان، ففي السعودية كانت الدعوة التي أنشأها "الشيخ محمد بن عبد الوهاب" رحمه الله ما زالت في حيويتها، وفي الهند والباكستان كانت دعوة "المودودي" رحمه الله، وفي مصر كانت كتابات "الأستاذ سيد" رحمه الله تمثل أول الكتابات الصحيحة في تقييم الواقع وبدء حركة الإحياء الصحيحة من حيث تصحيح التصورات والبدء من قضية العقيدة، المهم أنّ هذه التحركات والأفكار أزعجت سدنة الجاهلية آنذاك، فنشط نفر من الاشتراكيين والماركسيين الفرنسيين ممن لهم اهتمام مباشر بالحركات الفكرية في العالم العربي وكان على رأس هؤلاء النفر "روجيه جارودي" قبل إسلامه و"مكسيم رودنسون" و"وايف لاكوست"، وجّه هؤلاء الفعاليات القومية والاشتراكية في الوطن العربي إلي نقل مجال عملهم إلى" التراث الإسلامي" ذاته بدلاً من الوقوف في وجه الإسلام، فبدلاً من وقوفهم في وجه الإسلام فإنّه بإمكانهم الإعلان أنّهم وجدوا طريق الخلاص في الإسلام ثم من خلال تلك "الأرضية النفسية" التي تجعلهم قريبين الصلة من" الوجدان الشعبي المسلم" ليّمكنهم ذلك من طرح "الفكرة العلمانية" بجميع أشكالها وصورها من اشتراكية أو قومية أو ليبرالية... كل ذلك يتم في ثوب إسلامي فضفاض يخدع الجميع فتصبح هناك "اشتراكية الإسلام"... "وقومية الإسلام"... "والحرية في الإسلام" إلى آخره من تلك الشعارات التي تستغل في محاربة الدين.

ولقد وضع المستشرقون الثلاثة تخطيطًا شبه متكامل، دعوا فيه الماركسيين العرب والقوميين العرب إلى التزامه، والسير على هديه وهذا المخطط الخطير اعتمد على ثلاثة ركائز وهي:

1-الدعوة إلى إعادة قراءة أو كتابة التاريخ الإسلامي على أساس أنّه هناك ثمّة اتجاهات حركية فيه قد ظلمت عمدًا من "مؤرخي السلاطين".

2- إرباك العقل المسلم الحديث من خلال طرح العديد من الدراسات والأبحاث المتعلقة بالتراث والتي تعمد إلى إحياء وتمجيد الاتجاهات الفكرية والحركية المنحرفة، بل والخارجة عن الإسلام وعرضها في إطار ثوري جذاب، وجعلها بمثابة الجذور الفكرية للنظريات والمذهبيات الأجنبية الحديثة كالماركسية وغيرها، ومن هنا تكتسب منطقاتهم الفكرية المتغربة مشروعية الانتماء إلى التراث.

3- طرح عدد من الشعارات والمصطلحات الجديدة والتي يمكن لها أن تشكل جسورًا فكرية ونفسية تصل بين الإسلام وبين القومية أو الاشتراكية، وتجهد العقل المسلم الحديث في تتبعها وضبطها وتحديد مشروعيتها مما يضيف إرباكا جديدًا يشتت جهد الانطلاقة القوية نحو الإسلام [4].

4- الدعوة إلى الاجتهاد والتجديد، ويريدون بذلك الوصول بالاجتهاد كما يزعمون إلى الاجتهاد في ثوابت الدين المجمع عليها ومجاوزة الأحكام الشرعية والفقهية التي قررها العلماء والفقهاء على مدى أربعة عشر قرنًا، والرجوع إلى القرآن والسنة بشكل مجرد ورفض أي وصاية عليهم كما يزعمون وعدم اعترافهم بكثير من شروط الاجتهاد التي وضعها السلف الصالح رضوان الله عليهم [5].

5- الإدعاء بأنّ المهم هو أساس الإسلام ورسالته المهمة في إصلاح النفوس وتزكيتها وتهذيب الأخلاق، وأنّ هذا هو أهم من تطبيق الشريعة وإقامة الحدود والجهاد وغير ذلك من الموضوعات التي تؤذي الحس العلماني المرهف!! الذي يرضي بنقل الشرائع الغربية والقوانين الوضعية التطبيقية ونقل الفنون والانحرافات الخلقية، ولا يهتم إلاّ قليلاً بنقل العلم المادي الذي تتفوق فيه الدول الغربية في الجولة الحالية.

6- دعوة الحرص على الوحدة وعدم التفرق، تلك الدعوة القديمة المتجددة لدى العلمانيين فهم يزعمون هذا الشعار في كل مكان ويرفضون التمسك بالدين وخاصة في حكم المجتمع، لأنّه في حد زعمهم يوجج النزعة الطائفية ونسوا أو تناسوا فترة الحكم الإسلامي طيلة أربعة عشر قرناً،وما ساد فيها من عدل وأمان طوال هذه الفترة.

7- القول بتغير الفتوى بتغير الزمان والمكان، يكثر العلمانيون ترديد هذه القاعدة والإكثار من النقولات السلفية حولها وهي قاعدة صحيحة لا غبار عليها، وقد بحثها علماء الإسلام بحثًا دقيقًا وأصلوّها تأصيلاً شرعيًا،ولم تحتاج الأمة إلى العلمانيين كي يذكرونا بها... ولكن هناك فرق بين من يناقش وهو معظم لنصوص الشريعة.. ومن يناقش لكي يسقط بعض أحكام الشريعة، ولذا لم يذكر العلمانيون أنّ الفتاوى التي تتغيير بتغير الزمان والمكان إنّما هي في أحكام المعاملات، أمّا العبادات وأحكام الأسرة والمواريث فهي ثابتة لا تتغيير، ونص هذه القاعدة عام في ظاهره، فالتغير في الظاهر شامل للأحكام النصية وغيرها، ولكن هذا العموم ليس مقصوداً لأنه اتفقت كلمة الفقهاء على أنّ الأحكام التي تتبدل بتبدل الزمان وأخلاق النّاس، إنّما هي الأحكام الاجتهادية فقط المبنية على المصلحة أو على القياس أو على العرف أو على العادة وعلى ذلك، فالأحكام النصية ثابتة لا تقبل التغيير ولا تدخل تحت هذه القاعدة، وقد رأى بعضهم أن يكون نص هذه القاعدة هو "لا ينكر تغير الأحكام الاجتهادية بتغير الزمان" دفعاً لهذا اللبس وهذا قيد حسن [6].


--------------------------------

المراجع:

[1] د.عمر المديفر (طرح الطرح العلماني).

[2] د.عمر المديفر (طرح الطرح العلماني). "هذا إذا كان الشعب واعي ويعرف قضاياه الشرعية وله موقف رافض وهذا الآن يندر نسأل الله أن يهيئ أمر رشد يفئ له النّاس".

[3] الشيخ رفاعي سرور (حكمة الدعوة) ص86-87طبعة دار الحرمين.

[4] جمال سلطان (تجديد الفكر الديني بين الصحوة الإسلامية والعمانية) بتصرف.

[5] انظر ملف التجديد في الإسلام من موقع نور الحق.

[6] (الوجيز في إيضاح القواعد الفقهية الكلية د. محمد بن صادق البورنو ص254 نقلاً عن (طرق الطرح العلماني) لعمر المديفر.


بقلم/ محمد المصري



المصدر: طريق الإسلام