قيمة الرباط
إذا كان الجاهليون يفدون أعراض جيرانهم بأرواحهم، الواحد منهم يموت ولا ينتهك عرض جارته وهو جاهلي، ولا يطمع في شيء من الآخرة، إنما هو الشرف والإباء والرجولة فكيف وأنت تطمع في جنة عرضها السموات والأرض، على أي شيء حريص؟
والله عزوجل أمرنا بالإعداد كما أمرنا بالصلاة والصوم فقال: {وَأَعِدُّوا۟ لَهُم مَّا ٱسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍۢ وَمِن رِّبَاطِ ٱلْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِۦ عَدُوَّ ٱللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ} [الأنفال من الآية:60]، فالإعداد يرهب أعداء الله عزوجل ويرعبهم ويخيفهم، يرعبهم كثيرًا ويرهبهم، ولعلنا نرجع إلى هذه النقطة فنقف عندها طويلًا.
ثم الرباط: أن تقيم في ثغر تخيف فيه عدو الله ويخيفك أعداء الله، وتكون على خطر أن يهاجمك أعداء الله، وعلى استعداد أن تهاجم أعداء الله. فالذين في داخل حدود أفغانستان الآن يعتبرون مرابطين، « » (رواه مسلم)، يعني أفضل من صنعاء وما فيها، وعمان وأموالها، والقاهرة وأبنيتها، ودمشق وبساتينها، والرياض وكنوزها، رباط يوم واحد!!
فلا تأسف يا أخي على وظيفة تركت بها راتبًا قدره أربعة آلاف أو خمسة آلاف درهم، والله لا تساوي لحظة واحدة في سبيل الله، لا والله، وما الوظيفة؟ الوظيفة: أنك تخدم عند فلان وفلان شهرًا كاملًا لا تجرؤ أن تتكلم كلمة حق لا ترضي صاحب الشركة أو صاحب السلطان أو صاحب الإدارة، لا تجرؤ أن تخالفه، كل شهر يعطيك في آخره أربعة أو خمسة آلاف درهم وهنا « » -أي ذهاب في الصباح إلى الجهاد- « » -ذهاب في المساء- « » (قطعة من الحديث رواه البخاري ومسلم وغيرهما).
مساكين الناس! والله ما محروم أكثر ممن حرم نعمة الجهاد، والله وما من مصيبة تحل على مسلم أعظم على قلبه من أن يحرم الإيمان، ثم بعد الإيمان، أن يحرم نعمة تذوق حلاوة الجهاد.
ما من مصيبة تحل على قلب إنسان أعظم من أن يرى عرضه ينتهك ولا يدافع عنه، أو ماله وأرضه أو دينه يداس ويهان ولا يتمعر وجهه غضبًا لله عزوجل، ما في مصيبة أكثر من هذه المصيبة.
ليس من مات فاستراح بميت *** إنما الميت ميت الأحياء
وأعراض المسلمات كلها عرضنا، كل المسلمات أعراضهن عرض واحد، لأن المسلمات كلهن أخواتك وأمهاتك وبناتك، إن كانت أكبر منك فهي أمك، وإن كانت أصغر منك فهي ابنتك، وإن كانت في عمرك فهي أختك، « » (حديث حسن رواه أبو داوود، انظر صحيح الجامع الصغير رقم [9712]). وعرض الفلسطينية ليس أقل من عرض اليمنية، وعرض السعودية ليس أشرف من عرض الأفغانية، كلها أعراض مسلمات. وكما يقول ابن المبارك:
كيف القرار وكيف يهدأ مسلم *** والمسلمات مع العدو المعتدي
القائلات إذا خشين فضيحة *** جهد المقالة ليتنا لم نولد
إذا كان الجاهليون يفدون أعراض جيرانهم بأرواحهم، الواحد منهم يموت ولا ينتهك عرض جارته وهو جاهلي، ولا يطمع في شيء من الآخرة، إنما هو الشرف والإباء والرجولة فكيف وأنت تطمع في جنة عرضها السموات والأرض، على أي شيء حريص؟
فالرباط: هو الإنتظار الطويل للمعركة، وقد يرابط الإنسان سنة ولا يشهد معركة، والرباط ثقيل على النفس ومتعب لها -انتظار منتظر- ستة أشهر ما أطلقت طلقة، لكن هذا ليس عبثًا وليس هدرًا لا يذهب سدى، فإنما هو في ميزانك ثقيل يوم القيامة.
«رواه النسائي والترمذي، وقال حديث حسن غريب، انظر الترغيب والترهيب للحافظ المنذري المجلد الثاني صفحة [246])، كل يوم بألف، كأنك تصوم ألف يوم. عندما تجلس يوم في جاجي، في المأسدة تفطر على قيماق (قشطة) وعلى مربا وتتغدى على الأرز وعلى غيره وتتعشى على فول، لا تصوم، تلعب أو تمرح وتمزح وتلعب رياضة ما إلى ذلك وتطلق نار، أجرك أعظم من أجرك لو جلست في مكة أو جدة أو عمان أو دمشق أو غير ذلك، أفضل من صيام ألف يوم وقيام ألف ليلة، أي نعمة أعظم من هذا؟
» (فيا بائعًا هذا ببخس معجل *** كأنك لا تدري ولا أنت تعلم
فإن كنت لا تدري فتلك مصيبة *** وإن كنت تدري فالمصيبة أعظم
«-ساعة واحدة- « » (رواه الحاكم بمثله، وقال صحيح على شرط البخاري، انظر الترغيب والترهيب المجلد الثاني صفحة [258]). وإذا مت وأنت مرابط لا يختم على عملك، ولا تعذب في القبر ولا تسئل، في الحديث الصحيح « » -يوجد شيء نتحاسب فيه- « » (رواه الطبراني بنحوه وإسناده حسن).
»- التصنيف: