البسملة
حكم البسملة عند افتتاح القراءة من أول السورة باستثناء أول سورة براءة فلا خلاف بين القراء في الإتيان بها، وأما الافتتاح بأول سورة براءة فلا خلاف بين القراء أيضاً في ترك البسملة لعدم وجودها في أولها..
البسملة [1]
حكم البسملة عند افتتاح القراءة من أول السورة باستثناء أول سورة براءة فلا خلاف بين القراء في الإتيان بها.
وأما الافتتاح بأول سورة براءة فلا خلاف بين القراء أيضاً في ترك البسملة لعدم وجودها في أولها كما تقدم في باب الاستعاذة.
حكم البسملة عند افتتاح القراءة بغير أول السورة:
المراد بغير أول السورة ما كان بعيداً عن أولها ولو بآية، وعليه فإذا ابتدئ من هذا المكان من أي سورة من سورة القرآن فيجوز لجميع القراء التخيير في الإتيان بالبسملة، وعدم الإتيان بها والإتيان بها أفضل من عدمه كما ذكر، يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الشاطبية:
ولا بد منها[2] في ابتدائك سورةَ *** سواها[3] وفي الأجزاء[4] خير من تلا
حكم البسملة عند الجمع بين السورتين:
المراد بالجمع بين السورتين انتهاء القارئ من قراءة السورة السابقة وشروعه في قراءة السورة اللاحقة، كالانتهاء من قراءة سورة الفاتحة والشروع في قراءة سورة البقرة مثلاً، ففي هذه الحالة يجوز ثلاثة أوجه لمن أثبت البسملة وفصل بها السورتين قولاً واحداً [5]، كحفص عن عاصم باستثناء آخر سورة الأنفال وأول سورة براءة، وإليك ترتيب هذه الأوجه الثلاثة حسب الأداء:
الأول: قطع الجميع، أي الوقف على آخر السورة السابقة وعلى البسملة، والابتداء بأول السورة اللاحقة.
الثاني: قطع الأول ووصل الثاني بالثالث، أي الوقف على آخر السورة السابقة ووصل البسملة بأول السورة اللاحقة.
الثالث: وصل الجميع، أي وصل آخر السورة السابقة بالبسملة بأول السورة اللاحقة.
وقد نظم هذه الأوجه الثلاث العلامة الخليجي في قرة العين فقال رحمه الله:
وبين كل سورة وأخرى *** لمن يبسمل ثلاثٍ تقرأ
قطع الجميع ثم وصل الثاني *** ووصل كل قائل بالإتقان[6]
وهذه الأوجه الثلاثة تجوز بين كل سورتين، سواء رتبنا في التلاوة كآخر آل عمران والنساء، أم لم ترتبا كآخر الفاتحة مع أول المائدة، وفي هذا يقول الإمام الطيبي:
وبين كل سورتين لم ترتبا *** ما بين ما رتبتا قد أوجبا
هذا ولا يجوز وصل آخر السورة بالبسملة مع الوقف عليها، لأن البسملة جعلت لأوائل السور لا لأواخرها، وهذا هو الوجه الممنوع لجميع القراء بالإجماع، وفيه يقول الإمام الشاطبي رحمه الله في الشاطبية:
ومهما تصلها مع أواخر سورة *** فلا تقفن الدهر فيها فتثقلا
أما بين آخر الأنفال وسورة براءة فثلاثة أوجه لعامة القراء وهي كالتالي:
الأول: القطع: أي الوقف على (عليهم) والابتداء ببراءة.
الثاني: السكت: وهي السكت على (عليهم) بدون تنفس والابتداء ببراءة.
الثالث: الوصل: أي وصل (عليهم) مع مراعاة الإقلاب، وهذه الأوجه الثلاثة بلا بسملة لما تقدم وقد نظمها العلامة الخليجي في قرة العين فقال رحمه الله تعالى:
وبين الأنفال وتوبةٍ بلا *** بسملة قفاً أو اسكت أو صِلا[7]
تنبيهات:
الأول: الأوجه الثلاثة التي بين آخر الأنفال وأول براءة التي ذكرناها آنفاً، لم تكن مقيدة بهذا المحل فحسب بل تجوز بين آخر أي سورة وأول براءة، بشرط أن يكون آخر هذه السور قبل سورة براءة في ترتيب المصحف الشريف، بخلاف ما إذا كان آخر السورة بعد أول سورة براءة فلا يجوز حينئذ إلا القطع بدون بسملة فيمتنع الوصل والسكت، وكذلك إذا كرر القارئ سورة براءة كأن وصل آخرها بأولها فليس له في هذه الحالة إلا القطع بدون بسملة ويمتنع الوصل والسكت أيضاً.
التنبيه الثاني: إذا وصلت الميم من {الۤمۤ} فاتحة سورة آل عمران بلفظ الجلالة جاز، وفيها وجهان للأئمة العشرة باستثناء أبي جعفر المدني [8] والوجهان صحيحان:
الأول: تحريك الميم بالفتح للتخلص من التقاء الساكنين مع المد الطويل، نظراً للأصل قبل التحريك وهو السكون اللازم.
الثاني: تحريك الميم بالفتح للتخلص أيضاً لكن مع القصر وهو حركتان، اعتداداً بالعارض وهو تحريك الميم والوجهان صحيحان مقروء بها لمن ذكرنا من القراء، والمد الطويل هو المقدم في الأداء وبه قرأت وبه آخر قراءة وإقراء.
الثالث: علم مما تقم في التنبيه الثاني أن الميم من "الم" فاتحة آل عمران فيها الوجهان والمد والقصر في حالة وصلها بلفظ الجلالة - فإن روعي هذان الوجهان مع أوجه الاستعاذة الأربعة فتصير الأوجه ثمانية باعتبار وجهي الميم على وكل وجه من أوجهها الأربعة وهذا لعامة القراء باستثناء أبي جعفر كما مر[9].
أما إذا لم توصل الميم بلفظ الجلالة بأن وقف عليها فالأوجه الأربعة المعروفة، وهي للقراء العشرة قاطبة وكذلك الحكم عند وصل آخر سورة البقرة بأول سورة آل عمران فعلى كل وجه من أوجه البسملة الثلاثة الوجهان اللذان في الميم إذا كانت موصولة بلفظ الجلالة فتصير الأوجه التي بين السورتين في هذا المحل ستة أوجه، وهذا لحفص عن عاصم أيضاً ومن وافقه من المبسملين بين السورتين باستثناء أبي جعفر أيضاً - أما إذا لم توصل الميم بلفظ الجلالة بأن وقف عليها فالأوجه الثلاثة المعروفة لحفص عن عاصم، ومن وافقه فحسب ويلاحظ عند الوقف على الميم في كلتا الحالتين، أي حالة الاستعادة وحالة الجمع بين السورتين المد الطويل بالإجماع كما هو مقرر. والله تعالى أعلم.
محمد عبد المنعم المسلمي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1] الكلام على البسملة الخاص بالصلاة، وكذلك الاستعاذة قد بسطه الفقهاء في كتبهم كل فمذهبه فمن أراد فليراجعه في محله والله الموفق.
[2] أي البسملة.
[3] أي من سوى سورة براءة.
[4] المراد بالأجزاء هنا أجزاء السورة كانت أول الجزء أو غير ذلك.
[5] المبسملون بين السورتين قولًا واحدًا هم قالون وابن كثير وعاصم والكسائي وأبو جعفر، -والمبسملون بين السورتين بالخلاف ورش وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب، والجانب الآخر من خلاف هؤلاء، يحتمل وجهين آخرين هما السكت والوصل بدون بسملة فيها- بقي من القراءة العشرة حمزة وخلف العاشر لهما وجه واحد بين السورتين وهو الوصل بدون بسملة. أهـ.
[6] انظر كتاب قرة العين مطبعة جريدة الأمة بالإسكندرية ص9.
[7] قرة العين بتحرير ما بين السورتين ص22,
[8] وإنما استثنى الإمام أبو جعفر لأنه يفصل حروف التهجي المفتتح بها بعض السور نحو "الم" بسكتة لطيفة بدون تنفس ويلزم من السكت هذا سكون الميم ومدها طويلًا وجهًا واحدًا للزوم السكون ويلزم أيضًا قطع همزة الجلالة، كما يلزم إظهار المدغم والمخفي، كما هو مقرر في محله.
[9] أما هو فليس له في هذه الحالة إلا أوجه الاستعاذة الأربعة المعروفة فقط سواء وصل الميم بلفظ الجلالة أم وقف عليها، إلا أنه يسكت على الميم سكتة لطيفة بدون تنفس، ويلزم من هذا السكت المد الطويل ولا يجوز القصر بحال فتنبه.
- التصنيف:
- المصدر: