رسالة إلى مفتي مصر: اتق الله

منذ 2008-04-01

وقد تولى منصب الإفتاء في مصر عدد كبير من الشيوخ، كان لبعضهم مواقف شجاعة ثابتة على الحق لم تتزحزح عنه، فأُرغموا على ترك المنصب، وكان للكثير منهم مواقف مهينة ضيَّعت هيبة العلماء تمامًا....


منصب المفتي من المناصب الشرعية المستحدَثة بين المسلمين، فقديمًا كان الإفتاء مهمة ومسئولية العلماء الذين توافرت فيه مؤهلات الفتوى من العلم الشرعي، ولم يُعْرَف في تاريخ الإسلام مطلقًا هذا المنصب الذي استُحْدِث في القرنيين الآخرين، بعد أن دخل الاستعمار الصليبي بلاد المسلمين، وأدرك أهمية احتواء علماء الإسلام في السيطرة وتوجيه الشعوب، فاستحدث المنصب كما يدعي لتنظيم الفتوى، وحقيقته أنه كان سَجْنًا للعلماء في قبضة السلطان، وقيدًا لمصلحة الدولة والنظام الحاكم، فحدث تراجع كبير في قيمة منصب المفتي.

وقد تولى منصب الإفتاء في مصر عدد كبير من الشيوخ، كان لبعضهم مواقف شجاعة ثابتة على الحق لم تتزحزح عنه، فأُرغموا على ترك المنصب، وكان للكثير منهم مواقف مهينة ضيَّعت هيبة العلماء تمامًا.

وفي السنوات الأخيرة تولى الشيخ علي جمعة منصب المفتي، وهو معروف بانتمائه الصوفي؛ لذلك لم يكن مستغربًا حديثه عن رؤيته هو شخصيًّا للنبي في اليقظة، وكذلك الصوفي المرسي أبا العباس، وأن النبي مخلوق من نور، وجواز التوسل بالرسول، فهذه هرطقة معروفة من الفكر الصوفي، لكن العجب كان من الفتاوى؛ فكل يوم فتوى جديدة تخالف المعروف في الفقه والشريعة، وتوافق كل ما يتمناه المتربصون بالإسلام.

وكانت فتاوى المفتي من النوع المصادم للشرع والفقه والعلماء، ولجمهور المسلمين، وتتوافق مع ما يريده الغرب الصليبي، ونتوقف عند النذر اليسير من فتاويه؛ ففيه ما يكفي:

ففي خِضَم ما أعلن عنه في الغرب الصليبي من الحرب على ما يسمونه (الإرهاب)، وكانت دعوة الشيخ محمد بن عبد الوهاب في مرمى نيران كل أعداء الإسلام، يفتي الشيخ في أكتوبر 2004م بجواز الصلاة في المساجد التي بها القبور ويشجعها!! ولا يتوقف في فتواه عند هذا الحد، بل يشن حربًا لا هوادة فيها على الدعوة الوهابية، بدون مبرر مطلقًا متزامنًا مع أعداء الإسلام!!

وفى ظل الحرب على المرأة، وعفافها وأخلاقها، والحرب على الأسرة المسلمة، وضغوط الغرب الصليبي على بلاد المسلمين لتغيير هوية المرأة؛ يفتي الشيخ علي جمعة مفتي مصر في 2005م بجواز ترقيع غشاء البكارة لأي سبب كان، وألا تخبر البنت خطيبها!!، وفى العام نفسه أباح إمامة المرأة للرجال، وأفتى بتحريم ختان الإناث!! وكانت وقتها كلها طلبات غربية أمريكية تحت ستار مؤتمر السكان البغيض.

وفي عام 2007م وفي حديثه لجريدة الشرق الأوسط كانت فتواه الكارثية بإباحة فوائد البنوك الربوية!!!

وفي العام نفسه أفتى أن الردة حق مكفول ولا عقاب إلا إذا هددت أساس المجتمع!! وقد نشر مقاله هذا في الواشطن بوست والنيوزويك الأمريكيتين.

وكانت أحدث فتاويه في مارس 2008م أن أباح للمسلم في البلاد الأجنبية أن يبيع الخمر.

كل هذه الفتاوى تخالف الفقه والشرع، ويسهل على من له أدنى درجة من العلم الشرعي الرد عليها، فهي تصطدم صراحة بالكتاب والسنة.

لكن الطامة الكبرى، وهي مربط الفرس في مقالنا اليوم كانت في مؤتمر عُقِدَ بكلية دار العلوم المصرية، فرع المنيا، في أوائل شهر مارس 2008م قال المفتي أمام الحاضرين: إن المسلمين لا يجب عليهم الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فالله هو الذي يدافع عنه مستدلاً بقول الحق تبارك وتعالى: {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [سورة الحجر: 95] وهو استدلال فاسد وباطل.

والرد على الشيخ علي جمعة هو:

اتق الله يا شيخ، فأين الولاء والبراء؟! وأين تحقيق مقتضى شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله؟! وكيف يتحقق الإيمان إذا لم يغضب المسلم لله ولرسوله؟!

ثم أين أنت يا فضيلة المفتي من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مَن لكعب بن الأشرف فقد آذى اللهَ ورسولَه» [رواه البخاري]، وكعب بن الأشرف اليهوديّ كان معاهدًا مهادنًا، ولكنه كان يهجو النبيّ، فانتُدب له محمد بن سلمة فقتله، والقصة في الصحيحين.

ثم يا فضيلة المفتي:

أأنت أعلم بدين الله، وتفسير آيات الله، من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! ثم ما رأيك في تلك الوقائع التي حدثت في حياة النبى صلى الله عليه وسلم؟!.

من ذلك: اليهودية التي كانت تشتمُ النبيّ، فخنقها رجلٌ حتى ماتت، وأمّ الولد التي قتلها سيدها الأعمى لما شتمت النبيّ.

وأبو جهلٍ إذ قتلَه معاذٌ ومعوّذٌ؛ لأنه كان يسبّ رسول الله. والخُطْمية التي هَجَتِ النبيَّ فانتدب لها رجلٌ من قومها كما في الصارم المسلول. وأبو عَفَكٍ اليهوديّ الذي هجا النبيّ فاقتصّه سالمُ بن عميرٍ كما في الصارم المسلول. وأنس بن زُنَيم الذي هجا النبيّ فشجّه غلامٌ من خزاعة كما في الصارم المسلول. وسلام بن أبي الحُقَيق إذ ثأر للنبيّ منه عبد الله بن عتيكٍ وصحبه، كما في (الصارم المسلول).

وقد نقل الإمام ابن تيمية إجماع الصحابة على قتل من سب النبيّ صلى الله عليه وسلم، وإجماع علماء الأمة بعدهم لا يُعرف لهم في ذلك مخالف.

يا فضيلة المفتي، ما أردتُ بسرد بتلك الوقائع أن أدعو إلى القتل.، فهو حكم الله يحكم به القاضي المسلم بعد توافر الأدلة، وانتفاء الشبهة، ولكني أردتُ التدليلَ على فساد منهجك في تفسير قوله تعالى {إِنَّا كَفَيْنَاكَ الْمُسْتَهْزِئِينَ} [سورة الحجر: 95]، وقولك: أنه لا يجب الدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

يا فضيلة المفتي، لمصلحة من تلك الفتوى؟ يا فضيلة المفتي لقد ضيَّعْتَ حقيقة محبة النبي صلى الله عليه وسلم، وأساء المنصب لك ولادِّعَائك حبك لرسول الله.

يا فضيلة المفتي، هل تفتى بذلك لو أن المستهزَئ به مَلِك أو أمير أو رئيس؟!

يا فضيلة المفتي، سكتَّ عن مظالم كثيرة، وسكتَّ عن تبديل شرع الله، فاتق الله، فالله أحق أن تخشاه من السلطان، ومن المنصب ومن الامتيازات.

يا فضيلة المفتي، اتق الله في كل فتوى، وإلا رسول الله يا مفتي مصر.

لواء الشريعة.

ممدوح اسماعيل محام وكاتب
elsharia5@hotmail.com








المصدر: لواء الشريعة