ماذا يريدون من المرأة؟! (1/3)

منذ 2014-05-08

مقالة مجزئة إلى ثلاث أجزاء والجزء الأول يتناول وقفات مع الخطاب الدعوي في قضية المرأة...

وقفات مع الخطاب الدعوي في قضية المرأة..

إن الحديث عن تقويم الخطاب الدعوي في قضية المرأة يحتاج إلى دراسة علمية واسعة تعتمد على حصر النتاج الذي يتناول قضية المرأة وتحليل مضمونه تحليلًا علميًا؛ وهذا مشروع علمي يحتاج إلى جهد واسع، ولعله أن يكون ميدان اهتمام بعض المختصين.

ورغبة في الإسهام في هذا الملف الذي تنشره المجلة أحببت أن أسطر بعض الوقفات السريعة التي لا تعدو أن تكون خواطر وانطباعات شخصية أكثر منها دراسة علمية موضوعية.

الوقفة الأولى: لماذا يُعنى الدعاة بقضية المرأة؟

يعد موضوع المرأة من الموضوعات الساخنة والحيوية لدى الدعاة إلى الله عز وجل، وقلما نجد مناسبة للحديث والكتابة إلا وتتضمن شيئًا يتعلق بالمرأة، ولعل الذي أدى إلى أهمية قضية المرأة لدى الدعاة إلى الله عز وجل أمور، منها:

الأمر الأول: التأسي بالنبي صلى الله عليه وسلم في دعوته؛ فقد كان يولي المرأة عناية واهتمامًا؛ فكان صلى الله عليه وسلم حين يصلي العيد يتجه إلى النساء فيعظهن ويأمرهن بالصدقة؛ فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "خرجت مع النبي صلى الله عليه وسلم يوم فطر أو أضحى فصلى ثم خطب، ثم أتى النساء فوعظهن وذكَّرهن وأمرهن بالصدقة".

ولم يقتصر الأمر على استثمار اللقاءات العابرة، بل خصص لهن النبي صلى الله عليه وسلم يوما يحدثهن فيه؛ فعن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: "قالت النساء للنبي صلى الله عليه وسلم: غلبنا عليك الرجال فاجعل لنا يومًا من نفسك. فوعدهن يومًا لقيهن فيه فوعظهن وأمرهن فكان فيما قال لهن: «ما منكن امرأة تقدِّم ثلاثة من ولدها إلا كانوا لها حجابًا من النار». فقالت امرأة: واثنين؟ فقال: «واثنين».

الأمر الثاني: أن النبي صلى الله عليه وسلم حذر من فتنة النساء، وأخبر أنها من أشد ما يخشاه على أمته، فقال: «ما تركت بعدي فتنةً هي أضر على الرجال من النساء».

ومن ثم كان لا بد من الاعتناء بذلك، سواء فيما يتعلق بدعوة المرأة وإصلاحها، أو التحذير من فتنة النساء وخطورتها.

الأمر الثالث: أن لصلاح المرأة واستقامتها الأثر البالغ على صلاح الأسرة؛ فهي الأم والمربية؛ والشباب والفتيات إنما ينشؤون في أحضانها، فلا غنى لنا حين نريد تكوين الأسرة المسلمة عن الاعتناء بدعوة المرأة وإصلاحها.

الأمر الرابع: أن دعاة التغريب قد تبنوا قضية المرأة ورفعوا لواءها، وولجوا جحر الضب الذي ولجه الأعداء، وهي دعوة محمومة وصوت نشاز يرفعه هؤلاء الببغاوات في وقت بدأ يعلن فيه عقلاء الغرب والشرق التراجع عما يطرحونه في قضية المرأة، فبدأوا يدعون إلى فصل التعليم، ويدعو بعضهم إلى الحجاب، وإلى عودة المرأة إلى منزلها... ومع ذلك يسير هؤلاء الأذناب كالقطيع يريدون أن يبدؤوا من حيث بدأ هؤلاء.

الوقفة الثانية: منجزات الصحوة في قضية المرأة:

حين نتحدث عن الخطاب الدعوي في قضية المرأة فإن العدل والإنصاف يستوجب علينا أن نذكر المنجزات والنتائج الإيجابية التي حققها الدعاة إلى الله عز وجل . وليس صحيحًا أن تكون اللغة الوحيدة التي نجيدها هي لغة النقد وتعداد الأخطاء.

فمن المنجزات التي حققها الدعاة إلى الله تعالى في قضية المرأة:

1- تأخر دعوة التغريب والتحرر، ولولا فضل الله عز وجل ثم جهود الدعاة للحقت تلك البلاد بسائر بلاد المسلمين.

2- تغيرت لغة دعاة التغريب والعلمنة ، وباتوا أقل جرأة منذ بداية الدعوة لتحرير المرأة ، فأصبحنا نسمع كثيرًا في حديثهم التمسح بعبارات "في إطار الشريعة السمحة" "فيما لا يتعارض مع شريعتنا وتقاليدنا"، وندرك أن ذلك لا يعني تغير الموقف، لكنه شاهد على أثر الدعوة والصحوة الإسلامية.

3- الصحوة والعودة إلى الله التي تحققت في أوساط النساء، ولعل من أبرز الشواهد على ذلك انتشار الحجاب في البلاد التي كانت سباقة في دعوات التحرر؛ ففي جامعة كانت سباقة في دعوة التحرر في إحدى العواصم لم يكن يوجد إلا طالبة واحدة محجبة، واليوم انتشر في تلك الجامعة وغيرها الحجاب حتى فاق النصف، ولعل ما حصل في تركيا التي كانت أول من رفع لواء العلمنة والتغريب في العالم الإسلامي من ضجة حول الحجاب دليل على ما حققته الصحوة في هذا الميدان.

4- بروز قيادات دعوية نسائية لها حضور واضح ومتميز في الساحة الدعوية.

5- بروز أنشطة دعوية نسائية، كالمجلات النسائية، ودور تحفيظ القرآن الكريم ومدارسه.

ومع هذا الجهد إلا أن العمل البشري لا بد أن تصاحبه ثغرات وقصور، وحين تتجذر القضية وتتعقد عواملها تتسع هذه الثغرات، فنحتاج للمراجعة النقدية لواقعنا بين آونة وأخرى.

الوقفة الثالثة: حول محتوى الخطاب الدعوي:

يلمس القارئ لهذا الخطاب سمات من أهمها:

أ- الدائرة العامة والخاصة:

يغلب على كثير من المتحدثين إلى المرأة التركيز على قضايا محددة وتكرارها، حتى أصبحت مَنْ تحضر مجلسا من هذه المجالس تتوقع ألا تسمع إلا حديثًا حول الحجاب وبالأخص حول بعض مظاهر التحايل عليه أو الخروج إلى الأسواق، أو طاعة الزوج... إلخ، وهي قضايا لا اعتراض على طرحها ومناقشتها والتأكيد عليها، ولا اعتراض على أنها مما تحتاجه النساء اليوم؛ لكن هذا أخذ أكبر من حجمه، وأصبح على حساب أمور أخرى ربما كانت أكثر منه أهمية، بل ربما كان إصلاحها يختصر علينا خطوات كثيرة.

إن هناك أحكامًا وآدابًا شرعية خاصة بالنساء دون الرجال، وما سوى ذلك فالأصل أن الخطاب فيه للجميع، والدائرة التي يشترك فيها الرجال والنساء أوسع بكثير من الدائرة التي تختص بها النساء، لكن المتحدث إلى المرأة غالبًا ما يحصر نفسه في الدائرة الخاصة شعورًا منه بخصوصية المخاطبات.

إن الحديث عن الإيمان والتقوى والتوكل على الله والتخلص من التعلق بما سواه، والحديث عن العبادات وأهميتها، والحديث عن أخطار المعاصي وآثارها، والحديث عن الآداب والحقوق التي ينبغي للمسلم رعايتها، والحديث عن اليوم الآخر وما أعد الله فيه للمطيعين والعصاة، والحديث عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر والنصيحة وأهمية ذلك ووسائله، وطلب العلم والوسائل المعينة على تحقيقه، والحديث عن واقع الأمة ومسؤولية المسلمين تجاهه، فضلًا عن التربية وأهميتها ووسائلها وبرامجها؛ إن الحديث عن ذلك كله مما تفتقر إليه المرأة شأنها شأن الرجل، فلماذا يغيب ذلك في خطابنا الدعوي الموجه للمرأة؟!

ب الخطاب الموجه لغير المهتديات:

لئن كانت الفتيات المهتديات، واللاتي يرتَدْنَ المساجد ودور القرآن الكريم يناسبهن خطاب معين، فالأخريات لهن شأن غير ذلك، إن الفتاة التي تعيش في عالم التيه والضياع، والفتاة التي تعيش همَّ الحب والعلاقة مع الطرف الآخر، والتي تعيش بين المسلسلات والقنوات الفضائية تحتاج لخطاب غير الذي تحتاجه المهتدية الصالحة.

فحين يكون الحديث معها دائرًا حول الحجاب وخطورة التساهل فيه، وحول أحكام خروج المرأة... إلخ فإنها تشعر أنها لن تسمع جديدًا، لن تسمع إلا الحديث حول الأحكام والحلال والحرام، وفرق بين أن لا نقرها على هذا التصور والكلام، وبين أن نتعامل مع الأمر الواقع بما لا يتعارض مع الشرع.

لقد كان صلى الله عليه وسلم يحدِّث الناس بما يناسبهم وما يفقهون؛ فالأعراب يدعوهم للإسلام من خلال إعطائهم المال وترغيبهم فيه، وعدي بن حاتم يحدثه عن الأمن الذي سينشأ حينما يدين الناس بدين الإسلام، والكاهن يحدثه بحديث بيِّن فصيح بعيد عن الكهانة... وهكذا.

فلِمَ لا يكون الحديث مع أمثال هؤلاء حديثًا عن السعادة والطمأنينة؟ حديثًا عن القلق والمشكلات التي سيطرت على الناس اليوم، وأن العلاج لذلك هو الإيمان والرجوع إلى الله؟ لِمَ لا نستعين بنتائج الدراسات المعاصرة التي تثبت أثر التدين على استقرار حياة الناس وتجاوز مشكلاتهم؟ ولِمَ لا نتناول الحديث عن اليوم الآخر ونربط ذلك بواقع الناس بطريقة تخاطب مشاعرهم وعواطفهم وعقولهم... إلخ.

ت- أهمية شمول الطرح والمعالجة:

لا بد من تناول قضية المرأة تناولًا شموليًا، وأخذ الأمر من جميع جوانبه دون الاستجابة لتناول دعاة التغريب لجوانب معينة يحددونها ويريدون أن تكون هي موضع النقاش والحوار، كقضية قيادة السيارة، أو غطاء الوجه أو نحو ذلك؛ وهي قضايا ترتبط ببعضها ارتباطًا وثيقًا، فقضية قيادة السيارة ترتبط بالخروج من المنزل، واتساع مجالات التعرض للفتنة والإغراء، وترتبط بالحجاب... وهكذا.

وكثيرًا ما يطرح هؤلاء مسائل مما ورد فيها اختلاف فقهي، كقضية كشف الوجه ونحوها وبغض النظر عن عدم جدية هؤلاء فيما يطرحونه، وأن مسألة الخلاف الفقهي إنما هي تكأة أكثر من أن تكون منطلقًا حقيقيًا فرفض الدعاة لها لا ينبغي أن ينطلق من منطلق الترجيح الفقهي فقط، بل من النظر إليها باعتبارها جزءًا من منظومة ودائرة متكاملة لا يمكن فصل جزئياتها عن بعض.

إن الأمر يختلف حين تناقش هذه المسائل لدى الفقهاء، وحين يثيرها طائفة من دعاة تحرير المرأة، فلا يسوغ أن نتحدث مع هؤلاء بلغة الخلاف الفقهي المجرد.

ث- مناصرة المرأة وتبني قضاياها:

إن مما رفع أسهم دعاة التحرير والتغريب لدى الناس وأوجد لأقوالهم صدى وقبولًا: انطلاقهم من مبدأ نصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها؛ وبالفعل فإنهم أحيانًا ينتقدون بعض الأوضاع الخاطئة للمرأة في المجتمع.

والدعاة إلى الله تبارك وتعالى هم أوْلى الناس بنصرة قضية المرأة والدفاع عن حقوقها المشروعة، وانتقاد الظلم الذي ينالها، ومن ذلك: حقها في حسن الرعاية والعشرة؛ فبعض الأزواج يسيء معاملة زوجته ويهينها، وربما تعامل معها على أنها خادم، أو سلعة، أو شيء دنس. ومن ذلك: الأوضاع الخاطئة والعادات المخالفة للشرع في تزويجها، كالمغالاة في المهر، واعتباره ميدانًا للكسب المادي، وأخذ والدها لكثير من مهرها الذي هو حق لها، ومن ذلك العَضْلُ وتأخير تزويجها طمعًا في الاستفادة من راتبها حين تكون عاملة.

والدعاة حين يسعون لمناصرة قضايا المرأة والدفاع عنها لهم أسوة حسنة بالنبي صلى الله عليه وسلم؛ فقد اعتنى بعلاج ما يقع من خطأ تجاه المرأة؛ فعن سليمان بن عمرو بن الأحوص قال: حدثني أبي أنه شهد حجة الوداع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فحمد الله وأثنى عليه، وذكَّر ووعظ ، فذكر في الحديث قصة فقال: «ألا واستوصوا بالنساء خيرًا؛ فإنما هن عوانٍ عندكم، ليس تملكون منهن شيئًا غير ذلك إلا أن يأتين بفاحشة مبينة؛ فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع واضربوهن ضربًا غير مبرح، فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلًا. ألا إن لكم على نسائكم حقًا، ولنسائكم عليكم حقًا؛ فأما حقكم على نسائكم فلا يوطِئن فُرُشَكم من تكرهون، ولا يأذَنَّ في بيوتكم لمن تكرهون، ألا وحقهن عليكم أن تحسنوا إليهن في كسوتهن وطعامهن».

وعن إياس بن عبد الله بن أبي ذباب قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا تضربوا إماء الله» فجاء عمر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: ذَئِرْنَ النساء على أزواجهن؛ فرخص في ضربهن، فأطاف بآل رسول الله صلى الله عليه وسلم نساء كثير يشكون أزواجهن فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لقد طاف بآل محمد نساء كثير يشكين أزواجهن ليس أولئك بخياركم».

والاعتناء بهذا الجانب يبرز الدعاة إلى الله بأنهم الأنصار الحقيقيون للمرأة، وهم المدافعون عن قضيتها.

ج- مجالات التركيز في الدعوة والخطاب:

لا بد من مراجعة هادئة لمجالات التركيز في دعوة المرأة وخطابها، ومن الأمور المهمة التي تحكم التركيز في خطاب المرأة:

1- الأمور الأشد مصادمة للأصول الشرعية تكون لها الأولوية في المعالجة سواء كانت هذه المصادمة مباشرة أو غير مباشرة بل نتيجة المآلات.

2- الفئات الأشد تأثرًا، ولعل فئات الفتيات اللاتي في مراحل التعليم هن أكثر الفئات تأثرًا واستعدادًا للتجاوب مع التغيير سلبًا وإيجابًا، فالاعتناء بهذه الطبقة وتوجيه الخطاب المناسب لها، والسعي لاستثارة همم من يتعامل معهن من الآباء والمعلمات أمر ينبغي أن يحظى بأولوية واعتبار.

3- المتغيرات السلبية الحديثة والطارئة تستحق تركيزًا أكثر من غيرها؛ لأنها لم تستقر في المجتمع ولم تنتشر؛ فمن السهولة مواجهتها، وتركها قد يفتح المجال واسعًا أمام انتشارها في المجتمع وتقبُّله لها، وانتقالها -من مرحلة الحالات الفردية إلى أن تكون ظاهرة، ثم تتطور إلى أن تصبح قيمة اجتماعية- يصعب تغييره.

4- الجوانب المخالفة للشرع في حالها أو مآلها والتي يراد قطع خطوات عملية لإقرارها وتنفيذها؛ فالتصدي لها ومواجهتها أمر ينبغي أن يكون له أولوية، حتى لو قدمت على ما هو أهم منها مما لم يأخذ طريقه للتنفيذ.

الوقفة الرابعة: حول منهجية الخطاب وتتمثل في:

أ- تأصيل مبدأ التسليم:

لا بد من الاعتناء بتأصيل مبدأ التسليم والخضوع لله تبارك وتعالى والوقوف عند شرعه، والتأكيد على ذلك، وأن المسلم لا خيار له في التسليم لأمر الله سواء أدرك الحكمة أم لم يدركها {ومَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ ولا مُؤْمِنَةٍ إذَا قَضَى اللَّهُ ورَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ} [الأحزاب من الآية:36]، {فَلا ورَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ ويُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} [النساء:65].

وحين نُعنى بتحقيق الإيمان والتسليم لله عز وجل فإننا نختصر خطوات كثيرة على أنفسنا، وتؤتي دعوتنا ثمارها بإذن الله عز وجل.

وينبغي أن نحذر مما تسعى إليه بعض وسائل الإعلام المضللة التي تعقد حوارات حول القضايا الشرعية، فتجعل الحكم الشرعي رأيًا آخر، ووجهة نظر قابلة للنقاش، وهي الخطوة الأولى التي يريدها دعاة التغريب والعلمنة.

ب- الاعتماد على المنهج العلمي:

مما نحتاجه عند تناولنا لقضية المرأة أن نتحدث حديثا علميًا يحترم عقول الناس وتفكيرهم، فلم يعد الناس اليوم يقبلون أن يملي عليهم أحد كائنا من كان آراءه واقتناعاته الشخصية.

فحين نتحدث عن أن خروج المرأة للعمل يؤثر على رعاية منزلها وتربية أولادها فإننا نحتاج إلى أن نستشهد على صحة ما نقول بالدراسات العلمية التي أثبتت ذلك، وحين نتحدث عن صلة الاختلاط وخروج المرأة بالجريمة، وحين نتحدث عن أثر العفاف والمحافظة على الاستقرار والنجاح في العلاقات الزوجية ... إلخ نحتاج في ذلك كله إلى أن ندعم ما نقوله بالأدلة العلمية، وبنتائج الدراسات المتخصصة.

ولدينا اليوم رصيد من الدراسات العلمية لا يزال حبيس الرفوف؛ فالاستفادة منه وتوظيفه أمر له أهميته، يضاف إلى ذلك ضرورة إجراء دراسات علمية حول كثير من القضايا التي يُحتاج إليها، وينبغي استثمار مراكز البحوث، وأعضاء هيئة التدريس في الجامعات، وربما كانت هذه الدراسات الجادة أوْلى مما يطرح في الساحة من كتب وكتيبات لا تزيد على بضعة نُقُول من كتابات قديمة .

ت- التفريق بين العادات والأحكام الشرعية:

ترتبط العادات ارتباطًا وثيقًا بقضية المرأة؛ إذ لا يخلو مجتمع من المجتمعات من عادات تختص بهذا الجانب؛ ولأن معظم العادات القبلية في المجتمعات الإسلامية تتسم بقدر من المحافظة، فقد يختلط الأمر لدى بعض الغيورين فيخلطون بين عادات تواضع عليها المجتمع وأصبحت جزءًا من ثقافته، وبين الأحكام الشرعية؛ فيصرون على الإبقاء على هذه العادات والمنافحة عنها، وقد لا يكون لها أصل في الشرع.

والأمر في ذلك يحتاج إلى الاعتدال؛ فالعادات التي ليس لها أصل من الشرع لا ينبغي الإصرار على التمسك بها والمنافحة عنها، فضلًا عن ربطها بالشرع، وفي المقابل لا ينبغي الإصرار على تحطيمها ونبذها بحجة أنها مما لم يأت بها الشرع، فما كان منها حسنًا فليبق عليه، وما كان سيئًا فليترك.

ث- الاعتناء بالضوابط الشرعية والحذر من تجاوزها:

لما كانت فتنة المرأة من أشد الفتن وأضرها أحاطها الشرع بالضوابط والأحكام التي تقلل من تأثيرها.

لذا فلا بد من الاعتناء بهذه الضوابط والالتزام بها، فقد يدفع حرص بعض الدعاة على نشر الدعوة وتوسيع نطاقها إلى السعي للتخفف من هذه الضوابط وتجاوزها.

وقد يكون الأمر ناشئًا عن ردة فعل تجاه ما يطرحه الآخر ويَصِمُ به الإسلاميين؛ فيبالغ بعض الدعاة في التحرر من الضوابط الشرعية، وربما يشن هجومًا غير متزن على أولئك الذين يلتزمون بها.

إنه ليس من المقبول أن يبالغ أحد الدعاة في انتقاد فصل الرجال عن النساء في المؤتمرات والمنتديات الدعوية، أو يطلب أن تقدمه إلى الجمهور امرأة وتتولى قراءة الأسئلة، أو أن تصبح قضية فصل مصلى الرجال عن النساء من أكبر ما يتصدى لإنكاره في بلد يقطع خطوات حثيثة نحو التغريب وتحرير المرأة!

الوقفة الخامسة: الموقف من دعاة التغريب والتحرر ويتمثل ذلك في الآتي:

أ- التفريق بين من يتناولون قضية المرأة:

لقد حمل لواء الدعوة إلى تحرر المرأة وتغريب المجتمع المسلم طائفة من رجال التيار العلماني، وسعوا بمكر ودهاء لسلوك أي طريق يمكن أن يوصلهم إلى أهدافهم المشبوهة، ولأن هؤلاء يسلكون أساليب ملتوية في طرح أفكارهم، ويتظاهرون بالدفاع عن قضية المرأة والسعي لإعطائها حقوقها المسلوبة فقد سايرهم في ذلك طائفة من الكتاب والصحفيين والمثقفين ممن لا يحمل التوجه والفكر العلماني، إنما هم من المتأثرين بما يطرحه أولئك، وكثيرًا ما يطرح المتأثرون بهم قضايا تتفق مع ما يسعى إليه أولئك.

فينبغي عند تناول القضية والحديث عن المخالفين ألا نحشر الجميع في زاوية واحدة ودائرة واحدة؛ ففرق بين من يساير هؤلاء فيما يطرحون وبين من يحمل الفكر والتوجه العلماني.

ولقد فرق السلف بين أهل البدع، فأهل الأهواء والزندقة ليسوا كمن عرف عنه إرادة الخير وتحريه لكنه وافق بعض أهل البدع في بدعتهم، والداعية إلى البدعة المنافح عنها ليس كغيره، وأصحاب البدع المكفرة ليسوا كمن دونهم من أصحاب البدع المفسقة.

ب- البعد عن الحديث عن النوايا:

إن الحق يجب أن يقال، والباطل يجب أن يواجه ويبين للناس؛ لكن ثمة فرق بين بيان الحق والرد على المبطل، وبين الحكم على صاحبه؛ فنحن في أحيان كثيرة نشن انتقادًا لاذعًا لكل من يطرح طرحًا مخالفًا في قضية المرأة وغيرها، ولا نقف عند هذا الحد، بل نتهم الكاتب والمتحدث بسوء النية، وخبث الطوية... إلخ.

فليكن النقاش منصبًّا على الفكرة وعلى الموضوع، أما رموز التيار العلماني، ومن يحمل فكرًا سيئًا فهؤلاء ينبغي أن يُفضحوا بالطريقة المناسبة ليس من خلال كتاب أو مقال واحد، بل من خلال رصد واسع لتوجهاتهم وأفكارهم، وأن يكون ذلك بطريقة تقنع الناس.

ت- النقد العلمي الموضوعي:

حين يتناول هؤلاء قضية المرأة أو غيرها فإنهم يُدبِّجون حديثهم بحجج ومسوغات تضفي عليه صبغة الموضوعية والحياد العلمي، وكثيرًا ما يوظفون نتائج البحث العلمي توظيفًا مضلِّلًا.

والملاحَظ أن كثيرًا من ردود الدعاة على هؤلاء تتسم بالتشنج والعاطفة، وتأخذ منحى الحكم على الأشخاص، والحديث عن المؤامرات التي تحاك على المرأة، ويتجاهلون النقاش العلمي الموضوعي لما يطرحه أولئك من مسوِّغات.

وهذا الطرح إن أقنع فئات من المتأثرين بالدعاة، فإنه لن يقنع فئات أخرى ممن يعني الدعاة إقناعهم، بل ربما أسهم في إقناعهم بوجهة نظر الآخر.

إن الدعاة أحوج ما يكونون إلى إتقان لغة الحوار، والحديث العلمي الموضوعي، وإلى أن يدركوا أن مجرد كونهم ناصحين غيورين لن يجعل الناس منصتين لهم ينتظرون ما يطرحونه ويتلقونه بالتسليم والقبول.

الوقفة السادسة: لا بد من الاعتناء بالبناء والإعداد:

ينبغي الاعتناء بالبناء والإعداد، وألا تكون مواقفنا مجرد ردود أفعال لما يثيره الأعداء؛ فحين تثار قضية نتفاعل معها، ونكثر الحديث حولها وننسى ما سواها، ومن ثم تصبح دعوتنا مجرد انعكاس لما يثيره ويطرحه دعاة التغريب والتحرر.

ومع أن هذا لا يعني إهمال القيام بواجب الإنكار وبيان الموقف الشرعي في القضايا التي تثار، وأن ذلك ينبغي أن يكون في وقته، إلا أن الاعتراض على أن يكون هذا هو وحده محور الحديث ومنطلقه.

والحديث الناشئ عن ردة الفعل سيتحكم في مضمونه ومحتواه ما يطرحه ويثيره الآخر، ومن ثم فلن يكون متكاملًا أو متوازنًا في تناوله للقضية.

الوقفة السابعة: لا بد من التركيز على البرامج العملية:

لا يسوغ أن يبقى جهد الدعاة منحصرًا في إطار الخطاب النظري وحده، بل لا بد من الانطلاق إلى برامج عملية ومن هذه البرامج المهمة:

أ- الاعتناء بتربية الفتيات وتنشئتهن، وهذا يتطلب من الدعاة إلى الله أن يعتنوا ببيوتهم ويعطوها من أوقاتهم.

ب- الاعتناء بإعداد برامج ومناهج تربوية تتفق مع طبيعة المرأة بحيث تكون متاحة للجميع ليستفيدوا منها.

ت- نظرًا لطبيعة المرأة وقلة الفرص المتاحة لها لتلقِّي التربية والتوجيه في مقابل ما هو متاح للشباب، فإن هذا يستلزم الاعتناء بإيجاد محاضن للمرأة تتلقى فيها التربية والتوجيه، كدور القرآن ومدارسه، وأن تُطَوَّر هذه المحاضن ويُرتَقَى بها، وأن تتضافر في ذلك الجهود ولا يكون الأمر مختصًا بفئة يسيرة من المهتمين.

 

يتبع...

المصدر: موقع الربانية