العمل الخيري الإسلامي... رغبة في التنسيق المفقود
من هنا يتطلب الحال أهمية البحث عن العقبات التي تواجه العمل الخيري، وتحديد سبل التنسيق بين المنظمات الإغاثية، في الوقت الذي أصبح العرب والمسلمون أحوج ما يكونون فيه إلى التعاون والتنسيق، والذي سبقتهم إليه الهيئات والجمعيات الطوعية بدول العالم الغربي.
يظل العمل الإغاثي مُلِحًا في الوقت الذي يعاني فيه بنو البشر من تحديات على المستويات كافة، سواء كانت كارثية ناتجة بفعل الطبيعة، أو نتيجة للحروب والنزاعات الأهلية، أو للعوز بفعل التأثيرات الاقتصادية وانعكاساتها على الفقراء والمحتاجين.
وأقلياتنا العربية والإسلامية في دول العالم، وخاصة في الدول الفقيرة بالأساس، مثل بعض الدول الأفريقية والآسيوية، أصبحت بحاجة إلى دعم إغاثي، ما جعل كثيرًا من الأقليات المسلمة تعاني من افتراش الأرض والتحاف السماء.
والواقع، فان الحاجة أصبحت ملحة للتنسيق والتعاون بين المنظمات الإنسانية والإغاثية العربية والإسلامية، في الوقت الذي تعاني فيه العديد من هذه المنظمات من حصار منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، نتيجة الاتهامات الباطلة التي ألصقتها الدعايات الغربية الكبرى بالمنظمات الطوعية العاملة في العالم العربي والإسلامي.
من هنا يتطلب الحال أهمية البحث عن العقبات التي تواجه العمل الخيري، وتحديد سبل التنسيق بين المنظمات الإغاثية، في الوقت الذي أصبح العرب والمسلمون أحوج ما يكونون فيه إلى التعاون والتنسيق، والذي سبقتهم إليه الهيئات والجمعيات الطوعية بدول العالم الغربي.
تفعيل التعاون المشترك
ومن المحاور المهمة التي تستدعي التوقف عندها بهدف تفعيل التعاون والتنسيق بين المؤسسات الإغاثية والإنسانية بالعالم العربي والإسلامي، ضرورة تفعيل وتعزيز العلاقة بين المنظمات العاملة في المجال الإنساني وجامعة الدول العربية وتطوير آليات التعاون لمواجهة كافة التحديات التي تواجه العمل الإنساني.
كما يتطلب حال المؤسسات الرسمية القائمة أن تعمل على دعم وتطوير السياسات والتشريعات واللوائح الخاصة بآليات تنظيم وحماية وتعزيز العمل الإنساني والتنموي، وإيلاء هذا العمل موضع اهتمام، وتجنب نظرة الريبة التي ينظر إليه بها.
وتجنبًا لهذه الريبة، فإنه يمكن تأسيس صندوق عربي وإسلامي تشرف عليه الجامعة العربية ومنظمة المؤتمر الإسلامي، بهدف تمويل العمل الخيري، وتمويل المشاريع والبرامج الإغاثية بالشراكة مع المنظمات الإنسانية العالمية، وتبني نظام طوارئ في إطار الجامعة العربية بما يمكنها من الاستجابة السريعة للحالات الإنسانية الطارئة مع الاستفادة من أجهزة ونظم الإنذار المبكر الدولية.
وفي الوقت نفسه، فان حال المنظمات الإغاثية يتطلب ضرورة الإسهام في البحث عن جهود لدعم قدرات المنظمات الإنسانية والتنموية، والاهتمام بإعداد الدراسات والأبحاث والمعلومات والتدريب بناء على الخبرات والتجارب المتخصصة في هذا الشأن، وأن تقوم جامعة الدول العربية على تيسير شروطها الخاصة بمنح صفة مراقب، باعتبارها منظمات غير الحكومية، ومنحها الحقوق والتسهيلات اللازمة لذلك، والعمل على نشر وترسيخ ثقافة قيم العمل الطوعي والإنساني من خلال المناهج التربوية والتعليمية والوسائل الإعلامية.
ويمكن أن نتوقف هنا عند شروط حصول المنظمات الخيرية الإنسانية على عضوية الجامعة العربية بصفة مراقب. ومن هذه الشروط: أن تكون المنظمة أو الجمعية الراغبة في الحصول على عضوية الجامعة العربية بصفة مراقب، ذات شخصية اعتبارية وكيان مالي وإداري مستقل، وأن تكون مسجلة رسميا في دولة مقرها الأصلي، ومصرح لها بالعمل، وأن تكون ذات نشاط دولي وإغاثي إنساني، ولها فروع فيما لايقل عن خمس دول أعضاء بالجامعة العربية.
ومن الشروط أيضا أن تكون المنظمة حاصلة على صفة مراقب من شأنه المساعدة في القيام بنشاطات وتقديم خدمات خيرية وإغاثية في نطاق الدول العربية، وأن تلتزم بالرسوم المقررة لتلك العضوية، وأن تتعهد بتطبيق المعايير والشروط المتفق عليها، وأن تخضع المنظمة الراغبة في العضوية حساباتها السنوية لمكتب محاسبة قانوني معتمد، وأن تصدر المنظمة تقريرًا سنويًا عن أنشطتها الخيرية والإغاثية والإنسانية.
حماية العمل التطوعي
وفي المقابل، فإنه من الضروري العمل على إيجاد اتفاقية عربية لحماية العاملين والمتطوعين في العمل الإنساني والتنموي، وإنشاء لجنة دائمة في الجامعة العربية بمشاركة المنظمات الإنسانية والتنموية تعنى بشؤون تطوير العمل الإنساني والتنموي، وإنشاء إطار مؤسسي يعمل على تعزيز التنسيق والشراكة بين المنظمات الإنسانية والتنموية وبناء قدرات المنظمات الإنسانية والتنموية بما يعزز مهنيتها وشفافيتها والاهتمام بالدراسات والبحث العلمي، وإعداد مدونة سلوك للعمل الإنساني بما يوائم القيم والخصوصيات الثقافية للمنطقة العربية والإسلامية.
وفي هذا الإطار، فإنه من الأهمية بمكان الاستفادة من الممارسات والتجارب الناجحة، والاستفادة من الطاقات والخبرات العربية والإسلامية القائمة بالخارج لتنمية العمل الإنساني والتنموي، وإنشاء قاعدة بيانات للمنظمات الإنسانية والتنموية لرصد وتوثيق المساعدات الإنسانية العربية والإسلامية، وإتاحة الفرصة لعمل الشباب في العمل الإنساني والتنموي، وتنظيم لقاء سنوي للمنظمات العربية والإسلامية الإنسانية متزامنًا مع القمم العربية العادية، وإعداد تقرير عربي دوري شامل حول الوضع الإنساني والتنموي في الوطن العربي.
ووقت أن تتحقق المحاور السالفة، فإنها ستعد بمثابة نقطة انطلاق لتأسيس انطلاقة قوية للمنظمات الإنسانية والتنموية بهدف تعزيز الشراكة على خلفية قرارات وتوصيات الجامعة العربية من ناحية، ولتبديد أية مخاوف من أداء المنظمات من ناحية أخرى، انطلاقا من أن للعمل الخيري أهدافا واسعة لا تنحصر في مساعدة ودعم المجموعات الخاصة المستضعفة مثل ذوي الإعاقة والأيتام والأرامل والمشردين وفي محاربة الفقر فقط، بل يجب أن يتسع ليشمل كل المجتمع وكافة حقوق الإنسان وهو ما يجب بحثه ونقاشه في المجتمع العربي والاستفادة في ذلك من الخبرات المتراكمة في هذا المجال.
فراغ التنسيق
إلا أنه ونتيجة للفراغ وغياب التنسيق بين المؤسسات الإنسانية والإغاثية في العالمين العربي والإسلامي. فإنه من الضروري تجاوز الأزمات العربية المتعلقة بهذا الشأن، ومساعدة هذه المنظمات على نقلها من رد الفعل إلى الأداء المؤسسي، وتعزيز التنسيق المشترك فيما بينها، وإيجاد مظلة لعملها، وتفعيل القرار الصادر عن جامعة الدول العربية، رقم 7 لسنة 2007، ويدعو إلى تنظيم العلاقة بين المنظمات الإنسانية والإغاثية في الوطن العربي وبين جامعة الدول العربية، وأن تكون العلاقة بين الجانبين علاقة تنسيق وتعاون وليست علاقة مشاركة في الميدان الإغاثي والإنساني فقط، على أن يقوم مبدأ الشراكة بين الجامعة العربية والمنظمات الإنسانية والإغاثية على الاستقلالية والمسؤولية في آن.
ونطرح في هذا السياق مجالات التعاون المأمول بين الجامعة العربية والمنظمات الإنسانية والإغاثية، ومنها التعاون مع المنظمات لإنتاج وتوزيع البرامج الوثائقية والإعلامية التي من شأنها تنبيه العالم إلى المآسي الناجمة عن الحروب والمجاعات والكوارث في العالم عامة، والعالم العربي خاصة.
وطبقًا للقرار رقم 7 لسنة 2007 الصادر عن الجامعة العربية، والخاص بالدعوة إلى تشجيع الشراكة الفاعلة بين الطرفين، فإنه يمكن توثيق الروابط بين المنظمات الأعضاء في الجامعة والمنظمات الدولية ذات العلاقة في كل دولة عضو بما يكفل تناسق الأداء وتقليل النفقات، وبما يمكن المؤسسات الخيرية الإسلامية من الوصول إلى نقاط بعيدة في العالم، قد تتواجد فيها أقليات إسلامية، فتعمل على دعمها، وتعمل على نصرتها.
ومن الشراكة التي يمكن التعاون بشأنها إيجاد مشاريع وبرامج مشتركة في المجالات الإعلامية، وتقديم تسهيلات مختصة في هذا الشأن، وإنشاء محطة تلفزيونية وإقامة مركز معلومات وأبحاث، يعنى بدراسات العمل الخيري، وتسهيل مهام المنظمات الأعضاء بصفة مراقب مع الدول الأعضاء.
وختاما.. فإنه بالتنسيق والتعاون بين المنظمات الإنسانية والإغاثية العربية والإسلامية، فإن مخاوف البعض يمكن أن تزول تجاه مؤسسات العمل الطوعي، ليبقى العمل المؤسسي والمنظم الساعي إلى الأعمال الخيرية قائما بدوره، في ظل النظر على أنه واجب إنساني وديني، وبما يمكن أن يعمل على تغطية الجراحات التي يمر بها العالم العربي والإسلامي.
علا محمود سامي
- التصنيف:
- المصدر: