وأنبتها نباتًا حسنًا

منذ 2014-05-10

مريم بنت عمران عليها السلام.. أم عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله، وردت قصتها في القرآن الكريم في مواضع عدة.. أقف وإياكم سويًا عند الآيات التي تناولت قصتها.. لنرشف من أريجها.. ونتعرف على قصتها من قبل أن تولد.. كما ذُكرت في القرآن الكريم.. مستأنسين في ذلك بكلام خير البرية صلى الله عليه وسلم.

مريم بنت عمران عليها السلام.. أم عيسى عليه السلام عبد الله ورسوله، وردت قصتها في القرآن الكريم في مواضع عدة.. أقف وإياكم سويًا عند الآيات التي تناولت قصتها.. لنرشف من أريجها.. ونتعرف على قصتها من قبل أن تولد.. كما ذُكرت في القرآن الكريم.. مستأنسين في ذلك بكلام خير البرية صلى الله عليه وسلم.

 

ولدت مريم عليها السلام لعائلة مباركة أثنى الله سبحانه وتعالى عليها واصطفاها من سائر العالمين.. إنها عائلة عمران؛ تلك العائلة التي شرفت بذكرها في القرآن بل وسُميت سورة كاملة من القرآن باسمها وهي سورة (آل عمران)، كما قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ} [آل عمران:33].

ولما حملت أم مريم عليها السلام نذرت المولود لله تعالى ولخدمة بيت المقدس معتقدة أن الله سبحانه وتعالى سيرزقها ذكرًا، قال تعالى: {إِذْ قَالَتِ امْرَأَتُ عِمْرَانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ مَا فِي بَطْنِي مُحَرَّرًا فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [آل عمران:35]. ولما حان موعد الولادة.. اكتشفت الأم المؤمنة التقية أن المولود أنثى وليس ذكرًا كما توقعت، فقالت: {رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى}، فردَّ الله سبحانه وتعالى: {وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى} [آل عمران:36]. أي أن الله سبحانه وتعالى علِم أنها ستضع أنثى ولكن أي أنثى هذه ؟! إنها أنثى مباركة طيبة لن تكون كالذكر الذي تمنته الأم وإنما هي أرفع شأنًا وأعلى مكانة.. فالله سبحانه وتعالى هو عالم الغيب وهو الحكيم في تدبيره العليم بما سيكون.

فلما وضعت الأم المولودة سمتها (مريم) ثم دعت الله سبحانه وتعالى أن يحفظها وذريتها من الشيطان ووساوسه، قال تعالى: {فَلَمَّا وَضَعَتْهَا قَالَتْ رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُهَا أُنْثَى وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا وَضَعَتْ وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى وَإِنِّي سَمَّيْتُهَا مَرْيَمَ وَإِنِّي أُعِيذُهَا بِكَ وَذُرِّيَّتَهَا مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [آل عمران:36]. فاستجاب الله سبحانه وتعالى لدعائها وحفظ ابنتها مريم ورباها على عينه وقيض لها زكريا عليه السلام ليكفلها ولتتعلم على يديه فأصبحت عابدة تقية لا تفارق محرابها.

 

وكان زكريا عليه السلام زوج خالتها أو زوج أختها لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال في حديث الإسراء والمعراج الطويل: «إذا بِيحيى وعِيسَى، وَهُمَا ابْنَا الخَالَةِ»، وكان الله سبحانه وتعالى يرزقها من حيث لا تحتسب وهي في محرابها، ولذلك كان زكريا عليه السلام يستغرب من وجود أنواع الأكل عندها ويسألها من أين هذا الطعام فتجيبه بأن الله تعالى يرزق من يشاء بغير حساب. قال تعالى: {فَتَقَبَّلَهَا رَبُّهَا بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَأَنْبَتَهَا نَبَاتًا حَسَنًا وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [آل عمران:37].

وهكذا كبرت مريم عليها السلام في كنف زكريا عليه السلام وكانت نعم الأمة لربها سبحانه وتعالى، حتى جاء يوم من الأيام وأراد الله بحكمته البالغة وقدرته الهائلة أن يوجد منها إنسانًا يكون معجزة إلهية ويكون رسولًا لبني إسرائيل.

 

فبينما هي في مكان بعيد عن أعين قومها بمفردها شرق بيت المقدس بعث الله سبحانه وتعالى لها جبريل عليه السلام في صورة إنسان.. قال تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِهَا مَكَانًا شَرْقِيًّا . فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجَابًا فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم:16، 17]. فلما رأته فزعت وخافت وظنت أنه يريدها بسوء فذكرته بالله تعالى وخوفته منه وقالت: {إِنِّي أَعُوذُ بِالرَّحْمَنِ مِنْكَ إِنْ كُنْتَ تَقِيًّا} [مريم:18]. فطمأنها جبريل عليه السلام وأخبرها أن رسول الله إليها ليبشرها بأنها ستلد غلامًا يكون رسولًا إلى قومه، وهنا ازداد فزعها ودهشت واستنكرت لأنها ليست متزوجة فكيف يكون لها غلام، وحاشاها أن تفعل الفاحشة وقالت: {أَنَّى يَكُونُ لِي غُلَامٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا} [مريم:20]. فردّ عليها جبريل عليه السلام بأن هذا أمر الله وقدره ليكون ولدها هذا آية للعالمين على قدرة الله جلَّ وعلا وأنه إن أراد شيئًا فإنما يقول له كن فيكون.

 

فحملت مريم بهذا الغلام المبارك، ولما كان موعد الولادة اتخذت لها مكانا بعيدًا عن القوم.. وعانت آلام المخاض وحدها.. وتمنت أن لو كانت ميتة أو لم تُخلق حتى لا تعاني ألم نظرات الناس لها وشكهم فيها وهي العابدة الصالحة التقية. وأكرمها الله سبحانه وتعالى بنخلة تهزها لتسقط عليها التمر لتأكله وتتقوى به على ألم الولادة، فلما عادت إلى قومها ورأوها تحمل طفلًا مولودًا بين يديها استنكروا عليها هذا الأمر وقالوا لها: {يَا مَرْيَمُ لَقَدْ جِئْتِ شَيْئًا فَرِيًّا . يَا أُخْتَ هَارُونَ مَا كَانَ أَبُوكِ امْرَأَ سَوْءٍ وَمَا كَانَتْ أُمُّكِ بَغِيًّا} [مريم:27، 28]. وقد قالوا ذلك لما كانوا يعرفون أنها لم تتزوج ومع هذا فهي تقية نقية يستحيل أن تفعل الفاحشة، فلم ترد عليهم مريم وإنما أشارت إليهم أن يكلموا ولدها، فزادت حيرتهم ودهشتهم وقالوا: {كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كَانَ فِي الْمَهْدِ صَبِيًّا} [مريم:29].

حينئذٍ تبدت معجزة الله سبحانه وتعالى ونطق ابنها عيسى عليه السلام في المهد وكلم الناس وردَّ عليهم وقال كما قال تعالى: {قَالَ إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ آتَانِيَ الْكِتَابَ وَجَعَلَنِي نَبِيًّا . وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنْتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا . وَبَرًّا بِوَالِدَتِي وَلَمْ يَجْعَلْنِي جَبَّارًا شَقِيًّا . وَالسَّلَامُ عَلَيَّ يَوْمَ وُلِدْتُ وَيَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيًّا} [مريم:30- 33]. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة منهم عيسى ابن مريم عليه السلام.

 

ذُكر اسم مريم عليها السلام في القرآن الكريم ثلاثون مرة بمفردها وملحقة بولدها عليه السلام، وذكرت تلميحًا في قوله تعالى: {وَالَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهَا مِنْ رُوحِنَا وَجَعَلْنَاهَا وَابْنَهَا آيَةً لِلْعَالَمِينَ} [الأنبياء:91].

وقد أثنى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: «خَيْرُ نِسَائِهَا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ. وَخَيْرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنْتُ خُوَيْلِدٍ» (أخرجه مسلم). ويُقصد به خير نساء عالمها. وقال أيضًا: «كَمَلَ مِنْ الرِّجَالِ كَثِيرٌ وَلَمْ يَكْمُلْ مِنْ النِّسَاءِ إِلَّا مَرْيَمُ بِنْتُ عِمْرَانَ وَآسِيَةُ امْرَأَةُ فِرْعَوْنَ وَفَضْلُ عَائِشَةَ عَلَى النِّسَاءِ كَفَضْلِ الثَّرِيدِ عَلَى سَائِرِ الطَّعَامِ» (أخرجه البخاري).

هذه هي مريم التي اصطفاها الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصْطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ الْعَالَمِينَ} [آل عمران:42]، وتلك كانت قصتها كما وردت بالقرآن بعيدًا عن الإسرائيليات والأكاذيب التي تُروى.