معنى تحكيم الشريعة

منذ 2014-05-10

هذه الكلمات ترسم فقط بعض معالِم ومعاني تطبيق الشريعة، ولا أدَّعي الشمول.. كتبتها جوابًا عن سؤال أخٍ كريمٍ سألني: ماذا لو حكم شرعُ الله مصر؟

بسم الله، الحمد لله، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد.

هذه الكلمات ترسم فقط بعض معالِم ومعاني تطبيق الشريعة، ولا أدَّعي الشمول.. كتبتها جوابًا عن سؤال أخٍ كريمٍ سألني: ماذا لو حكم شرعُ الله مصر؟

تحكيم الشريعة يعني أمورًا كثيرة.. منها:

1- أن يجري العملُ على تحرير مصر تحريرًا كاملًا من التبعية لدول الكفر في كل الجوانب السياسية والاقتصادية والثقافية والأخلاقية، وتحقيق الحرية والاستقلال، وامتلاك الإرادة والقرار.

2- أن تختار الأمة المسلمة حُكَّامها عن طريق نُوَّابها وممثليها الحقيقيين -أهل الحل والعقد- الذين يمثِّلون هذه الأمة دينًا وثقافةً وفِكرًا وعقيدةً وأخلاقًا ولغةً وتاريخًا وحضارة.

3- أن تكون وظيفة الحاكم هي خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذه الأمة ليقودها بكتاب الله وسنة رسوله، ويقيم لها دينها ودنياها.

4- أن نعمل على إنتاج سلاحنا وغذائنا ودوائنا، حتى لا نكون عالةً على أعدائنا، وأذنابًا لمن يتربصون بنا.

5- أن يكون القضاء في محاكمنا بالكتاب والسنة وما استنبطه أهل الاجتهاد منهما.. يحكم بذلك قضاة عدول يخشون الله ويعرفون أحكام دينه ويحفظونها ويفهمونها، بدل حفظ القوانين الوضعية المنحرِفة، والحكم بها، من دون تفريق بين شريف ووضيع أو غني وفقير أو سيد ومسود.. فقانون العدل وحكم الشرع يسري على الجميع.

6- أن نعمل على إقامةِ نظامٍ اقتصاديٍ مستقلٍ لا يتعامل بالربا، ولا يصادم أحكام الشرع، يجمع الأموال من المصادر المشروعة، ويستثمرها فيما أحله الله، وينفقها بالعدل فيما ينفع الناس ويسد حاجاتهم، ويقيم معايشهم، ويقوم علي رعاية ذلك كله متخصصون في الاقتصاد متقنون له.

7- لا يلزم من تطبيق الشريعة أن يتحوّل الناس كلهم إلى أغنياء، ولا أن يكثر المال، ولا أن يكون الناس في رفاهية وسَرَّاء، بل يبتلي الله عباده بالغنى والفقر وبالسَّراءِ والضراء، وقد ضرب الفقر الناس في زمان عمر الفاروق رضي الله عنه في عام الرمادة وهو الخليفة المضروب به المثل في العدل.. لكن تطبيق الشريعة هنا: أن لا يسطو أحد على حقِّك، بل يأخذ كل ذي حقٍ حقه قليلًا كان أو كثيرًا..

فالحاكم هنا عليه أن يقوم: بالعدل، ومشاركة الناس في الهموم، وتحمل المسؤولية، وأما الغنى والفقر، والمال والقحط، والسراء والضراء فابتلاء من الله.

8- أن تكون وظيفة التعليم والإعلام هي بناء عقول الأمة بناء صحيحًا، يغرِس فيها معاني العقيدة الصحيحة، والأخلاق القويمة، ويوجهها نحو ما ينفعها في دينها ودنياها وآخرتها، ويُربي فيها معاني الشرف والكرامة والاستقامة، ويُعَلِّمها كيف تُعَمِّر دنياها وآخرتها معًا.

9- أن تحاصرَ أجهزةُ الدولة الفسادَ الدِّينيَّ والماليَّ والإداريّ والأخلاقيّ؛ عن طريق تربية الناس على الأمانة والصيانة، مع وضع أناس من أهل الكفاءة والعِفَّة والنظافة والأمانة على رؤوس الإدارات.. لتراقب استقامتها وسيرها على قانون العدل، مع الحسم في عزل ومعاقبة أهل الخيانة والفساد.

10- أن نعمل على إعداد جيشٍ قوِيٍ في إيمانه وعقيدته وعُدته وعتاده، نُعِدُّ لعدونا ما استطعنا من القوة وآلة الحرب، وأن يكون ولاء الجيش وولاء قادته لدينهم وأمتهم.. لا يرفعون السلاح إلا فيما شرع الله لهم رفعه فيه، ولا يوجهونه إلا إلى صدور أعدائنا، والمحاربين لديننا، والظالمين لأمتنا، وكلِّ من أذن الله بجهادهم.

11- أن نعمل على إحياء سوقِ الجهاد ورفع رايته، نقية طاهرة، منضبطة بقواعد الشرع.. غايتها: إعلاء كلمة الله، ورفع الظلم، وتحقيق العدل في الأرض؛ لأن نبينا صلى الله عليه وسلم قد علَّمنا أن في ترك الجهاد: ذُلَّنَا، وأن الذل لن يرفعه الله عنَّا حتى نعود إلى ديننا.

12- أن تكون وظيفة الشرطة: حفظ الأمن الداخلي، وضبط النظام، وتغيير المنكرات الظاهرة، والقبض على المفسدين والمجرمين.. من غير ظلم ولا بغي ولا تجاوز ولا عدوان على الناس بغير حق، ومن تجاوز العدل إلى الظلم كان أولى بالعقوبة ولو كان رئيس الشرطة كلها.

13- أن تكون علاقات الدولة الخارجية تصُبُّ في مصلحة الإسلام وأهله، لا في مصلحة اليهود والنصارى.. وأن يكون معيار الولاء والبراء مع الآخرين هو الإسلام، ومعيار الحرب والسِلم والعهد والهدنة هو قواعد الشرع وأحكامه.. يفتي فيها أهل العلم والدين مع أهل السياسة والحرب.

14- أن يوضع كل إنسان في موضعه الذي يليقُ به.. فعلماء الشريعة للتعليم والفتوى والدعوة والبيان، وأهل العلوم الدنيوية من الطب والهندسة والصناعة والزراعة والتجارة والإدارة... وغيرها، كلٌّ منهم في موضعه الذي يليق به، ويمكنه فيه أن يشارك في خدمة الأمة وبناء صرحها، وأن يُستشار كلٌّ منهم ويُستفتى في تخصصه.
ولكن: يجمع كل هؤلاء: الأمانة والنزاهة والانضباط بقواعد الشرع في العمل، فلا مكان للصوص والخونة والمفسدين، ولا مجال للخروج عن شريعة ربّ العالمين.

15- هذه الأمور التي ذكرتها.. تصب في معنى واحد، ذكره شيخ الإسلام ابن تيمية مجملًا، وبيَّن أنه هو مقصود الولاية الشرعية.. فقال: "وليُّ الأمر إنما نصب ليأمر بالمعروف، وينهى عن المنكر، وهذا هو مقصود الولاية"
هذا هو تطبيق الشريعة: الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر.. بهذا المفهوم الواسع الشامل، لنصل إلى: إقامة الدين، وسياسة الدنيا به.

واقرأ قول الله تعالى: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آلِ عمران:110].

16- يتفاوت الحكام قربًا وبعدًا والتزامًا وتضييعًا لقواعد الشرع وأحكامه.. وكلما كان الحاكم مُلتزمًا للشرع مُطبِّقًا لأحكامه؛ كان من المقسطين الذين هم على منابر من نورٍ يوم القيامة، وكان من السبعة الذين يُظلَّهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، واستحق المعونة والمحبة والولاء والمناصرة.

- فإن ضيَّع وفرَّط وبغى وظلم.. استحق العقاب من الله يوم القيامة على ظلمه، ووجب على الأمة نصحه وتقويمه ونهيه عن منكره، مع الصبر، وترك الخروج عليه.

- فإذا ترك إقامة الدين أو قاعدة من قواعده أو أعرض عن تحكيم الشرع أصلًا ونبذ التحاكم إليه، وأراد التحاكم إلى الطاغوت، وصد عن سبيل الله صدودًا، أو ترك الصلاة، أو ارتكب ناقِضًا من نواقض الإسلام قولًا أو فعلًا أو تركًا أو شكًا أو جحودًا.. سقطت ولايته وطاعته، واستحق العزل، ووجب على المسلمين السعيُ لعزله وتنصيب غيره من أهل العدل مكانه، فإن عجِزوا سقط عنهم الوجوب، ووجب عليهم إعداد العِدة لذلك والتهيؤ له وترقُّب الفرصة لتحقيقه.

17- إذا عجز الحاكم -عجزًا حقيقيًّا أو حُكميًّا- عن القيام بواجب من واجبات الشرع: سقط عنه، لأن الوجوب معلَّقٌ بالاستطاعة، والله تعالى لا يكلف نفسًا إلا وسعها.. فليتقِ الله ما استطاع ويقوم بما يقدِر عليه، ويسعى لتحصيل القوة التي تمكنه من القيام بالواجبات وإقامة الدين، ولا يركن إلى الضعف والخنوع والاستسلام، وعلى الأمة أن تعينه على ذلك وتساعده عليه.

18- إذا ﺣﻜﻢ ﺷﺮﻉ ﺍﻟﻠﻪ ودينه ﺳﺎﺋﺮ ﺍﻟﺒﻠﺪﺍﻥ ﺍﻟﻤﺴﻠﻤﺔ فإن من ﻻﺯﻡ ﺫﻟﻚ ﺃﻥ ﻳﺘﻮﺣَّﺪﻭﺍ ﻋﻠﻰ ﺇﻣﺎﻡ ﻭﺍﺣﺪ (ﺧﻠﻴﻔﺔ).. ﻳﺼﺮﻓﻮﻥ ﻟﻪ ﺍﻟﺒﻴﻌﺔ ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺤﻜﻢ ﺑﺎﻟﻜﺘﺎﺏ ﻭﺍﻟﺴﻨﺔ، ﻭﺍﻟﻄﺎﻋﺔ ﻓﻲ ﺍﻟﻤﻌﺮﻭف، وبهذه الوحدة والاجتماع على الحق، وتحكيم الشرع- يكون عِزُّ المسلمين، ومجدهم، وتمكينهم في الأرض وتمكين دينهم الذي ارتضاه الله لهم، وتبديلهم من بعد خوفهم أمنًا، ومن بعد ذُلِّهم عِزًا، يعبدون الله لا يشركون به شيئًا.

{وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].

{وَإِن تَتَوَلَّوْا يَسْتَبْدِلْ قَوْمًا غَيْرَكُمْ ثُمَّ لَا يَكُونُوا أَمْثَالَكُم} [محمد من الآية:38].

والله تعالى أعلم.

من لديه تقويم أو إضافة أو إفادة.. فليتصدَّق علينا بما عنده، إن الله يجزي المتصدِّقين.

وصلِّ اللهم وسلِّم على سيدنا محمد، وآله وصحبه.



القاسم بن نبيل الأزهري
 

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام