دعوة للإنصاف

منذ 2014-05-13

حين نلقي نظرة سريعة على الجهود المبذولة لإحياء واقع الأمة نجد إنتاجًا ثرًا متنوعًا، فهذا يعنى بالعلم ونشره، قد أخذ على عاتقة إزالة غشاوة الجهل عن جسد الأمة، والآخر سلك سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فسخر وقته لإنكار المنكرات المتفشية في واقع الأمة، وأعطى لذلك نفيس وقته وعصارة جهده..

حين نلقي نظرة سريعة على الجهود المبذولة لإحياء واقع الأمة نجد إنتاجًا ثرًا متنوعًا، فهذا يعنى بالعلم ونشره، قد أخذ على عاتقة إزالة غشاوة الجهل عن جسد الأمة، والآخر سلك سبيل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فسخر وقته لإنكار المنكرات المتفشية في واقع الأمة، وأعطى لذلك نفيس وقته وعصارة جهده.

الثالث: قد تألم لواقع من استهواهم الشيطان وساروا في طريق الانحراف فرأى أن أفضل ما يعنى به وخير ما يقدمه استنقاذ هؤلاء من براثن الفساد والانحراف.

والرابع: قد رق قلبه للأكباد الجائعة، والبطون الخاوية هنا هناك، فأصبح ينفق من خالص ما يملك، ويجمع النفقات من فلان وفلان.
والخامس: قد استهوته حياة الجهاد ودَّع الدنيا وعاش هناك ينتقل من أرضٍ إلى أرض مجاهدًا مقاتلًا في سبيل الله.

والسادس: رأى أن هذا الدين دين الناس جميعًا فسخر طاقته لدعوة غير المسلمين.
والثامن: قد سخر قلمه لخوض المعارك الفكرية دفاعًا عن الإسلام، ومصاولة لأعدائه، والدخلاء من المتحدثين زورًا باسمه. وآخرهم رأى أن عدة الأمة في شبابها وأن تربيتهم وإعدادهم من خير ما يقدم للأمة فصار هذا شأنه...


إنها كما ترى -أخي الكريم- جهود خيرة مطلوبة لا تستغني عنها الأمة، وهي كذلك لا يمكن أن يقوم بها فرد واحد، أو جماعة واحدة، وهي مهما اختلفت مراتبها وأولويتها مطلوبة في هذه المرحلة.


وحين نتجه للواقع العملي بعد ذلك نرى التخصص قد حوله البعض إلى تنافر، فتراه يحشد الأدلة، ويسوق الحجج لبيان أن هذا الطريق الذي اختاره هو خير ما ينبغي عمله، وأن ما سواه لا يعدو أن يكون اشتغالاً بالدون، وانصرافًا عن المنهج السديد، ويغدو صاحبنا ينظر نظرة احتقار إلى من سد غير ثغرة، واعتنى بغير بابه، ويتحسر على جهود هؤلاء المساكين الذين يضيعون أوقاتهم فيما لا فائدة فيه. ولكن حين ندرك:

أولاً: سوء واقع الأمة، والهوة الساحقة بينه وبين ما أراده الله لها، ولم تكن هذه الهوة نتيجة قفزة واحدة بل قد تضافر عليها جهود جبارة مغرضة، ناهيك عن المدى الزمني لهذه الجهود المتضافرة لإفساد الأمة.
ثانيًا: اتساع رقعة الانحراف في واقع الأمة لتشمل كافة الجوانب العقدية، والفكرية، والسلوكية؛ فمن تحدث عن الانحراف العقدي، أو عن انحراف المفاهيم والتصورات، أو عن الانحراف السلوكي أو عن الخلل في الجوانب العبادية، أو عن انتشار الجهل وندرة العلم فسوف يجد في جانب واحد فقط مما يتحدث فيهما يثري حديثه، ويستهلك وقته وقلمه.

 

ثالثًا: أمر آخر يرتبط بأدوات التغيير، وهم البشر؛ فلقد خلق الله الناس معادن، ومواهب وطاقات، فما يصلح لأمر لايصلح له آخر، ومن سد ثغرًا قد لا يسده غيره. قال الإمام مالك رحمه الله: "إن الله قسم الأعمال كما قسم الأرزاق فرب رجل فتح له في الصلاة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الصدقة ولم يفتح له في الصوم، وآخر فتح له في الجهاد؛ فنشر العلم من أفضل أعمال البر، وقد رضيت بما فتح لي فيه، وما أظن ما أنا فيه بدون ما أنت فيه، وأرجو أن يكون كلانا على خير".

 

رابعًا: وهب أن هذا الفرد أو هذه الجماعة أصبحت تملك قدرات خارقة خيالية، وتجيد كل الجوانب من تصحيح العقيدة، ونشر العلم، واستنقاذ المنحرفين، وتربية النشء، ودعوة المرأة، والجهاد... إلى آخر هذه القائمة هب جدلًا أن هذا الفرد أو تلك الجماعة أطاقت الأمر كله فهل يعني أنها سدت الثغرة وقامت بالأمانة؟!

خامسًا: لا بد للجيش من رجل في الساقة، ورجل في الميمنة، ورجل في الميسرة ورجل في الحراسة، ورجل يعد الطعام، بل ورجل يخلف أهل من سار للجهاد، وهي منازل متفاوتة، لكن حين نحتكم إلى المنطق نفسه، والنظرة إياها، فسيعيب من كان في الساقة على من كان في الحراسة، ومن كان في الميمنة سينتقد من كان يعد الطعام، وأما صاحب الميسرة فسينعى على من خلف الغزاة في أهلهم، كأنه لم يسمع قوله صلى الله عليه وسلم: «ومَن خلَف غازِيًا في أهلِه فقد غَزا»(صحيح مسلم).


فهلا نظرة منصفة، ورؤية واقعية، تضع الأمر في نصابة، فيسد كل ثغرة ويلزم مكانه؟! ومع ذلك يحترم جهود الآخرين، ويشعر أن الجميع يسعى لهدف واحد، وأن ما فيه غيره ليس بدون ما هو فيه.

محمد بن عبد الله الدويش

بكالريوس في الاقتصاد الإسلامي وماجستير في التربية وطرق التدريس