مسلمون منسيون.. مسلمو الأديغة (2)

منذ 2014-05-13

هل تعلم بأن التسميه التي كان يعرف فيها الشراكسة منذ فجر التاريخ هي الأديغة، حيث عرفها العالم (جول تروسو) بأنها تعني: "الإنسان العاقل، النجيب، النبيل"، كما أنها تعني باللغه السنسكريتية بأنه: "أصيل ونجيب أيضًا"، وبالسومارية تعني: "الرجال ذوو السيوف القاطعة".


أحبتي في الله نتابع في حلقة اليوم الحديث عن المسلمين في جمهورية أديغيا، إخوتي أخواتي إن تاريخ الأديغة حافل بماضيهم المجيد، من مدنيه وحضاره واستعدادهم العظيم لكل ما هو عصري وحديث، ومن ماثر حربيه عظيمة.

وقبل كل شيء يجب أن نلفت الانتباه بأن الشركس هم السكان الأصليين لمنطقة القوقاز الضاربة في التاريخ، ويعود ظهور الإنسان الشركسي هناك منذ أكثر من 80 ألف عام قبل الميلاد.

هل تعلم بأن التسميه التي كان يعرف فيها الشراكسة منذ فجر التاريخ هي الأديغة، حيث عرفها العالم (جول تروسو) بأنها تعني: "الإنسان العاقل، النجيب، النبيل"، كما أنها تعني باللغه السنسكريتية بأنه: "أصيل ونجيب أيضًا"، وبالسومارية تعني: "الرجال ذوو السيوف القاطعة".

ارتبط تاريخ الشركس بالمواجهات الكبرى، ودفعوا ضريبة موقعهم الجغرافي، واعتناقهم الإسلام من أرواحهم واستقرارهم عبر عقود طويلة، فلم تكن القوقاز مجرد وطن تزدحم فيه الخيرات الطبيعية، والجمال الأخاذ فقط، بل كان ساحة لمواجهات لم تنته حتى اليوم.

كيف وصل الإسلام إلى أديغيا؟
لقد وصلهم الإسلام في فترة مبكرة، ودعم وصوله بالأتراك العثمانيين، وظهر بينهم العديد من الدعاة في أواخر القرنين الثاني عشر والثالث عشر الهجريين، وساد الإسلام المنطقة قبل استيلاء قياصرة الروس عليها في سنة 1297هـ، 1879م، ولقد تعرض سكان الإقليم للتعصب الديني في عهد القياصرة وعند ما سيطر السوفييت على الحكم في روسيا تحولت منطقة الأديغا إلى إقليم ذاتي الحكم في سنة 1341هـ، 1922م، وعدد المسلمين حوالي 34% -حسب الإحصاء الروسي- إلى 80% من جملة سكان الإقليم وهم من الشركس (من قبائل البجادوغ، والحاتوقوي، والشابسوغ والأبزاخ)، وجميع هذه العناصر تعتنق الإسلام ويصل عددهم إلى 324 ألف نسمة.

قدم الشركس عبر تاريخهم الطويل قوافل الشهداء، ونافحوا عن ثغور الدولة الإسلامية دون هوادة، وكان لهم دور لا ينسى، في حماية حدود دولة الخلافة العثمانية، مع روسيا القيصرية العدو الأول للإمبراطورية العثمانية، وكان للشركس بصمتهم خاصة في وسط أسيا، وبفضل موقعهم الفريد بين بحر قزوين والبحر الأسود، كان لهم حضور قوي في الأحداث والصراعات التي لم تمنح المنطقة فسحة من الهدوء النسبي، إلا خلال فترات محدودة أهمها الحقبة العثمانية التي أخضعت البحر الأسود لسيادتها في عهد قوتها..

فكان للشركس دورهم البارز في ذلك، فهم ومن خلال بنيتهم العشائرية من أشد شعوب أسيا الوسطى بأساً، وأكثرهم احترافاً للعسكرية وفنون القتال.. فرغم انتسابهم للعرق الآري الأوروبي، كان تأثرهم بآسيا كبيراً وحاسماً، فتميزوا بالفروسية والشجاعة اللافتة، وقدرة لا مثيل لها في المقارعة والصمود حتى الرمق الأخير.

أدى ضعف الدولة العثمانية، واشتداد تآمر الدول الكبرى الطامعة بممالكها الواسعة، إلى تحرك روسيا القيصرية التي قويت شوكتها، وأخذت بنهش جسد الدولة العثمانية، فتسقط الولاية تلو الأخرى، فوجد الشركس المسلمون أنفسهم في مواجهة كبرى، مع قوة إمبراطورية عنجهية، فشكل الشركس جيشاً قوامه (18) ألفاً لمواجهة روسيا، وتمكن من تحقيق انتصارات كبيرة، لكن هذا الجيش الوليد لم يكن في مقدوره مواجهة فيالق الروس وتسليحها الحديث.

في ظل هذه الظروف ولد القائد الشركسي (ميرزا وصفي) شمال القوقاز، والأرض تميد بأهلها، وينتمي (ميرزا) إلى قبيلة الأبزاخ الكبيرة، المعروفة بشدة بأسها، وقد تربى في كنف والده تربية عسكرية، فوالده (الغازي قوموق)، (والغازي) لقب عسكري بمعنى قائد، وهو لقب لقادة الجيوش العثمانية، لذا حظي ميرزا بتربية عسكرية خاصة، بالإضافة إلى ما تمتع به الشركس من صفات الفروسية والشجاعة بشكل فطري، بسبب البنية القبلية للمجتمع وتكاثف الأخطار.

بعد اجتياح الجيوش الروسية لجمهورية الشركس، فرض عليهم التهجير الإجباري، الذي طال معظم القبائل الشركسية، مما أجبرهم على الانتشار في الديار الإسلامية، متمسكين بدينهم وانتمائهم لهذه الأمة الكبيرة، تاركين خلفهم وطنهم وأحلامهم وذكرياتهم، وقد عرفت هجرة الشركس في العصر الحديث، بمشقتها والمخاطر التي أحاطت بها، فقد تطلب بعضها أشهراً من السير حتى الوصول إلى مواطن الاستقرار الجديدة، الممتدة من البلقان إلى بلاد الشام حتى مصر، التي وصلها الشركس بوقت مبكر وأسسوا دولة المماليك الشهيرة، وقد أجبر ميرزا وأهله بالهجرة إلى صربيا وسط البلقان، التي تعد ولاية عثمانية منذ عدة قرون..

وقد كان تهجيره هذا في حدود عام 1864م، وبعد وصوله إلى صربيا بفترة، لم يقتنع كمقاتل بهذا التهجير، وحاول العودة لوطنه، لكن الدولة العثمانية لم تمكنه من ذلك، بسبب دموية الروس، وملاحقتهم للقادة الشركس، وقد قبل ميرزا عرض العثمانيين عليه الالتحاق بالجيش العثماني، الذي يعاني من ضعف واضح، وهو بحاجة لخبرات مقاتل شرس وقائد محنك مثل ميرزا، وبذلك أصبح ضابطاً في الجيش العثماني عام 1872م.

عمد ميرزا إلى تشكيل فرقة عسكرية شركسية داخل الجيش العثماني، وخاضت هذه الفرقة معارك كبيرة في عدة جبهات في البلقان، كحرب الصرب عام 1876 -أي قبل 135 سنة-، وحرب الجبل الأسود، ومعارك ضد الروس في بلغاريا، وأسهم في اختراق حصار فرقتين عثمانيتين من قبل الروس، بالإضافة لمعارك الدردنيل، وكذلك في البلاد العربية، وحقق انتصارات في عدد منها، حيث منحته الدولة لقب باشا، نظير تميزه وجهوده المخلصة.

بعد ذلك تم تكليف هذه الفرقة بقيادته بحماية الخط الحديدي الحجازي، الممتد بين الشام والمدينة المنورة، وقد أصبح خلال هذه الفترة زعيماً للشركس الذين استقروا في الأردن فأصبحت وطنهم الجديد، وكان من أبرز زعماء الشركس في بلاد الشام، وأوكلت لفرقته المساهمة في حفظ الأمن في عدد من ولايات المنطقة العربية، وقد بادرت هذه الفرقة في نجدة أهالي قرى حوران من هجمة الدروز، دون انتظار أمر السلطان العثماني، وقد عادت هذه القوات إلى الأردن بعد استتباب الأمر للدولة، رغم غضب قائد الدرك العثماني في الشام (خسروف باشا) الذي كان شركسيًا أيضًا.

أحبتي في الله! كنا في الفقرة السابقة نحاول التذكير بماضي هذا الشعب المسلم العظيم، وعليه فقد كان من الأجدى بعد سقوط الشيوعية أن تعمل الدول الإسلامية على مد جسور التواصل مع أبناء بلدان القوقاز، وتفتح سفارات لها هناك ولا تتركهم مرة أخرى فريسة للصهيونية، حيث سارعت (إسرائيل) بفتح سفارات لها في معظم الجمهوريات الإسلامية في آسيا الوسطى وشمال القوقاز، وإقامة علاقات دبلوماسية معها، أو تتركهم لجيوش المنصرين لتنصيرهم، حيث أخذت الهيئات والمنظمات الكنسية تركز نشاطها على هذه البلدان خصوصًا فئات الشباب..

ولقد جاء البيان الذي أصدره بابا الكاثوليك يوم 3 مارس 1991م، والذي دعا فيه المنصرين إلى نشر النصرانية في البلاد الشيوعية -سابقاً- ليكون بمثابة إشارة البدء لهذه المنظمات بالعمل، واتخاذ موسكو قاعدة لها للانطلاق نحو الجمهوريات الإسلامية المستقلة، أو التي تتمتع بالحكم الذاتي في روسيا الاتحادية.

وبدأ المنصرون عملهم بالتركيز على المناطق الناطقة باللغة التركية، ولذلك جندوا أكبر حشد من المنصرين ممن يتحدثون التركية بطلاقة، وبدأت الإذاعة التنصيرية في بث برامجها إلى دول آسيا الوسطى وشمال القوقاز بالتركية، وعلى غرار ما يحدث في آسيا الوسطى فإن هناك نشاطاً محموماً للمنظمات التنصيرية في هذه البقايا المهمة من العالم، ذلك أن معهد (ترجمة الإنجيل) أنجز ترجمة الكتاب المقدس إلى لغات (الأديغة، والقبرطاج، والأوسيتين، والقرة جاي مالشيان، والنوغاي، والأون، واللزجي، والقوموق، واللاك، والدارجين، والطبرستان، والصاخور، والروتول الجول، والأندي) وعدد من اللغات الأخرى..

ويواصل المعهد ترجمة الإنجيل إلى لغات الشعوب الأخرى في المنطقة، وقد اختار المنصرون بصورة خاصة المناطق الغربية والوسطى من القوقاز، كي يمارسوا نشاطهم المحموم بين فئات الشعب، فكان الوضع المادي والمعنوي السيئ للأذربيجانيين على وجه الخصوص المناخ الذي يبحثون عنه.

إخوتي أخواتي إن جمهورية الأديغة تعتبر بلا أدنى شك إحدى الدول الإسلامية المحتلة تماماً، مثل فلسطين الأسيرة في يد بني صهيون، ولكن بخصوص الدول الإسلامية المحتلة والأقاليم المسلمة المحتلة التي تشبه فلسطين، توجد واحدة من أكبر الحجج الواهية التي يروجها للأسف -بشكل أساسي- بعض المسلمون وسكان الدول الإسلامية عامةً أكثر من غيرهم! هي: الدول الإسلامية المحتلة لم تكن دول أو أمم أبداً طوال تاريخها، بل هي مجرد شرذمات وفتات من عدد سكان قليلين و(أقاليم) صغيرة المساحة جداً ومتفرقة ومشتتة.

من الأسباب الرئيسية لتلك الحجة هي عامل التخاذل والكسل، والجهل بالمعلومات عن هذه الدول الإسلامية المحتلة، فبدلاً من الوضع الحالي أن يهتم هذا الشخص المتخاذل الخانع بدولة واحدة فقط وبهمومها وهي فلسطين فقط -مثلاً- وجد فجأة أنه خرج له عِدَّة دول شقيقة عليه واجب تأييدها، بل وعليه معرفة وجمع معلومات عنها من أجل معرفته الشخصية، وبالتأكيد يعلم الجميع بما فيهم هؤلاء المتخاذلين أهمية فلسطين لنا جميعاً كسكان لدول العالم الإسلامي، سواء غير مسلمين أو مسلمين من الناحية التاريخية والدينية، وأغلبيتنا الكُبرَىَ تُؤَيِّد فلسطين ووجود دولة لها.

إذاً فبالمثل نحن أيضاً نرد على هذا الجاهل المتخاذل أن الدول الإسلامية المحتلة الأخرى غير فلسطين، ليست أقليات في أرضها الوطنية المحتلة التي كانت دول حقيقية فعلاً قبل الاحتلال، وليست شعوب يتيمة بدون أصل تاريخي، أو بدون لغات وطنية أو بدون حقوق تاريخية، إذًا فهي مثلاً مثل (الشيشان أو داجستان) دول ذات أغلبية من شعوبها الوطنية، ودون تَغَيُّر ديمغرافي من السكان المحتلين بعكس فلسطين، أو هي مثلاً دول مسلمة محتلة تم تغيير ديمغرافيتها بسكان الدولة المستعمرة لها مثل فلسطين، وهي دول مثل تركستان الشرقية والأديغة وكريميا.

تحرير هذه الدول ليس تطرفاً، فمثلاً لم يقل أحد بتحرير أسبانيا على أساس أنها الأندلس بالرغم من أن معظم سكان ومسلمي الأندلس كانوا (قوط، وكلت، وأيبيريين) اعتنقوا الإسلام، أي أنهم أغلبية مسملة من سكان شبه جزيرة أيبيريا، أي أنهم سكان أصليون مسلمون أبائهم وأجدادهم من أسبانيا، ولم تكن أبداً الأغلبية الإسلامية في الأندلس أغلبية دخيلة عربية أو أمازيغية، ولكن لأن الحاليين أيضًا هم سكان أسبانيا الغير مسلمين، فلا يحق لأحد القول بتحرير أسبانيا، ولكن نملك فقط الوقوف مع حق رجوع المورسكيين وهم السكان الأسبان المسلمين الأصليين لأرضهم وأجدادهم.

وأيضًا لم يطلب أحد تحرير بانجسامورو الفلبين، بحجة أنها كانت فعلاً دولة ذات أغلبية مسلمة من الفلبينيين المسلمين أنفسهم قبل الغزو الأسباني البرتغالي، وذلك لأن أيضاً الفلبينيين الحاليين الذين أصبحوا أغلبية كاثوليكية فوق الفلبينيين المسلمين ليسوا محتلين، ولكنهم كلهم جميعهم أصحاب الأرض، ولذلك فلنا فقط حق طلب العدل والمساواة وعدم قتل الفلبينيين المسلمين حالياً..

وأيضاً لم يطلب أحد مثلاً تحرير أبخازيا والتي كانت فعلاً دولة بأغلبية مسلمة حتى أواخر الدولة العثمانية وقبل الاحتلال الروسي، وهزيمة الدولة العثمانية في حروب القرم والقوقاز أمام روسيا الصاعدة، وذلك لأن السكان الحاليين الأغلبية هم أبخاز أيضاً من أصحاب الأرض ولكنهم مسيحيين، وأصبحوا أغلبية فوق إخوانهم الأبخاز المسلمين ولذلك فلا يحق لنا أو لأحد أبداً القول بتحرير أبخازيا، لأن الأغلبية الحالية التي علت على أغلبية الأبخاز المسلمين هي أغلبية من المسحيين الأبخاز أيضاً، أي أنهم ليسوا محتلين.

ولكن هذا الموقف ليس هو موقف أي من كشمير ولا فلسطين ولا يوغورستان -تركستان الشرقية-، ولا تتارستان وباشكورتوستان ولا الشيشان، ولا كريميا ولا فطاني ولا داجستان والأديغة، ولا إنجوشيتيا ولا كباردين بلقاريا ولا كرتشاي شركسيا.

وأخيراً:
نرفع جميعاً أكف الضراعة إلى الله عز وجل أن يكشف الغمة عن مصرنا وسائر أمصار المسلمين المحتلة من قبل الصليبيين وأعوانهم، والوثنيين وأعوانهم والملاحدة وأعوانهم، آمين
وإلى الملتقى في قضية جديدة في لقاء جديد إن شاء الله.

 

أم عبد الله

المصدر: موقع مفكرة الإسلام