كن إيجابيًا تكن مسلمًا حقًا

منذ 2014-05-14

إن المفكر الإيجابي يقرّ بأن هناك عناصر سلبية في حياة كل شخص، لكنّهُ يؤمن بأن أي مشكلة يمكن التغلّب عليها. والمفكر الإيجابي إنسان يقدّر الحياة ويرفض الهزيمة.

عن عبدالله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى عليه وسلم: «ارحمُوا تُرحمُوا، واغُفرُوا يغفرْ لكم، ويلٌ لأقماعِ القولِ، ويلٌّ للمُصِرِّينَ الذين يُصرون على ما فَعلوا وهمْ يعلمونَ» (الجامع الصغير: [942]).

 

الشخصية المسلمة والشخصية الإيجابية وجهان لعملة واحدة، وما زال المسلمون قديمًا وحديثًا يقولون: "الإيمان قول وعمل يزيد وينقص" فالشخصية المتدينة لا تنفصل أبدًا عن الإيجابية، بمعنى أنه لا يمكن أن يكون الإنسان متعبِّدًا وفي الوقت نفسه مُخلاً بحياته العملية الطيبة، هذا لا يكون أبدًا، إن الشخصية السوية لا تنفصم إلى واقع عقدي تعبدي وواقع عملي مغاير، والترابط واضح جدًا في اثنتين وثمانين آية من كتاب الله حيث يقول الله سبحانه وتعالى: {الَذِينَ آمَنُوا وعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [البقرة:82] آمن وعمل صالحًا هذا شرط أساسي، العمل هو برهان الإيمان وهذا العمل الذي هو برهان الإيمان يجب أن يكون صالحًا.

 

قال المناوي: "«ارحموا ترحموا» لأن الرحمة من صفات الحق التي شمل بها عباده، فلذا كانت أعلامًا اتصف بها البشر فندب إليها الشارع في كل شيء حتى في قتال الكفار والذبح وإقامة الحجج وغير ذلك «واغفروا يغفر لكم» لأنه سبحانه وتعالى يحب أسمائه وصفاته التي منها الرحمة والعفو، ويحب من خلقه من تخلق بها «ويل لأقماع القول» أي شدة هلكة لمن لا يعي أوامر الشرع ولم يتأدب بآدابه، والأقماع الإناء الذي يجعل في رأس الظرف ليملأ بالمائع، شبه استماع الذين يستمعون القول ولا يعونه ولا يعملون به بالأقماع التي لا تعي شيئًا مما يفرغ فيها، فكأنه يمر عليها مجتازًا كما يمر الشراب في القمع، «ويل للمصرين» على الذنوب أي العازمين على المداومة عليها، «الذين يصرون على ما فعلوا» يقيمون عليها فلم يتوبوا ولم يستغفروا «وهم يعلمون» حال أي يصرون في حال علمهم بأن ما فعلوه معصية أو يعلمون بأن الإصرار أعظم من الذنب أو يعلمون بأنه يعاقب على الذنب".

وقوله: «ارحموا ترحموا، واغفروا يغفر لكم» نظير قوله تعالى: {وَلَا يَأْتَلِ أُوْلُوا الْفَضْلِ مِنكُمْ وَالسَّعَةِ أَن يُؤْتُوا أُوْلِي الْقُرْبَى وَالْمَسَاكِينَ وَالْمُهَاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلْيَعْفُوا وَلْيَصْفَحُوا أَلَا تُحِبُّونَ أَن يَغْفِرَ اللَّهُ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [النور:22]، قال عبد الله بن المبارك: "هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى". وفيها دليل على أن العفو والصفح عن المسيء المسلم من موجبات غفران الذنوب والجزاء من جنس العمل.

 

أما قوله: «ويل لأقماع القول» فيسوقنا لتعريف علماء النفس للشخصية الضعيفة بأنها: الشخصية التي تستمر في النمو والتطور، فصاحب العقلية المتحجرة ضعيف الشخصية، ومن لا يستفيد من وقته وصحته وإمكانياته ضعيف الشخصية، ومن لا يعدل من سلوكه ويقلع عن أخطائه ضعيف الشخصية، وقوة الشخصية تعني أيضًا القدرة على الاختيار السليم، والتمييز بين الخير والشر، والصواب والخطأ، وإدراك الواقع الحاضر، وتوقع المستقبل، فالنمو والتطوير شرطان أساسيان لكي تكون شخصيتك قوية ومثمرة في نفس الوقت.

 

وحين يشعر الإنسان بجسامة الأمانة المنوطة به، تنفتح له آفاق لا حدود لها للمبادرة للقيام بشيء ما، فيجب على كل فرد منا أن يضع نصب عينيه اللحظة التي سيقف فيها بين يدي الله عز وجل فيسأله عما كان منه، وبالعكس علينا أن نوقن أيضًا أن التقزم الذي نراه اليوم في كثير من الناس ما هو إلا وليد تبلد الإحساس بالمسؤولية عن أي شيء!

 

وقوله: «ويل للمصرين اللذين يصرون على ما فعلوا وهم يعلمون» مقابل قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُواْ فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُواْ أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُواْ اللّهَ فَاسْتَغْفَرُواْ لِذُنُوبِهِمْ وَمَن يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ وَلَمْ يُصِرُّواْ عَلَى مَا فَعَلُواْ وَهُمْ يَعْلَمُونَ}  [آل عمران:135] فالإصرار هو الاستقرار على المخالفة، والعزم على المعاودة، وذلك ذنب آخر لعله أعظم من الذنب الأول بكثير. وهذا من عقوبة الذنب، فإنه يوجب ذنبًا أكبر منه، ثم الثاني كذلك، ثم الثالث كذلك، حتى يحدث الهلاك، إن الإصرار على المعصية معصية أخرى، والقعود عن تدارك ما فاتك من الخير بسبب المعصية يعتبر إصرارًا ورضا بها وطمأنينة إليها، وذلك علامة الهلاك. قال سهل بن عبدالله: "الجاهل ميت، والناسي نائم، والعاصي سكران، والمصرُّ هالك، والإصرار هو التسويف، والتسويف أن يقول: أتوب غدًا؛ وهذا دعوى النفس، كيف يتوب غدًا، وغدا لا يملكه!".

 

وعلى هذا فالتوبة من المعصية مع بقاء لذتها في القلب، وتمني ارتكابها إن وجد إليها السبيل، وحديث النفس الدائم بلذتها، هذه التوبة تسمى (توبة الكذابين)، وهي التي وصف أبو هريرة صاحبها بأنه كالمستهزئ بربه، فهي توبة غير مقبولة، فضلاً عن الإثم الذي يلحق بصاحبها من مخادعته لله عز وجل.

 

ولذلك كان من شروط التوبة الاعتذار الذي هو إظهار الضعف والمسكنة لله عز وجل، وأنك لم تفعل الذنب عن استهانة بحقه سبحانه وتعالى، ولا جهلاً به، ولا إنكارًا لاطلاعه، ولا استهانة بوعيده، وإنما كان ذلك من غلبة الهوى، وضعف القوة عن مقاومة الشهوة، وطمعًا في مغفرته وسعة حلمه ورحمته، واتكالًا على عفوه، وحسن ظن به، ورجاءً لكرمه سبحانه وتعالى.

 

وما فعلت ذلك الذنب إلا بسبب ما غرَّك به الغَرور، والنفس الأمارة بالسوء، وستره سبحانه وتعالى المرخَى عليك، وأعانك على ذلك جهلك، ولا سبيل إلى الاعتصام لك إلا به عز وجل، ولا معونة على طاعته إلا بتوفيقه. ونحو هذا من الكلام المتضمن للاستعطاف والتذلل والافتقار إليه عز وجل، والاعتراف بالعجز والإقرار بالعبودية، فهذا من تمام التوبة.

 

إن المفكر الإيجابي يقرّ بأن هناك عناصر سلبية في حياة كل شخص لكنّهُ يؤمن بأن أي مشكلة يمكن التغلّب عليها. والمفكر الإيجابي إنسان يقدّر الحياة ويرفض الهزيمة. والشخص الإيجابي يفهم أنه من أجل التغيير من حالة المفكر السلبي إلى الأداء الكامل بطريقة المفكر الإيجابي يجب على الإنسان أن يتحلّى برغبة جادّة في التغيير.

 

المصدر: موقع كلمات

خالد سعد النجار

كاتب وباحث مصري متميز