لو أوحي إليك: أنك ستموت ماذا أنت صانع؟!

منذ 2014-05-17

لقد كانت هِمَّة السلف عالية إلى كل ما يُقرِّبهم من الجنة ويباعدهم عن النار، ولا شك أن الإنسان إذا فكَّر في لحظة موته لأسرع إلى عملٍ صالحٍ ينفعه بعد موته..

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وبعد:

لقد كانت هِمَّة السلف عالية إلى كل ما يُقرِّبهم من الجنة ويباعدهم عن النار، ولا شك أن الإنسان إذا فكَّر في لحظة موته لأسرع إلى عملٍ صالحٍ ينفعه بعد موته.

وفي يومٍ جلس رجل مع عبد الله ابن المبارك.. ومعلوم أن عبد الله ابن المبارك كان من علماء السلف وعبادهم فسأل الرجل عبد الله ابن المبارك: لو أن الله أوحى إليك: أنك تموت العشية فماذا أنت صانع؟ فقال: "أقوم وأطلب العلم حتى يأتي الممات".

تأمَّل:

أجاب ابن المبارك على سائله بطلب العلم.. بالرغم لو أن السؤال نفسه وُجِّه إلى كثير من الناس لقال: "أُصلِّي حتى أموت"، "أقرأ القرآن حتى أموت"، أنفق مالي كله قبل أن أموت"..

لكن ابن المبارك فكَّر في طلب العلم لأنه يعلم:

أن طلب العلم أصل الخشية من الله، وأن العلماء هم ورثة الأنبياء، وأن الإنسان إذا خرج يطلب العلم فهو في سبيل الله، ويعلم أيضًا قول معاذ بن جبل رضي الله عنه كلامه عن طلب العلم:

"تعلَّموا العلم فإن تعلّمه لله خشيةٍ، وطلبه عبادة، ومدارسته تسبيح، والبحث عنه جهاد، وتعليمه لمن لا يعلمه صدقة، وبذله لأهله قُربة، لأنه معالِم الحلال والحرام، والأنيس في الوحشة، والصاحب في الخلوة، والدليل على السرَّاء والضراء، والدين عند الأخلاق، والقرب عند الغرباء، يرفع الله به أقوامًا فيجعلهم في الخلقِ قادةً يُقتدى بهم، وأئمة في الخلق يُقتفى آثارهم، ويُنتهى إلى رأيهم، وترغب الملائكة في حبّهم بأجنحتها تمسحهم، حتى كل رطبٍ ويابسٍ لهم مستغفِر، حتى الحيتان في البحر وهوام وسباع البرِّ وأنعامه، والسماء.. ولأن العلم حياة القلوب من العمى، ونور الأبصار من الظلم، وقوة الأبدان من الضعف، يبلغ به العبد منازل الأحرار، ومجالسة الملوك، والدرجات العلا في الدنيا والآخرة، والفكر به يعدِل بالصيام، ومدارسته بالقيام به يطاع الله عز وجل، ويُعبد به الله جل وعلا، وبه توصل الأرحام وبه يُعرَف الحلال من الحرام، إمام العمل؛ والعمل تابع له، يُلْهَمُه السعداء ويُحْرَمُهُ الأشقياء".

ومن أجل ذلك سافر رجل من المدينة إلى دمشق لأبي الدرداء رضي الله عنه..

فعن قيس ابن كثير قال: "قَدِمَ رجل من المدينة على أبي الدرداء وهو بدمشقٍ فقال: ما أقدمك يا أخي؟ فقال: حديثٌ بلغني أنك تُحدِّثه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: أما جئت لحاجة؟!

قال: لا.

قال: أما قدِمت لتجارة؟!

قال: لا.

قال: ما جئت إلا في طلب هذا الحديث.

قال: فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من سلك طريقًا يبتغي فيه عِلمًا سلك الله به طريقًا إلى الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضاءً لطالبِ العلم، وإن العالِم ليَستغفر له من في السموات ومن في الأرض، حتى الحيتان في الماء، وفضل العالِم على العابد كفضل القمر على سائر الكواكب، إن العلماء ورثة الأنبياء، إنَّ الأنبياء لم يورثوا دينارًا ولا درهمًا، إنما ورثوا العلم فمن أخذ به أخذ بحظٍ وافر»" (أخرجه الترمذي: [2682]).

وصدق من قال:

ما الفخر إلا لأهل العلم إنهم *** على الهدى لمن استهدى أدلاّء
وقد كلّ امرئ ما كان يحسنه *** والجاهلون لأهل العلم أعداء
ففز بعلم تعش حيًا به أبدًا *** الناس موتى وأهل العلم أحياء

أسأل الله تعالى أن يرزقنا العلم النافع والعمل الصالح.. إنه ولي ذلك ومولاه.
 

 
 
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد رشيد

داعية و إمام بوزارة الأوقاف المصرية