وقفات منهجية تربوية - (24) الوقفة الحادية والعشرون: من صفات طالب العلم

منذ 2014-05-19

 

أذكر هنا صفتين من خصوصيات طالب العلم وأخصهما بالذكر لأهميتهما:

الصفة الأولى: ما يتعلق ببر الوالدين، كان الصحابة رضي الله عنهم من أبر الناس بأمهاتهم وآبائهم. وكان أبو هريرة رضي الله عنه مثالا في البر بأمه، والقصة مشهورة في إسلامها. وكذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن خير التابعين رجل يقال له: أويس، وله والدة هو بها بر، وكان به بياض، فمُروه فليستغفر لكم» (أخرجه مسلم).

 

وعلى هذا درج السلف الصالح، وتلاحظ أن الصحابة رضي الله عنهم والتابعين ومن تبعهم يتمثلون هذا في جميع حياتهم. فهذا إياس بن معاوية المشهور لما ماتت أمه بكى فقيل له: لماذا تبكي؟ قال: "كان لي بابان مفتوحان إلى الجنة وغلق أحدهما". والعجب أن أئمة العلم الكبار كانوا من أبر الناس بوالديهم مثل أبي حنيفة النعمان، وحيوة بن شريح وغيرهما.

فمما يستدرك على بعض طلاب العلم إهمال هذا الأمر العظيم من بر الوالدين.

 

الصفة الثانية: الاهتمام بالأهل، والعناية بتعليمهم. فبعض الناس كالسراج يضيء للناس ويحرق نفسه؛ فتجده يفيد الآخرين ويحرم أهله، وقد عني الصحابة بهذا الأمر لعناية النبي صلى الله عليه وسلم بأهل بيته، فالنبي عليه الصلاة والسلام يقول: «خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي» (أخرجه الترمذي)، وليس العناية بتوفير الطعام والشراب، وإنما العناية بالتربية العلمية.

 

فهذا النبي صلى الله عليه وسلم يأتي الحسن بن علي رضي الله عنهما فيأخذ تمرة من تمر الصدقات، فيمضغها، فيدخل النبي صلى الله عليه وسلم يده في فيّ الحسن رضي الله عنه فيخرجها ويقول: «كخ، كخ، ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة» (متفق عليه).

 

وابن عباس رضي الله عنه يأتي إلى النبي عليه الصلاة والسلام ليبيت في بيت خالته ميمونة أم المؤمنين فيقوم النبي بالليل ليتهجد، فيقوم ابن عباس ليصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم صلاة الليل فيصُف عن شمال النبي فيأخذ النبي عليه الصلاة والسلام بأذنه فيدنيه من خلفه عن يمينه (الحديث أخرجه البخاري ومسلم).

 

وعمر بن أبي سلمة صغير يأتي إلى النبي صلى الله عليه وسلم فتطيش يده في الصحفة فيقول له: «يا غلام! سمّ الله، وكل بيمنك، وكل مما يليك» (متفق عليه).

ولهذا ذكر الحاكم عند قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا} [التحريم:6] عن علي رضي الله عنه أنه قال: "علموا أنفسكم وأهليكم الخير".

 

وفي مناقب الإمام أحمد لابن الجوزي أن أبو بكر المروزي قال: دخلتُ على أبي عبد الله بيت الإمام أحمد فإذا بماشطة تمشط شعر ابنة للإمام أحمد، والبنت الصغيرة تمانع وتعارض بشدة! فقال للماشطة: ما شأنها؟ قالت: سلها. فقال لها: يا بنية ما شأنكِ؟ يعني لماذا تعارضين هذه الماشطة أن تمشط شعرك وتكمل عملها؟ قالت: يا عم إنها تريد أن تمشطني مشطة سمعت أبي يقول نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 

فهذه نماذج قليلة من عناية العالم بأهل بيته ومن تحت يده. وشاهد القول أن الصحابة رضي الله عنهم كانوا أحرص الناس على تربية أبنائهم وإصلاح بيوتهم وفق الأدلة الشرعية، وفق الله الجميع لما فيه صلاح الذرية.

 

من كتاب: وقفات منهجية تربوية دعوية.

المقال السابق
(23) الوقفة العشرون: سلامة القلب من الأمراض
المقال التالي
(25) الوقفة الثانية والعشرون: التعامل مع أصناف الناس