أبحث عن صديق!

منذ 2014-05-19

في زمن الغربة الذي نعيشه، ومع كثرة الشهوات والشبهات التي تُحيط بنا، ومع كثرة الأعداء المتربصين بنا، يبحث الإنسان عن صديقٍ يؤانسه، وعن مُعينٍ يناصره وكفى بالله نصيرًا وكفى بالله معينًا..

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم.. وبعد:

ففي زمن الغربة الذي نعيشه، ومع كثرة الشهوات والشبهات التي تُحيط بنا، ومع كثرة الأعداء المتربصين بنا، يبحث الإنسان عن صديقٍ يؤانسه، وعن مُعينٍ يناصره وكفى بالله نصيرًا وكفى بالله معينًا.

يبحث عن صديقٍ يحمِل عنه آلامه، ويرفع عنه أعبائه، ويبكي لما يُصيبه..

يبحث عن صديقٍ يحمل همّ دينه، ووطنه، وأمته..

يبحث عن صديقٍ لا يعيش من أجل شهوته ولا تجارته، ولا من أجل وظيفته ولا زوجته، ولا من أجل حزبه ولا جماعته، إنما يعيش من أجل أمته، صديقٌ يعلم قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضوٌ تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى» (متفقٌ عليه). ويعلم قوله أيضًا: «المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضًا» (رواه البخاري ومسلم).

يبحث عن صديقٍ يتحلَّى بخلق النبي صلى الله عليه وسلم، ويتزيَّى بزِيِّ النبي عليه السلام، ويعيش على ما عاش عليه النبي عليه السلام.

إن الصديق الذي أبحث عنه أصبح عملةً نادرة، ورأس مالٍ قلّ، فاللهم إنا نشكو إليك ضعف قوتنا وقلة حيلتنا {إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ}.

افتقدت هذا الصديق يومًا ما! فقلت أبحث عنه..

وأنا أبحث عن صديقٍ جعلتُ أخاطب نفسي أين أجده؟ أين هذا الصديق؟

قلت: لعله سمع قول الرسول عليه الصلاة والسلام: «من غدا إلى المسجد أوراح أعدَّ الله في الجنة نزلًا كلما غدا أو راح» (متفقٌ عليه). نظرت إليه فلم أجده.

قلت: لعله ذهب ليُشيِّع جنازةٍ.. سألت عنه فما وجدته.

قلت: لعله عَلِمَ أن فلانًا مرِض فذهب ليعوده؛ لعله سمع عن درس علمٍ ذهب ليحضره..!

لعله....... لعله....... لعله.......!

وبعد رحلةٍ طويلةٍ في البحث.. وجدته! وقد أرهقته الخلافات السياسىة، والصراعات الحزبية، وورمى نفسه في أحضان اليأس والفتور.

ناديته:

حبيبي إني أبحث عنك، إني محتاجٌ إليك، تعالَ ضع يدك في يدي، إن ربي ربك، بلدي بلدك، وهدفي هدفك.

تعالَ لأرى فيك عيبي، تعالَ لنجبر صدع الخلاف الذي حطَّ من قوتنا، لنعالج الفتور الذي سرى في قلوبنا.

تعالَ لنُحيي سنة ماتت، ونهدِم بدعةً انتشرت، ونبني دولة.

كفى ما كان من هجرٍ وقطيعة، كفى ما كان من خلافٍ وشقاق.

صديقي:

أما علمت أنه لن تكتمل صحبتي لك حتى أقول لك يا أنا؟

أما علمت أن أصحابًا لنا استحوذ عليهم الشيطان فأنساهم ذكر الله؟

تركوا الصلاة.. وهجروا القرآن.. وتاهوا في أوحال الحب والغرام.. وسلكوا طريق المخدرات..!

من لهم؟ من يأخذ بأيديهم؟!

هل علِمتَ لماذا أبحث عنك؟ وهل صدقتني حين قلت لك إني أبحث عنك؟

أما علِمتَ قول الرسول صلى الله عليه وسلم: «والله في عون العبد ما كان العبد في عون أخيه» (رواه مسلم)..

وبعد؛ أيها القارئ الكريم: كانت هذه خواطر تجيش في الصدور، إن الحصول على هذا الأخ أو الصديق لا بد أن يبدأ عمليًا من كل واحدٍ مِنَّا، لا بد أن يبدأ كل واحدٍ مِنَّا بنفسه، أن يحمل همّ دينه وأمته.

ومن أراد صديقًا بهذه الصفات التي نبحث عنها - فلا بد أن يتصف بها أولًا، وأن ينظر إلى نفسه بعين النقص لا بعين الكمال، ومن طلب صديقًا بلا عيبٍ فلن يحصل عليه..!

والله من وراء القصد، وهو يهدي السبيل..

 
 
 
المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

أحمد رشيد

داعية و إمام بوزارة الأوقاف المصرية