مشاهد ألبانية (2)

منذ 2014-05-21

كم من أفعال حسنة أثرت في نفوس الناس وفعلت ما لا تفعله الآف الكلمات فهدتهم للإسلام وأرشدتهم للحكمة والقرآن.

(بلالي) نجم المنتخب الألباني

النجومية مظهر من المظاهر التي يسعى خلفها الكثير بل يلهثون من أجلها، لكنّ النجومية والشهرة مقصد تنتهي لذته بمجرد الوصول إليه، بخلاف الإيمان فإنّ لذته تبدأ منذ الوصول إليه.


أبو أنس شاب عاش أول عمره كغيره من الألبان لا يعرف من الإسلام إلا اسمه، يقول عن نفسه: "عشت حياة الإلحاد بما تحمله الكلمة من معنى فلا إيمان بوجود الله ولا إيمان بجنة ولا نار ولا آخرة حياة مُفَرّغة تمامًا من أي معنى ديني".


وبما أنّه فارع الطول فقد اتجه إلى كرة السلة، فتعلّمها وأتقنها، حتى أصبح النجم الأول لفريقه وفريق كرة السلة الألباني، فغدا مشهورًا تخطب وده الحسناوات، وتتمنى اللقاء به الجميلات، وأصبح حديث الشباب من المعجبين والمعجبات.
حتى حانت ساعة رحمة الله بعبده ففتح له بابًا إلى رحمته ودربًا إلى طاعته، حيث كان معه في فريقه أحد المسلمين الصالحين ويدعى عبد الله ولي معه مواقف وطرائف لعلي أرويها في مناسبات أخرى وهو ممن تألفهم بمجرد رؤيتهم، وتحبهم قبل أن تخالطهم، وتأنس بهم ولهم.


عبد الله ليس طالب علم بل هو إلى العوام أقرب، معرفته بالشرع قليلة، لكنّ إيمانه كبير، وحبه للدين عظيم، فكان حريصًا على أداء الصلاة في وقتها، حسن التعامل، حسن الأخلاق، كانت أخلاقه، رحمة، وحكمة، وأمانة، وصدق، ووفاء، فكان بحق قدوة طيبة ونموذجًا جميلًا للمسلم الملتزم بدينه.


لفتت هذه الصفات صديقه بلالي نجم الفريق الأول فتردد قبل أن ينفرد بصاحبه ويخبره بأنّه يريد الدخول في الإسلام والالتزام بأحكام الدين، فلما حدثه بالأمر رحب به وسر، وحق له ذلك «فوالله لأَن يهديَ اللهُ بك رجلاً واحداً، خيرٌ لك من أن يكونَ لك حُمْرُ النَّعَمِ» (صحيح البخاري). فذهب به إلى المسجد ومن هناك أعلن الوحدانية لله واتباعه لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وبداية حياة جديدة، فاستبدل الكفر بالإيمان والمعصية بالطاعة وحياة البؤس والشقاء بحياة المحبة والهناء.


ويشاء الله أن تكون هدايته قرب شهر رمضان، حيث سيخوض في بدايته مباراة هامة مع فريقه خارج ألبانيا، فرأى أنّه من تمام تدينه لله وصدقه مع الله أن يصوم وهو يلعب.
يقول: "فخشي رجل الأعمال الذي يملك الفريق أن يؤثر الصيام على أدائي فحاول أن أفطر وحاول معي المدرب والفريق لكنني ثبَتُ على موقفي، طاعة لله وبحثًا عن مرضاته فكان من توفيق الله لي أنني لم أحقق أهدافًا في مسيرتي الرياضية كما حققتها في تلك المبارة.
فكان المدرب ورئيس النادي يمازحونني في كل مباراة ويحثونني على الصيام لعلي أحقق ما حققته في تلك المباراة والتي بينت لي قيمة التمسك بدين الله وتأييده لمن أطاعه وأحبه.


فغيرت حياتي وأصدقائي وأقراني وبدأت رحلة الإيمان وتزوجت فرزقني الله بأنس الطفل الصغير الجميل الذي أقول إذا رأيته: "هذا هدية من الله لأني التزمت بدينه".
فأخذت على نفسي أن أكون قدوة صالحة متمسكًا بتعاليم ديني قولًا وعملًا فابتعدت عن كل سبيل لا يرضي الله، فاجتنبت مصاحبة الفتيات وتركت شرب الخمر وأصبح من المعروف عند أصدقائي ومن حولي هذه الصفات عني فأكسبني ذلك احترامًا كبيرًا عندهم، حتى إنني حينما أصبحت مدربًا للفريق فإن الناس في ألبانيا مسلمهم ونصرانيهم يبعثون بأبنائهم عندي ليتعلموا اللعبة قائلين: نريد أبناءنا أن يتحلوا بأخلاقك وبمهاراتك في الملعب".


أبو أنس يعترف أن كل فضل فهو من الله وأنّه لا يمكن أن يكون داعية بقوله لأنّه لا يحمل من العلم ما يعينه على ذلك لكنّه قال سأقدم الإسلام بأفعالي وأخلاقي وهذا جهد المقل.
فسبحان الله كم من أفعال حسنة أثرت في نفوس الناس وفعلت ما لا تفعله آلاف الكلمات فهدتهم للإسلام وأرشدتهم للحكمة والقرآن.


لما وقف بجواري ليودعني ومن معي استحيينا من قصرنا أمام طوله الفارع لكننا استحيينا أكثر من تقصيرنا في تبليغ هذا الدين فماذا نقول إذا وقفنا أمام الله؟؟؟
فكونوا قدوة مشرقة لدينكم.
وقدموا دين محمد بأخلاقكم وأعمالكم وأقوالكم ودمتم في رعاية الله.

راشد بن عثمان الزهراني

عضو هيئة الدعوة والإرشاد بالسعودية