قصص من داخل المستشفيات

منذ 2014-05-22

الإعاقة ليست الجسمية التي نراها هي الإعاقة التي كانت تحصل في قلوبنا التي تحصل في جوارحنا وتعاطفنا مع أحوال المجتمع هنا الإعاقة الحقيقية...

بكَّاء في الإنعاش

قصة ذلك الشاب يدرس في جامعة البترول والمعادن كان في السنة الثالثة في بدراسته الجامعية.. شاب نشط الكل ينظر إليه والديه وأهله على أنه سوف يتخرج بإذن الله عن قريب وسوف يكون عون لوالديه في مشاغل الدنيا كلها..

كان على درجة من الصلاح ما عرف عنه إلا كل خير قراءته للقرآن الكريم، تعبدًا لله سبحانه وتعالى، صلاة، زكاة، صيام، قيام ليل، كان معروفًا عنه بالصلاح كان كل أصحابه يذكرون عنه أنه كثير الابتسامة وكثير العبادة وكان يحب سماع القرآن الكريم..

 

ذلك الشاب خرج في طريق عادي بسرعة معقولة لكن قدر الله سبحانه وتعالى له حادث في الطريق انكسر فيه فخذه فقط. انتقل إلى أحد المستشفيات الخاصة وبعد عدة أيام من السجال والذهاب والإياب والتردد في إجراء التدخل الجراحي نُقل إلى المستشفى عندنا فأخبرناه أنه لا بد لك من العملية وأن العملية هذه ضرورية وتثبيت كسر الفخذ وذلك بواسطة سيخ داخلي يوضع داخل الفخذ ويثبت بشيء من فوق ومن أسفل الفخذ.. وافق ووافق أهله على العملية.. أجريت له العملية بالطريقة المعتادة وهذه العملية شائعة يعني كل أسبوع تُجرى في المنطقة الشرقية 10 حالات بمثل هذه وفي المملكة قد يكون 40 أو 50 حالة فالعملية شائعة وما تحصل منها أي مشاكل إلا في النادر القليل في أقل من 1 في الألف أن تحصل له هذه المشكلة كما التي حصلت لهذا الشاب.. لماذا هذا الشاب؟ علمه عند ربي سبحانه وتعالى يختار من يشاء..

 

فهذا الشاب في اليوم الأول بعد العملية وقد زاره أصحابه وبدؤوا يتكلمون معه وكان نشطًا ويتكلم معهم ويذكرهم بالله أكثر من أنهم هم يذكروه!

وهو يثبتهم وهم أصلًا حاضرين حتى يثبتونه ويقولون له أنت ما فيك إلا الخير وإن شاء الله معافى وسوف ترجع.

قال الحمد الله على قضاء الله وقدره وأنا بحمد الله طيب ومعافى والحمد الله أجريت لي العملية، ودائمًا بين كلمة وأخرى يذكر الله سبحانه وتعالى وكان دائمصا سؤاله: كيف أصلي وكيف أتوضأ وكيف القبلة... الخ؟!

 

وسبحان الله العظيم ومع مرور الصباح وجدنا الرجل يتغير بدأ عليه بعض التعرق وبدأ يكون شاحب الوجه وبدأ يتكلم بكلام مفهوم ولكنه بطيء فكأننا شعرنا أنه يأخذ النفس بسرعة فقسنا له سرعة التنفس وجدناها أنها سريعة جدًا نبضات القلب سريعة خشينا أن الأمر فيه سوء بدأنا بإجراء الفحوصات الطبية المعهودة من أخذ كمية الأكسجين في الدم عن طريق شريانه الذي في اليد وجدنا نسبة الأكسجين في الدم قليلة جدًا حدود 60% والمفروض أنها تكون تقريبًا 95 – 97 % فتأكدنا أن هذا الرجل الأكسجين يدخل إلى الرئتين لكنه ما يصل إلى الدم فإذًا فيه مشكلة في الرئتين!..

 

أجرينا له فورًا أشعة على الصدر فوجدنا المشكلة! جلطة أثرت على الرئتين في الجهتين وكمية كبيرة جدًا منتشرة في كل أطراف الرئتين، رئتيه بدل أن تكون سود من كثرة الهواء ظهرت بيضاء وهذا البياض معناه أنه فيه انسداد في الحويصلات الهوائية بسبب هذه الجلطة.. الجلطة مصدرها عرف أنه من منطقة الكسر لأنها جلطة دهنية انتقلت من منطقة الكسر هذا الأمر معروف طبيًا لكنه نادر الحدوث عند الشباب لكن سبحان الله العظيم قدر الله وما شاء فعل أن يكون ذلك الشاب واحد من هؤلاء المصابين ومعروف كذلك عندنا طبيًا أن 50% منهم ما يستطيعون ينظفون هذه الجلطة من الرئتين وتكون نهايتهم نهاية المطاف الوفاة ونسأل الله سبحانه وتعالى السلامة..

 

أخبرنا ذلك الشاب أنه لا بد من إجراء تنفس صناعي أو تنفس عن طريق الأنبوبة ولا بد أن يُخدّر حتى ما ينازع أنبوبة التنفيس ثم يوضع له الأنبوب داخل الحلق مما يوصل الهواء بكميات جيدة إلى الرئتين تحت ضغط معين حتى لعل وعسى تنفتح الحويصلات الهوائية ويقل أثر الجلطة وهذه الطريقة المعتادة ويُعطى مواد طبية أخرى تقلل من أثر الجلطة وكل هذا معروف ومعمول به بالطرق المتبعة العلمية. قال فإذًا سوف أغيب عن الوعي؟!!..

قلنا نعم لا بد أن تغيب عن الوعي نأخذك الآن للعناية المركزة فطبعًا هو صاحي الآن ويسمع كل هذا الكلام فذكر الله سبحانه وتعالى ذكرًا كثيرًا قبل أن يغيب عن الوعي وخاصة أنه حس داخل نفسه أنه قد لا يفيق!

وطبعا صعبة أنك تقول له أنك لا تفيق حتى لا تأثر على نفسته ولكن يمكن نقول له: اذكر الله، أكثر من ذكره سبحانه وتعالى، خلّك قريب من الله سبحانه وتعالى عاد الأمور فيها خطورة فيها كذا لعله يفهم منها المغزى!.. لكن أهله ووالديه توضح لهم كل ما يحصل..


وافق وكان ما عنده خيار مسكين فوضعت له الأنبوبة وبدأ في تخديره تدريجيًا وشل حركة العضلات لئلا ينازع أنبوب التنفيس لأنه مؤذي أنبوب التنفس هذا وأخذناه للعناية المركزة.. أعطيناه الأكسجين بكميات كبيرة.. أعطيناه الأكسجين مضغوط ولكن ليس بقوة حتى لا يفجر مناطق معينة في الرئتين.. ضغط 1، 2، 3، 4، 6 وبعد ذلك والأكسجين تعطيه 50، 60، 70 إلى 100% ومع ذلك رئتيه ما تريد أن تستجيب أول يوم، ثاني يوم، ثالث يوم، جلس عشرة أيام في العناية المركزة.. وهذه القضايا يعني بالنسبة لنا كأطباء نرى أن مثل هؤلاء شيء قريب منها في العناية المركزة بشكل معروف وملحوظ عندنا ما كانت حقيقة تؤثر علينا فينا هذه الحالات ما نقول لتبلد الحس لكن بكثرة ما نرى من هذه الحوادث لكن ذلك الشاب حقيقة كان منظره عجيب..

 

يحضر والده دائمًا للعناية المركزة للاطمئنان على حالته ويسأل الصغير والكبير وما قصر والده، ما ترك أحد إلا ليسأله عنه: شوفوا له أي حل أي طريقة أذهب به إلى أي مكان لو أخسر دمي لو أخسر لو أخسر كل ما أملك لكن تنقذون لي ولدي!، طبعًا ليس في يد الأطباء ولا في يد أي أحد ما يستطيع أحد يقدم له أكثر مما قدم.

حاول الوالد أذهب به: إلى المستشفى العسكري في المستشفى الفلاني قلنا يا والد كل هذا الأمر أعطيناه ما عندنا وما استطعنا فعله لكن ما عندك إلا الدعاء له.. فبدأ يستسلم للأمر الواقع وبدأ يدعو له هو ووالدته وجميع أهله.. العجيب كان والده يحضر المسجل ويضع له شريط قرآن ويُخيّل لي وأظن والعلم عند الله سبحانه وتعالى أن هذا الشريط بالذات كان يحب سماعه دائمًا ذلك الشاب الصالح بصوت هذا المقرئ فكان إذا سمع القرآن تدمع عينيه وهو تحت التخدير! تخرج الدموع من عينيه! وكأنه يحس بقراءة القرآن تتلى عليه! فكنا نعجب من حاله! كان لا يسمعنا ولا يجاوب معنا ولا مع والديه لكن إذا سمع القرآن تدمع عينيه.. قد يكون أن كمية الدواء المخدر تقل منها في لحظات معينة فيبدأ في الإحساس ولذلك تدمع عينيه لكن الشاهد كنت أرى بعض التعابير على وجهه عند قراءة القرآن أو عند تلاوته يُقرأ عند رأسه.. في اليوم العاشر توفاه الله سبحانه وتعالى بعدما نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا مات على ذكر الله قبل أن يوضع في أنبوب التنفس والله أعلم..


كيف أذكر الله..

شاب كان يحب رعي الإبل فاشترى بعض منها وتركها في البر وبدأ كل فترة وأخرى يذهب إلى منطقة البرية يتفقد إبله وكان رغم ما هو مولع بالإبل إلا كان كثير ذكر الله سبحانه وتعالى دائمًا يسبّح ويحمد الله تعالى ويقرأ القرآن لسانه رطبًا بذكر الله نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحدًا.. كان الرجل تعرفت عليه في الحرم وحكى لي قصته العجيبة هذه فيقول:

خرجت ذات يوم أتفقد الإبل في طريق المطار الجديد كان الطريق لم ينتهي بعد فهو في فترة الإنشاء.. ذهبت عند وقت العصر تفقدت الإبل وشربت من حليبها ثم أردت الرجوع قبيل المغرب وأنا في طريق العودة نظرت أمامي دون سابق إنذار كومة مركبّة وسط الشارع من الاسفلت طبعًا لونه أسود والطريق أسود والوقت عند المغرب ولا انتبت لهذه الكمية من الاسفلت الموضوعة حاولت أن أهدئ السرعة ولكني ما استطعت فاضطررت أن أضرب فيها فاصطدمت بهذه الكمية من الاسفلت..

 

الحادث بحد ذاته بالنسبة له بسيط لكن وجد نفسه ينزف دمًا!.. يتفقد مصدر الدم ظن من جبته أو من مناطق جسمه ولكن وجد الدم بكمية كثيرة نظر إلى جزء من لسانه مقطوع شعر أن لسانه ثقيل ما يستطيع يتكلم فخاف أنه لو سقط ليبلع الدم ولا يستطيع يضمّد لسانه لا يستطيع أحد يُخرج لسانه ويمسكه أو يضمده عن النزف يقول: خرجت وأنا مذهول ما أدري ماذا أفعل؟! ما أدري أين أذهب! السيارة الآن ما تتحرك وأنا في طريق بري ولوحدي فخرجت من السيارة وقد تكسرت الزجاج الأمامية وأنا في مصيبة ولكن ذلك اللسان الذي جلس ينزف دمًا بكمية كثيرة جدًا أيقنت أني هالك لا محالة إلا أن ينجيني الله سبحانه وتعالى..

 

خرجت بدأت أسير قليلًا قليلًا وأنا مثقل بالألم من قطع اللسان والنزيف وبدأ يكون علي الإعياء والتعب وبدأت أشعر بالدوخة.. فجأة نظرت إلى كأنه ظل أحدًا من بعيد كأنهم جماعة يسيرون كأنهم عمال هنود يسيرون في الطريق يكملون طريقهم وبيني وبينهم عن الطريق العام مسافة يمكن تتجاوز 4 كم حاولت أن أؤشر لهم ولما نظروا إلي ونحن عند المغرب وواحد يخرج الدم من فمه وبكميات كثيرة خافوا ظنوا أني جني فهربوا كل واحد سلك جهة بمفرده قلت إنا لله وإنا إليه راجعون وأنا ما كنت أتوقع أن أصل إلى الشارع العام.. كملت طريقي شعرت بخطاي بدأت تكون ثقيلة مرة أسحب رجل ومرة أنزل رجل شعرت أن قواي بدأت تخور وبدأت أذكر الله سبحانه وتعالى وأكثر من ذكره سبحانه وتعالى وبدأت أتذكر الأيام الخوالي! وماذا فعلت فيها؟ وماذا قدمت من حياتي؟ وكيف أقدم على الله وبأي شيء؟ ما هي الذنوب التي عملتها طيلة هذه السنوات؟! الخ...


بدأت أستعيد شريط حياتي من طفولتي إلى هذه اللحظة التي أنا فيها تذكرت بناتي .. (وهو سبحان الله العظيم جميع الذي لديه بنات وليس أولاد).. فيقول: بدأت أتذكر من الذي يرعاهم من بعدي وكذلك زوجتي وحتى الإبل حنّيت عليه سوف أترك الإبل لمن؟! وغيرها.. وأنا أسير وأسير وأتوقع أني أسقط بأي لحظة من كثرة التعب وسبحان الله العظيم في هذه الأثناء حضرت سيارة نجدة سائرة فقط في الطريق العام وأرادت أن تدخل في الشارع الفرعي شارع المطار الجديد تتفقد أو تنظر ما هو الموجود، من أرسلها!! الله سبحانه وتعالى أعلم!...

 

أشّرت لها وأنا ملقى على الأرض والحمد الله لحقوا علي وأنا ممدد على الأرض.. أخذوني أحاول أن أتكلم أول مرة أكتشف الآن أن لساني ما قدر ينطق بالكلمات لأني حاولت أن أتكلم ما استطعت أن أقولهم شيئًا فأخرجت بطاقة في جيبي تبيّن أني عسكري وأني أريد المستشفى العكسري حتى أتعالج فيه ففهموا قصدي أخذوني بسرعة وحتى هم ما عرفوا ماذا سيفعلون بي لا أحد يعرف يضمد اللسان ولا أحد يوقف نزيف من اللسان وليس هو جرح خارجي تربط الإصبع أو الرجل ولكنه لسانًا..


وصلت إلى المستشفى العسكري فوصلت إلى الطوارئ كتبت لهم بعض الكلمات حتى يتصلوا بأصحابي وأهلي.. جاء إلي الطبيب الذي سوف يخيط لساني وجلس يرسم لي رسم يشرح لي لكن ما قدرت أفهم طبعًا أعطوني سوائل وبدأت أرجع قليلًا إلى الوعي وأنتبه وأعرف الذين حولي أحاول أن أؤشر لهم ورسم لي لساني متعلق على جزء بسيط جدًا وينقطع بالكامل و لما رسم لي انفجعت شعرت بحجم المشكلة في لساني! وقال لي سوف أدخل للعملية الآن وربما تطول وما ندري هل تنجح أو لا وترجع تتكلم أو لا... الخ...

 

فبدأت أشعر الآن بنعمة اللسان هل من المعقول ما أتكلم وأنا كنت أتكلم في كل مكان وفي كل مجلس وأتكلم يسار ويمين وعلى فلان وعلان والآن ما أستطيع أتكلم! فبعد ذلك تذكرت ولا أستطيع أذكر الله سبحانه وتعالى أنا كثير الذكر بالله.. الخ كل هذه الأمور المشاعر بدأت تدور في بالي وهو يشرح لي الدكتور وبدأت ما أفكر في كلام الدكتور بقدر أني أفكر في حالي! كيف سوف أتصل في عيالي؟! كيف أبنصحهم؟! كيف أبشرح لهم وأكلم زوجتي وكيف أبطلب رغباتي الشخصية وكيف عملي أين أذهب؟! .. الخ

 

وأنا من غير لسان و سبحان الله فقط نعمة واحدة "نعمة اللسان" كل هذه الهواجس مرت على رأسي والدكتور يقول ترى أبخيّط لسانك وما ندري هل تنجح العملية وتقدر تتكلم أو خلاص هذه آخر مرة يكون لك فيها لسان!..

يقول اضطررت أن أوافق على العملية ليس لدي خيارات ووقعت لهم على الأوراق ووافقت.. أخذوني إلى غرفة العمليات.. بعد ذلك يقولوا الأطباء لي أنه طالت العملية وهم يخيطون لي هذا اللسان فجلسوا يخيطون بدقة وكذا حتى يحاولون أنه يرجع إلى طبيعته الأولى.. خرجت من العملية.. أفقت من البنج وبدأت أعرف الذين حولي.. أشعر لأول مرة أن لساني مثل الطابوق أو العلبة، داخل حلقي قد تورّم لا أعرف أبلع حتى ريقي أشعر بالألم عند بلع الريق ولا أقدر أخرج لساني من الورم فشعرت أنه إحساس ليس بالحقيقة ولكن هذا ما أشعر به لساني قد تورّم ولا أعرف أتكلم..


فحاولت أتكلم من الحلق أو من آخر اللسان لكن ما استطاع أن يخرج مني شيئًا إنا لله وإنا إليه راجعون.. بعد كل هذه الأزمة النفسية وكل ما مرت علي إلا أن أرجع إلى ذكر الله سبحانه وتعالى وألجأ إليه وأسأله العون وتخفيف مصابي وأدعو الله سبحانه وتعالى بصالح أعمالي.. وما هي والحمد لله إلا أسابيع مرت علي في هذه المعاناة في المستشفى ومع الأهل والناس كلهم يحضرون يطمئنوني إلا الحمد الله بدأت أنطق بعض الكلمات وسبحان الله كأني طفل يتعلّم ويحضرون لي كلمات من طرف اللسان ومن الحلق يحاولون بي أن أنطق وأنا أنظر إليهم وأضحك كأني طفل في بداية تعلم النطق لكن سبحان الله العظيم وبتوفيق من الله سبحانه وتعالى مرت علي 6 أشهر تقريبًا بدأت أُخرِج كل الكلمات بشكلها الصحيح وشكلها السليم وحمدت الله سبحانه وتعالى حمدًا كثيرًا على أن أعاد لي لساني وهو جزء بسيط من ما أنعمه الله سبحانه وتعالى على خلقه وفي خلقه شؤون.. فألزمت نفسي بأن أعود إلى أكثر بما كنت عليه من كثرة ذكر الله سبحانه وتعالى والثناء عليه..

قال الشيخ : والحمد الله وكما عرفت عنه أن لسانه لا يزال رطبًا من ذكر الله سبحانه وتعالى..


داعية في المستشفى

قصة مازن.. مازن عجيب جدًا شاب أردني تخرج من ثانويات المملكة وخرج بعدها إلى الأردن.. تخرج بعد ذلك طبيب بيطري وعاد إلى السعودية للعمل.. رجل متزن، قارئ لكتاب الله، مصلي، محافظ على صلاته، يؤدي عمله بكل نشاط وبكل أمانة.. قدر الله سبحانه وتعالى له حادث سيارة فظيع أدى إلى بعض الكسور وكدمات وضربات عند مفصل الوركين وغيبوبة.. الغيبوبة لمّا تكون مع بعض الكسور تكوّن كلس أكثر بكثير من الكلس العادي حتى أنه يكاد يؤذي المريض أكثر مما يفيده لمنطقة الكسور منطقة الوركين وهذا ما حصل لمازن..

تجمّع هذا الكلس بكميات كبيرة جدًا لكنه كان بعد أن أفاق من الوعي كان يستطيع المشي بصعوبة جدًا وكان وعيه ليس بالكامل يعني يعرف من حوله، يتكلم، كلماته جمل مقطعة وليست جمل كاملة مفيدة، وهذا شي يحصل مع ضربات الدماغ لكن مع الوقت يتحسن شيئًا شيئًا..

 

شيء وحيد سبحان الله العظيم عند مازن كان جيد ولم يفقد مسكه للقلم كان يمسك القلم ويستطيع الكتابة وكنت ما ترى عليه إلا ذكر الله سبحانه وتعالى لسانه رطبًا بذكر الله دائمًا يحمد الله ويشكره، دائمًا يسبح ويستغفر، يهلل ويكبّر، دائمًا آية الكرسي على لسانه وفواتح وخواتيم سورة البقرة، دائمًا قارئ للفاتحة، دائمًا قارئ للمعوذات، سبحان الله العظيم تعجب عندما تأتيه كطبيب تزور هذا المريض فيذكرك وجهه بالله وجهه نورًا دائمًا يذكر الله سبحانه وتعالى..

تحضر إليه وتتكلم معه في أمور أخرى تجده يقطع في الجمل لا يستطيع أن يصف الكلمات حتى يخرج كلمات مفيدة لكن آية الكرسي يعطيك إياها كاملة! الفاتحة والمعوذات يقرأها بالكامل فكنت أستغرب منه!..

ومع مرور الأيام وبقاءه في المستشفى وطال بقاءه معنا في المستشفى وتعلمه للكتابة من جديد بدأ يكتب في ورق خارجي بعض الآيات والأحاديث التي تفيد المسلم في حياته مثل أذكار الصباح والمساء، بعض الأدعية صار يكتبها في ورق يتذكّر هذه الأمور ذاكرته جيدة في هذه الأمور سبحان الله العظيم. ولما بدأ في الكتابة صار يكتبها كل يوم كلها آيات وأحاديث ما كان هذا فقط همّه؟!

 

كنت أستغرب ما هي هذه الورقات التي يكتبها! ما هوهم هذا الرجل كيف يعمل؟.. فكان يدعو بمن حوله.. يزحف على كرسيه المتحرك يخرج إلى جاره فيعطيه هذه الورقات "اقرأ اقرأ ما فيه تلفزيون اقرأ هذه أفضل من مازن إلى أخيه إذا قرأت يكون حالك أفضل...." كلمات بهذه الطريقة.. سبحانه الله العظيم همته عالية رغم الإعاقة إذًا الإعاقة ليست الجسمية التي نراها هي الإعاقة التي كانت تحصل في قلوبنا التي تحصل في جوارحنا وتعاطفنا مع أحوال المجتمع هنا الإعاقة الحقيقية.. حقيقة كنت أراه وأنظر أنا المعوّق وليس هو!..


بدأ يخرج في خارج غرفته صار يعطي جيرانه في الغرف الورقات.. يجلس ليلتان أو ثلاثة أو أربعة حتى يكتب ورقة صغيرة وأنت تستطيع كتابتها في ساعة وهو همه أن ينهي تلك الورقة كي يعطيها لشخص جديد.. ثم بدأ يكتب في كرتونة كبيرة الآيات والأحاديث.. خرج بكرسيه المتحرك بمساعدة أهله ومن حوله قال سوف أذهب للمصلى فيعرف أن في المستشفى مصلى، ذهب إلى المصلى وصلى هو وإيانا إحدى الصلوات وكانت الظهر وعلّق الكرتونة في المصلى يريد أن كل من يأتي للمصلى يقرأ الآيات الأحاديث التي فيها أذكار الصباح والمساء والتي تذكر بالله سبحانه وتعالى والتي تحث على الصبر عند المصائب كل كتاباته بهذه الطريقة..

 

الشاهد أنه خرج وكنت معجب فيه إعجابًا عجيب جدًا بهذا الولد الشاب كنت أريد أن أساعده بكل طريقة أستطيع بها.. قبل أن يخرج أهدى لي بعض الورقات لي ولزوجتي قال هذه لك ولأم أنس! حتى يريد ما ينصحني أنا فقط يصلحني ويصلح بيتي لعلها تصبر على الطبيب وعلى ما يعانيه الطبيب وغيره وكلمات جميلة جدًا وإن كانت في بعض منها الغير التناسق.. ومرت الأيام سيحان الله العظيم وأنا ما زلت أتذكر ذلك الشاب.. وفي يوم من الأيام أتاني أخي قال لي أنا موقف السيارة عند الإشارة وحضر لي واحدًا وكأنه أعرجًا وطرق علي نافذة السيارة ففتحت له : نعم! قال لو سمحت خذ هذه الورقات. وإذا بها نفس ورقات المستشفى!..

 

بدأ يكتب هذه الورقات في البيت ويخرج إلى الشارع يوزعها للناس الذين عند الإشارات.. هل نظرتوا إلى هم مثل هذا؟! هل نظرتوا إلى إنسان يحمل هم الدعوة مثل هذا الشخص؟! همه سبحان الله العظيم عجيب جدًا ما يريد أن يحده حدود في الدعوة إلى الله سبحانه وتعالى. تضعه في المستشفى يدعو وتضعه في البيت يدعو وتضعه في كل مكان يدعو إلى الله سبحانه وتعالى وهكذا يجب أن يكون الداعية! يقول ابن تيمية "أنا جنتي في صدري أينما ذهبت فهي معي أنا سجني خلوة ونفيي سياحة وقتلي شهادة"

والله سبحانه وتعالى يقول: {قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّـهِ رَ‌بِّ الْعَالَمِينَ} [الأنعام:162].

 

هكذا يجب أن يكون المسلم دائمًا وأبدًا يدعو إلى الله سبحانه وتعالى في كل مكان وفي أي زمان وعلى أي حال ما تحده حدود ولا ضروف ولا مرض ولا أي شيء فهو داعية في سمته في التزامه في كلماته في أخلاقه في أفعاله هكذا يجب أن يكون الداعية والله أعلم....

 

عبد الله العثمان