فضل الذكر
قال ابن القيم رحمه الله: "ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلًا وشرفًا".
فإن من أفضل الأعمال الصالحة اليسيرة التي تقرب المسلم إلى ربه جل وعلا الذكرُ.
وقد ذكر الله تعالى الذاكرين في كتابه بأجل الذكر، فقال سبحانه: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِّأُولِي الْأَلْبَابِ . الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ} [آل عمران:190-191].
وبيَّن في آية أخرى فضل الذكر، وأنه تطمئن به قلوب أهل الإيمان؛ فقال: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} [الرعد:28]، وجعل جزاء الذاكر أن يذكره سبحانه وهل هناك أرفع من أن يذكر الله سبحانه عبده المؤمن؟! قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة:152].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنَّ النَّبِيَّ صلَّى الله عليه وسلم قال: «
» [1].قال ابن القيم رحمه الله: "ولو لم يكن في الذكر إلا هذه وحدها لكفى بها فضلًا وشرفًا" [2].
وانظر إلى هذا الحديث العجيب في بيان فضل الذكر والذاكرين:
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: « » قالوا: "بلى يا رسول الله"! قال: « » [3].
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسير في طريقه إلى مكة، فمرَّ على جبل يقال له جمدان" فقال: «
». قالوا: "وما المُفَرِّدونَ يا رسول الله"؟! قال: « » [4].وعن أنس رضِي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» [5].قال أبو بكر: "ذَهَبَ الذَّاكِرُون الله بالخير كله" [6]. وقال أبو الدرداء: "لكل شيء جلاء، وإن جلاء القلوب ذكر الله عز وجل" [7].
وقال شيخ الإسلام ابن تيمية: "الذكر للقلب مثل الماء للسمك، فكيف يكون حال السمك إذا فقد الماء" [8]؟!
وقال ابن القيم: "وأفضل الذكر وأنفعه ما واطأ فيه القلب اللسان، وكان من الأذكار النبوية، وشهد الذاكِرُ معانِيَهُ ومقاصِدَهُ" [9].
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلَّى الله عليه وسلم قال: «
» [10].وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: "جاء الفقراء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: "ذهب أهل الدثور من الأموال بالدرجات العلى والنعيم المقيم، يصلون كما نصلي، ويصومون كما نصوم، ولهم فضل من أموال يحجون بها ويعتمرون، ويجاهدون، ويتصدقون". قال: «
» [11] الحديث.وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «
» [12].وقد أمر الله عباده المؤمنين بالذكر الكثير فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا . وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلًا} [الأحزاب:41-42].
والنبيُّ صلى الله عليه وسلم شرع لأمته من الأذكار ما يملأ الأوقات! فلكل حالة أو زمن ذكرٌ يخُصُّه؛ ففي الصباح أذكار مخصوصة، وفي المساء كذلك وعند النوم، واليقظة، وعند دخول البيت والخروج منه، وعند طعامه وشرابه، وغير ذلك من أحواله. ولا شك أن من حافظ على هذه الأذكار فإنه سيكون من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات، وبهذا يأمن مما اتصف به المنافقون حيث يقول الله عنهم: {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا} [النساء:142].
ومن الأذكار العامة التي تشرع في كل وقت: ما رواه ابن عباس عن جويرية: "أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج من عندها بكرة، حين صلى الصبح، وهي في مسجدها ثم رجع بعد أن أضحى". فقال: «
» قالت: "نعم"، قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » [13].ومن الأذكار التي تقال في الصباح والمساء، ويقولها العبد كلما شعر بحاجته إلى مغفرة ربه، عن شداد بن أوس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «
» [14].والحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ
[1]- البخاري [4/384] برقم [7405] ، ومسلم [4/2061] رقم [2675].
[2]- (الوابل الصيب من الكلم الطيب) [ص 71].
[3]- سنن الترمذي [5/459] برقم [3377].
[4]- صحيح مسلم [4/2062] برقم [2676].
[5]- سنن أبي داود [3/324] برقم [3667].
[6]- (شُعَب الإيمان) [1/408].
[7]- (الوابل الصيب من الكلم الطيب) [ص 67] .
[8]- (الوابل الصيب من الكلم الطيب) [ص 71] .
[9]- (الفوائد) [ص 250] نقلًا عن كتاب (نضرة النعيم) برقم [5/2009].
[10]- صحيح البخاري [4/173] برقم [6403] وصحيح مسلم [4/2071] برقم [2691].
[11]- صحيح البخاري [1/271] برقم [843]، ومسلم [1/416] برقم [595].
[12]- صحيح مسلم [4/272] برقم [2695].
[13]- صحيح مسلم [4/2090] برقم [2726].
[14]- صحيح البخاري [4/153] برقم [6306].
د. أمين بن عبدالله الشقاوي
- التصنيف:
- المصدر: