المهنة: لا أعمل!

منذ 2014-05-25

تحرك لسانها في عجالة ليجيب الإجابة المعروفة...لا أعمل! ثم توقف قبل أن ينطقها...

ظلَّت تنتظر دورها وتتسرى بجولة العين في أرجاء المكان...
سمعت اسمها يُنادَى فجلست أمام فتاة الاستقبال... سألَتها بصوتها الرتيب تلك الأسئلة الروتينية....
عملك؟
تحرك لسانها في عجالة ليجيب الإجابة المعروفة...لا أعمل!
ثم توقف قبل أن ينطقها...
فجأة شعرت أن عقلها يتمرد على الكلمة.. ويستعرض عليها قائمة كاملة..
من الذي ترجم كلمات ولدها الصغير للناس حينما لم يفهموا قصده؟
من الذي برعت يداه في عمل الطعام والحلوى؟
من الذي نظَّف البيت وأشرف على تنظيفه وترتيبه واعتنى به كما ينبغي ..؟
من الذي أمسك يد ابنتها تعلمها الكتابة؟ وظلَّ يرددُ قصائد الشعر العربي وكلمات اللغة الأجنبية مع ولدها ليلة الاختبار؟؟ ومن الذي سهر الليل يَفهمُ التباديل والتوافيق ليشرح ما استغلق على ولدها في الصباح؟
من الذي سهر بجوار ابنتها وهي محمومةٌ ليلاً؟
ومن الذي ردَّدَ القرآن مع ولدها ليحفظه؟
من الذي علَّمهم الحلال والحرام والفرق بين جميلِ الأخلاقِ وسيئها ... وذكَّرهم بحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم؟
من الذي علَّم ولدها كيف يأكل وكيف يشرب كما جاء في السنة؟ ومن علَّم ابنتها جمال الحياء والعفة؟
من التي تزينت بأبهى الزينة لزوجها لتعفّه عن الحرام؟
ومن التي قدمت النصح والمشورة لابنتها وأوصتها بزوجها؟
من التي علمت ولدها كيف يكون قوَّاماً في بيته على منهاج النبوة؟
ومن التي أدارت الحياة في البيت مدبرة قليل المال وكثيره؟
ومن التي أصلحت بين أقاربها؟
من الذي أصلح جهاز الراديو لما تعطل؟ ومن الذي أعاد سيارة ولدها ذات الريموت للعمل بعد أن كسرها؟
من الذي أقام احتفالاً لولدها وبنتها لما حفظا كتاب الله؟
ومن الذي دعا أهل زوجها للإفطار عندهم في رمضان؟ ومن الذي وصل رحمها ورحم زوجها في الأعياد؟
من التي بنت البيت على التوحيد؟ من التي كانت على ثغر من ثغور الإسلام؟ من التي قدمت للمجتمع أسرة متماسكة .. لبنة من لبنات صرح أمة الإسلام؟
من .. ومن .. ومن؟
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كُلُّكُم راعٍ ، وكُلُّكُم مَسْؤُولٌ عَن رَعِيَّتِه ، الإِمامُ راعٍ ومَسؤُولٌ عنْ رعِيَّتِه ، والرَّجُلُ راعٍ في أهلِه وهو مَسْؤُولٌ عن رعيَّتِهِ ، والمرْأةُ راعِيةٌ في بيتِ زوجِها ومَسْؤُولةٌ عن رعِيَّتِها ، والخادِمُ راعٍ في مالِ سيِّدِه ومَسْؤُولٌ عن رعيَّتِه . قال : وَحَسِبْتُ أنْ قدْ قال : والرَّجُلُ راعٍ في مالِ أبِيهِ ومَسْؤُولٌ عن رعيَّتِه ، وكُلُّكُم راعٍ ومَسْؤُولٌ عن رَعِيَّتِه» ( رواه البخاري)

الأم مدرسة إذا أعددتها *** أعددت شعبا طيب الأعراق

لقد كانت طبيبة ومهندسة ... ممرضة وعاملة ... كاتبة وشاعرة
كانت شيف يُعدُّ أجودَ الطعام، ومديرة منزل تدير شئونه بأفضل الطرق..
كانت محاسبة تدير "مالية" بيتها بمهارة...
كانت منظمة حفلات...وسكرتيرة...كانت مدرسة وداعية ومحفظة قرآن ... كانت مترجمة ومصلحة اجتماعية ..
كانت مستشارة نفسية ... وعارضة أزياء لزوجها فقط .. بل كانت مراقبة جودة للطعام والشراب!
كانت ...
(أم)...وملكة متوجة على عرش الأسرة المسلمة ...
قاطع صوت فتاة الاستقبال المتضجر تلك الأفكار السيالة ...
العمل؟
رفعت عينيها مبتسمة ابتسامة واسعة وقال في زهو وفخر: (أم) وربة بيتي


{فَالصَّالِحَاتُ قَانِتَاتٌ حَافِظَاتٌ لِّلْغَيْبِ بِمَا حَفِظَ اللَّـهُ} (سورة النساء-34)