الوقت كالسيف
إن العملية الإدارية تعتمد على عناصر عدة من أجل القيام بعملها، ومن أهم هذه العناصر، عنصر الوقت، وكلما زاد الوعي بمفهوم الوقت وتبلورت في أذهاننا الرؤية الصحيحة تجاهه كلما استطعنا أن نوظفه في صالحنا ونستفيد منه حق الاستفادة، فاختلاف الرؤية للوقت هي التي تحدد أسلوب التعامل معه، وهي المسؤولة عن بعض الأنماط السلوكية للناس تجاه الوقت.
يقول صلى الله عليه وسلم: «الألباني), في هذه الكلمات النبوية بيان لقيمة عظيمة اعتنى بها الإسلام أشد الاعتناء، وغدت اليوم أحد أهم المفاهيم الإدارية وأحد أهم أركان عملية التخطيط، ألا وهي قيمة الوقت.
» (صححه
مفهوم الوقت:
إن العملية الإدارية تعتمد على عناصر عدة من أجل القيام بعملها، ومن أهم هذه العناصر، عنصر الوقت، وكلما زاد الوعي بمفهوم الوقت وتبلورت في أذهاننا الرؤية الصحيحة تجاهه كلما استطعنا أن نوظفه في صالحنا ونستفيد منه حق الاستفادة، فاختلاف الرؤية للوقت هي التي تحدد أسلوب التعامل معه، وهي المسؤولة عن بعض الأنماط السلوكية للناس تجاه الوقت.
إن الاستخدام السليم للوقت يبين عادةً الفرق بين الإنجاز والإخفاق، ففي الساعات الأربع والعشرين يوميًا يوجد عدد محدد منها للقيام بالأعمال، وهكذا فإن المشكلة ليست في محدودية الوقت نفسه، وإنما فيما نفعله بهذه الكمية المحدودة منه.
إن الاستفادة القصوى من كل دقيقة شيء مهم، لإنجاز الأعمال بأسلوب اقتصادي وفي الوقت الصحيح، فالوقت يسير دائمًا بسرعة محددة وثابتة، ومن ثمّ فإنه يتعين على الفرد أن يحافظ على الوقت المخصص له.
فكمية الوقت مهمة لكن ما يفوقها أهمية هو كيفية إدارة الوقت المتاح لنا، فكلٌّ منا يمتلك أربعًا وعشرين ساعة يوميًا، وسبعة أيام في الأسبوع، واثنين وخمسين أسبوعًا في السنة، وبالإدارة الفعَّالة يمكن التوصل إلى استخدام للوقت بشكل أفضل، وإلى القدرة على الإنجاز الكثير من المهمات في كمية الوقت نفسها (إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري، د. خالد بن عبد الرحمن بن علي الجريسي، ص:16).
بهذه الرؤية للوقت يمكننا أن نحقق أعلى استفادة منه ونوله أكبر قدر من الاهتمام، خاصة إذا علمنا أن: الذين ينظرون إلى الوقت بعين الاهتمام هم الذين يحققون إنجازات كثيرة في حياتهم الشخصية والمهنية، وهم الذين يعلمون أن الوقت قليل لتحقيق كل ما يريدون، وعلى العكس من ذلك فإن المرء الذي لا يهتم كثيرًا بالإنجازات ينظر إلى الوقت على أنه ذو قيمة قليلة (إدارة الوقت، أبو شيخة، نادر أحمد، ص: 46).
يقول دراكر: "المديرين الفعّالين لا يبدئون بمباشرة مهماتهم، بل يبدئون بالنظر في وقتهم، وهم لا يبدؤون بمباشرة التخطيط، بل يبدئون بمعرفة فيم يُصرف وقتهم فعلاً، ثمّ إنهم يبذلون جهدهم للتقليل من الأعمال غير المثمرة التي تمثل عبئاً على وقتهم" (التنفيذ الفعال، دراكر، ص:26).
أنواع الوقت:
إذا قمنا بتجميع الأنشطة المتشابهة التي نقوم بها، فإن هذا يساعدنا في تحليل الوقت، وتقدير الوقت المستهلك في أنشطة معينة، إن هذا يعيننا في تحديد الوقت المناسب لكل وظيفة أو نشاط، كما أنه يساعدنا بقوة في معرفة الأوقات التي قضاؤها في أشياء عارضة أو بعيدًا عن الأهداف.
ويمكن تقسيم الوقت إلى أربعة أنواع: (مستفاد من: إدارة الوقت منهج متطور للنجاح، سلامة، سهيل بن فهد).
1-الوقت الإبداعي (Creative Time):
في دراسة أجراها 129 عالمًا بمركز القيادة الإبداعية في جامعة برانديز، تبين فيها أن أكثر معوقات الإبداع تعود لعدم توفر الوقت، أي أن الوقت غير كافٍ لهذا الإبداع، أو أن عبء العمل كثيف جدًا، فقد قال أحد المشاركين في الدراسة: "عندما ترزح تحت عبء مشكلة ما، ويطلب منك إيجاد شيء جديد في وقت قصير، فإنك تبدأ بالبحث عما أنجز من قبل، والحقيقة أن الأمور الجديدة لا تأتي تحت الضغط".
لذا نحن في حاجة إلى الوقت الإبداعي، ولكن ما هو؟
الوقت الإبداعي: يوصف هذا النوع من الوقت بأنه إبداعي إذا صُرف في عمليات التفكير والتحليل والتخطيط المستقبلي، إضافة إلى صرفه في تنظيم العمل وتقويم مستوى الإنجاز الذي تم فيه، ويمارس الإداريون خلال أدائهم لأنشطتهم الإدارية هذا النوع من الوقت، نتيجة لحاجتهم إلى الوقت الإبداعي، من أجل التفكير العلمي والتوجيه السليم، إضافة إلى معالجة المشكلات الإدارية بأسلوب علمي منطقي بهدف تقديم حلول موضوعية تضمن فاعلية ونتائج القرارات التي تصدر بشأنها.
2-الوقت التحضيري (Preparatory Time):
يُمثِّل هذا النوع من الوقت الفترة الزمنية التحضيرية التي تسبق عملية البدء بالعمل؛ إذ يُصرف الوقت التحضيري في عملية تجميع المعلومات والحقائق المتعلقة بالنشاط الذي يرغب الإداري بممارسته، أو في التجهيزات اللازمة من معدات أو قاعات أو آلات قبل البدء في تنفيذ العمل، ومن المفترض أن يُعطي الإداري هذا النوع من النشاط ما يحتاجه من وقت، نظرًا لآثاره الاقتصادية على المنظمة وما ينجم عن ذلك من خسارة نتيجة عدم توافر المُدخَلات الأساسية للعمل.
3-الوقت الإنتاجي (Productive Time):
يُمثِّل هذا النوع من الوقت المدة الزمنية التي تُستغرق في تنفيذ العمل الذي تم التخطيط له في الوقت الإبداعي، وكذلك التحضير له في الوقت التحضيري، ومن أجل زيادة فاعلية استغلال الوقت فإنه يجب على الإداري أن يوازن بين الوقت المستغرق في تنفيذ العمل والوقت المستغرق في تنفيذ عملية التحضير والتخطيط أو الإبداع، فمن المقرر أن الوقت المتاح للجميع محدود وغير متجدد، فإذا تبيّن أن هناك كثيرًا من الوقت يخصص لتنفيذ أعمال روتينية في المنظمة، فإن ذلك يعني أن هناك قليلًا من الوقت المخصص للإبداع أو التحضير أو لكليهما معًا، وتبعًا لذلك، فقد كانت ممارسة الإداري لعملية التوازن في قضاء الوقت ضرورة مُلحة، وضمانًا لاستثمار الموارد المتاحة كافّةً -بما في ذلك عامل الوقت- الاستثمار الأمثل.
ويقسم الوقت الإنتاجي إلى قسمين:
أ - وقت الإنتاج العادي (المنظم أو غير الطارئ).
ب - وقت الإنتاج غير العادي (الطارئ أو غير المنظم).
وإذا كانت أيّ منظمة تسير ضمن خطة الإنتاج العادي، وتتحكم -في الوقت نفسه- في الإنتاج غير العادي، فإنها تُعتبَر في وضع جيد، وقد يحدث أحيانًا أن يظهر إنتاج غير عادي أو طارئ في المنظمة، لكن من المفترض أن تكون هذه الحالة نادرة الحدوث ومحدودة الأثر، وإلا فإن ذلك سيكون دافعًا للمنظمة لإحداث تغيير جذري طارئ على جميع مستوياتها، من أجل مواجهة هذا الإنتاج الطارئ، ولكي ينجح الإداري في ذلك، فإن من المفترض أن يخصص جزءًا من وقته المخصص للإنتاج العادي، لمواجهة تأثير الإنتاج غير العادي، وبذلك يستطيع أن يحصل على مرونة كافية تسمح له بإنجاز الإنتاج المبرمج العادي غير الطارئ.
4- الوقت العام أو غير المباشر (Overhead Time):
هو الوقت الذي يمارس فيه الإداري أنشطة فرعية عامة، لها تأثيرها الواضح على مستقبل المنظمة، وعلى علاقتها داخل بيئتها أو المجتمع، كمسئولية المنظمة الاجتماعية وما تفرضه من التزامات على مديريها من ارتباطات بجمعيات أو هيئات خيرية أو تلبية دعوات وحضور ندوات؛ فإن هذه الأنشطة تحتاج إلى جزء كبير من وقت الإداري، لذلك فإنه يتعين عليه تحديد كمية الوقت الذي يستطيع أن يخصصه لمثل هذه الأنشطة، أو أن يقوم بتفويض شخص معين ينوب عنه في مثل هذه الأنشطة، وذلك حرصًا منه على الموازنة بين الالتزام بها والحفاظ على وقته.
وباختصار يمكن القول في هذا المجال: إن المدير الفعّال هو الذي يعلم كيف يستخدم وقته ويوزعه توزيعًا فاعلًا بين تخطيط الأنشطة المستقبلية (وقت إبداعي)، وتحديد الأنشطة اللازمة لأدائها (وقت تحضيري)، وفي صرف الكمية اللازمة من الوقت للقيام بالعمل (وقت إنتاجي)، وأن يخصص كذلك وقتًا كافيًا للقيام بالمراسلات وبأعباء المسئولية الاجتماعية (وقت عام)؛ باعتباره عضوًا في هذا المجتمع، وممثلًا لمنظمة ملتزمة باهتمامات هذا المجتمع، كما أن المجتمع بالمقابل ملتزم بها.
وفي الختام..
نُهدي إليك معادلة النجاح، فتذكرها جيدًا.
التخطيط السليم والتنظيم الجيد للوقت + التنفيذ السليم للخطة + تصرف إيجابي تجاه مضيعات الوقت = إدارة ناجحة وفعالة للوقت.
المصادر:
- إدارة الوقت منهج متطور للنجاح، سلامة، سهيل بن فهد.
- إدارة الوقت من المنظور الإسلامي والإداري، د. خالد بن عبد الرحمن بن علي الجريسي.
- التنفيذ الفعال، دراكر.
- إدارة الوقت، أبو شيخة، نادر أحمد.
مصطفى كريم
- التصنيف: