قميص التغريب، ينسجه رجل وتمزقه امرأة

منذ 2014-05-31

في عدد سابق من مجلة (حياة) النسوية كانت قضية العدد التي أبرزت بين يدي القراء عن (الاختلاط) في أماكن العمل وبالتحديد في المجال الصحي في ذاك الملف تعددت السؤالات، وتبعاً لمشارب الفتيات تنوعت أجوبتهن، شدني موقف إحداهن حيث تجاسرت ودون تردد أو تباطؤ على اتخاذ قرارها فانصرفت عن هذا الميدان برمته وبكل ما ينطوي عليه من محاذير وعواقب، كانت طالبة لم تبهرها أروقة كلية الطب ولا حتى مغريات مستقبل الطبيب في بلد نفطي يحتفي بتلك المهنة، فقررت الفصل وقبضت على خيار عفتها ولبست تاج حشمتها ومضت حيث بيت والدها راضية النفس، تلك الفتاة ليست أقل شأنًا من (عميدة التمريض) التي استقالت مؤخراً من منصبها في جامعة نورة لعلة الاختلاط.

في عدد سابق من مجلة (حياة) النسوية كانت قضية العدد التي أبرزت بين يدي القراء عن (الاختلاط) في أماكن العمل وبالتحديد في المجال الصحي في ذاك الملف تعددت السؤالات، وتبعاً لمشارب الفتيات تنوعت أجوبتهن، شدني موقف إحداهن حيث تجاسرت ودون تردد أو تباطؤ على اتخاذ قرارها فانصرفت عن هذا الميدان برمته وبكل ما ينطوي عليه من محاذير وعواقب، كانت طالبة لم تبهرها أروقة كلية الطب ولا حتى مغريات مستقبل الطبيب في بلد نفطي يحتفي بتلك المهنة، فقررت الفصل وقبضت على خيار عفتها ولبست تاج حشمتها ومضت حيث بيت والدها راضية النفس، تلك الفتاة ليست أقل شأنًا من (عميدة التمريض) التي استقالت مؤخراً من منصبها في جامعة نورة لعلة الاختلاط.

بين ورقتي المرأتين -الطالبة والعميدة- رحلة طويلة من ممانعة مجتمع محافظ، جسد التغريب يندفع وبشكل متهور ليجلس داخل مركبة (تحرير المرأة)، فهي في مؤشراته تعد المركبة التي أفلحت وبشكل مبهر في اختراق حصون المجتمعات الإسلامية والعربية من قبل وها هو يستثمرها في السعودية، في السودان حكى لي شيخ فاضل عن حال التعليم في المراحل الجامعية قبل أن يغشاها دخان الاختلاط، فقد كان الطلبة منفصلين عن الطالبات لدرجة أن الجامعات ذات المباني الضيقة كانت تجعل يوما للطلبة ويوما آخر للطالبات تحاشياً وبعداً عن مأزق الاختلاط حتى تم تطبيع الاختلاط تحت سمع وبصر (الحسن الترابي)!   

تجتمع إرادة (الفقيه العصراني) مع يد (السياسي) المستبد عند منعطف المرأة! فالمذهب البورقيبي مثلاً ناضل في صرامة عالية وكان مهووساً بفرض التغريب على جسد الوطن التونسي المسلم، ثم ماذا؟ ها هي السنوات تعدو سريعاً والعبث البورقيبي يتبدد أمام حجاب زوجة رئيس الوزراء الحالي وهما يدخلان قصر الرئاسة! فالمجتمعات المسلمة تملك حق الممانعة ضد أي اختراق يدنو من جدار ثقافتها، نعم قد يتأخر كسر شوكة التغريب لكنه لا يلبث أن يحضر وبقوة، فها هي المرأة المصرية تعود محجبة في أعتى ثكنة لليساريين العرب وهي وزارة الإعلام المصرية، فها هي تعود بحجابها مذيعة في التلفاز بعد غياب طويل تسبب فيه أتباع التطرف الماركسي.

إذًا فالقسر والإكراه في تنفيذ الرؤية التغريبية لا تلبث أن تتبدد ولو بعد حين، قال محمود شاكر شيخ العربية: "أنبل جهدك أن توقظ إنسانا حتى يحس"، وفي غمرة هذه الحياة التي تنطوي ساعاتها على زخم لا يتوقف من الحوادث والوقائع التي هي أعلى من أن يحكم عليها عقل اعتاد أن ينظر للأمور نظرة عابرة مطمئنة لا تحسن أن تنفذ إلى مآلات الأمور أو تنظر من ثقب الباب كما يقال! ما أن يغادر الناس ساحة قضية أشغلتهم ردحًا من الزمن حتى يبتلوا بولادة هلال قضية أخرى تتضمن مشاقة لمجتمع اعتاد على الفضيلة والستر واجتناب الفتن.

فترادف قضايا كمشاركة المرأة السعودية في أولمبياد لندن، وقرارات وزارة العمل الأخيرة وحادثة مؤتمر المثقفين، وها هي جامعة نورة مؤخرا، كل هذا ليس محض صدفة ولا ضرية لازب؛ فهي رغبة مُلحة في مواصلة طرق باب تحرير المرأة حتى يُفتح، هذا في الداخل السعودي أما بالنسبة للضمير الغربي فهو يصرح دون تحفظ عن عنايته ووقوفه خلف الرغبة الليبرالية للتخفيف من نبرة التدين..

يقول الدكتور سيس مود في مقالته (سراب الأخلاقية العصرية في التعليم المختلط): "في خضم هذا السجال تقع السعودية في مقدمة المجتمعات المسلمة المستهدفة وقد نُصّبت في الغرب على أنها بلد يضطهد للنساء"! ويقول آخر وهو آن موريس في مقاله (المفاهيم الغربية عن المرأة السعودية): "ولعل سوء الفهم الغربي يعود إلى القناعة أن طريقة الحياة الغربية هي الأنموذج المثالي للعالم فالغرب يعاني من إشكالية قبول الآخر"، قال ذلك في سياق حديثه عن عمل المرأة السعودية، هو عمل ممنهج ولا يهدأ على اختراق الخصوصية السعودية وبسط النفوذ التغريبي وخاصة في مجال التعليم.

وأخيراً همسة في أذن العالم الرباني: أن يبصر الصورة كاملة ويربط أولها بآخرها، ويفطن إلى أن من يقف خلف الجزيئات المتفرقة هي يد واحدة وروح واحدة. 

 

ماجد الأسمري