أيام في ماليزيا
منذ 2008-06-09
زرت ماليزيا عشرات المرات على مدار السنوات الخمس الماضية، وهي بلد متميز في الجوانب الآتية:
زرت ماليزيا عشرات المرات على مدار السنوات الخمس الماضية، وهي بلد متميز في الجوانب الآتية:
1- التقنية فيها متقدمة، وهي إحدى دول النمور السبعة في آسيا ومنها الهند وكوريا الجنوبية وتايلاند وإندونيسيا وماليزيا، وهذه هي الدول المرشحة لتنضم إلى العالم الصناعي الأول، وماليزيا في طليعة الدول الإسلامية، فهي من الدول المنتجة للسيارات وتسوَق عالمياً، وهي من الدول المتقدمة في مجال الحاسب، وجامعاتها على درجة عالية من الجودة والإتقان والتنوع، وفيها صناعات متعددة مهمة، وهذا كله مجتمعاً لا أعلمه في دولة إسلامية سوى ماليزيا، وهذا مما يرفع رؤوسنا نحن المسلمين إذ طالما تألمنا من تخلفنا وضعفنا واتكالنا على وجه مخز على الشرق والغرب في كل شؤون حياتنا الدنيوية تقريباً، فنحن عالة عليهم في التقنية والأبحاث، والمنتوجات الغذائية، ووسائل المواصلات والاتصالات، إلى آخر تلك القائمة المهينة، فوجود دولة مثل ماليزيا بشارة خير في خضم هذا الظلام المخيم.
2- عدد المسلمين فبها جيد، فهو قرابة 60 % وهم كلهم من الملايو، ويتبعون المذهب الشافعي، فهذا أدعى لاجتماعهم وعدم تفرق كلمتهم، وهي خصيصة لهم لا يشاركهم فيها إلا قليل من الدول الإسلامية، وليس فيهم فقر مدفع معيب كما نرى في أكثر الدول الإسلامية تقريباً، ومستوى أهل البلد في أكثرهم متوسط مادياً، وفي بعضهم ثراء.
3- هي البلد الإسلامي الوحيد الآن الذي يُبتعث إليه الطلبة من العالم الإسلامي، وهي خصيصة لها تشبه الاعتراف بريادتها وتقدمها، وهذا يدعو المسلمين عامة وقيادتهم السياسية والفكرية والعلمية خاصة إلى دعم هذه الدولة بكل ما يستطيعون ولو عن طريق زيادة البعثات والإكثار من عدد الطلاب والقيام بفتح فروع للجامعات الماليزية في الدول العربية و الإسلامية أو تعميم التجربة الجيدة ليستفيد منها الآخرون، ولقد رأيت رئيس الوزراء السابق (محمد المحضار) يجول في بعض الدول الإسلامية ويطالب بالاستفادة من التجربة الماليزية.
4- فيها ثراء وتنوع في مشاهدها وتضاريسها فهي تجمع بين الجبل، والسهل، والبحر، والبحيرات، والحدائق، والجنان، والمناخ البارد والمعتدل والحار، وفي طبيعة أهلها سلاسة وطيبة وحسن استقبال للوافدين والضيوف، والجريمة فيها تكاد تكون نادرة، وهذا عجيب مقارنة بمثيلاتها من الدول الإسلامية، وهذا كله يجعلها عامل جذب جيد بل متميز للآخرين، فيما يسمى بالسياحة، خاصة أن أسعار السلع والخدمات ليست مرتفعة بل معقولة.
5- مساحة البلد مناسبة إلى حد كبير، فهي ليست كبيرة شاسعة يصعب ضبطها أو تتهددها الأخطار، وهي أيضاً ليست صغيرة ضعيفة محدودة الإمكانات، بل أرى والله أعلم أن مساحتها وعدد سكانها تؤهلها لأن تكون متميزة أكثر مما هي عليه الآن، خاصة أن القوم قد رفعوا شعار 2020 ويعني أن ماليزيا ستغادر موقعها من دول العالم الثاني إلى دول العالم الأول في سنة 2020، وما ذاك عليهم ببعيد إن شاء الله تعالى.
أما السلبيات فهي كالآتي، وأتمنى أن تسارع الحكومة الماليزية للتخلص منها حتى تصير دولة نموذجية حقاً:
1- ضعف المرجعية الإسلامية في ذلك البلد العزيز علينا، القريب من قلوبنا، فهي مكونة من عدة ولايات، وولايتان فقط من سبع هي التي تطبق الشريعة: ترنجانو وكلنتن، أما سائر الولايات فهي متراخية في هذا الأمر، وليس في البلد رموز شرعية واضحة يرجع إليها بقوة، والخمر فاش في عاصمتها وعدد من مدنها، كما أنه ليس هناك شرطة آداب أو هيئة أمر بمعروف ونهي عن المنكر، بل هناك قوانين لمراعاة الآداب سُنت من قبل الحكومة لكن التطبيق العملي لهذه القوانين ضعيف نوعاً ما، خاصة أن في البلد 40 % من الكفار معظمهم من الصينيين والباقي من الهنود، وهذا مؤثر ولا شك في درجة الانضباط في البلد.
2- البلد تعاني من تغريب ثقافي واضح، بل اكتساح للأسلوب الغربي في الحياة والمتعة والضعف الروحي، وهذا بسبب ضعف المرجعية وغياب الرموز الشرعية كما ذكرت سابقاً، وبسبب غياب البديل الإسلامي الواضح، وبسبب ضعف العلم الشرعي عند أكثر أفراد الشعب الماليزي وضعف الوعي الإسلامي العام.
3- مشاركة الماليزيين في الهم الإسلامي العام محدودة، فبينما نرى كثيراً من البلاد الإسلامية تشتعل بالمظاهرات والاعتراضات على الحوادث الرئيسة التي تجري في العالم الإسلامي نرى أن إخواننا الماليزيين في أكثرهم يجابهون ما يجري بنوع من البرود وقلة الاكتراث، وهذه مشكلة ظاهرة فيهم تحتاج من قادة العمل الإسلامي هناك إلى وضع حلول قوية ناجحة لتجاوزها.
4- الهزة التي تعرض لها الأخ أنور إبراهيم وحزبه تلقي بظلال كثيفة على مصداقية النظام السياسي الماليزي، إذ صار يتصرف كأنه إحدى الدول العربية البوليسية في التخلص من الخصوم، وهو بحاجة إلى إصلاح هذه النظرة السلبية من قبل المسلمين الذين ينظرون إلى هذا النظام على أنه واحة للأمن السياسي والحفاظ على حقوق الناس وكرامتهم.
وأيضاً يدور في البلاد همس حول بعض مظاهر الفساد الإداري أرجو أن تقضي عليها الحكومة؛ لأن تقليص الفساد الإداري إلى أدنى حد ممكن هو شرط للتقدم والانعتاق من التخلف بل الوصول إلى مصاف الدول الصناعية كما يؤملون ويريدون.
وكل ما سبق كان نتيجة لقاءات بإخواننا الماليزيين وغيرهم ومحاضرات ودروس، وخلطة بالعامة والخاصة، فلم يكن رأياً سانحاً ولا نظرة سطحية، وأسأل الله لهم التوفيق.
المصدر: موقع التاريخ
محمد بن موسى الشريف
دكتوراه في علوم القرآن الكريم ويعمل قائد طائرة في الخطوط الجوية السعودية سابقا
- التصنيف: