رمضان في النرويج

منذ 2014-07-29

المجتمع النرويجي يتفاعل بشكل كبير مع رمضان، فينظر للمسلمين تارة بعيون معجبة بهذه العزيمة النابعة من تلكم العقيدة، وتارة بنظرة من يتهمون المسلمين بالجنون "كيف يدع المرء طعامه وشرابه"؟

النرويج هي: إحدى الدول الإسكندنافية التي تقع في أقصى شمال القارة الأوروبية، يحدها من الجنوب الدنمارك، ومن الشرق كل من السويد وفنلدا، وفي أقصى الشمال روسيا، وعلى الرغم من صغر مساحتها، وقلة عدد سكانها الذين لا يتجاوزون الـ 4,7 مليون نسمة، إلّا أن النرويج استطاعت أن تحتل مركزاً مرموقاً في الساحة السياسية والاقتصادية العالمية، فهي واحدة من كبريات الدول المنتجة للبترول، وفيها أكبر معدل لدخل الفرد في العالم، وللنرويج مساهمة مقدرة في دعم مشاريع السلام في السودان، بنفس القدر الذي دعمت به الحرب قبل السلام.

المسلمون في النرويج:
ويمثل المسلمون القطاع الأكبر من الجاليات الأجنبية في النرويح، البالغ تعدادهم (61774) نسمة.. وتحتل الجالية الباكستانية المرتبة الأولى، تليها الجالية الصومالية، والعراقية، ثم الجنسيات الأخرى.. ووجود السوادنيين في النرويج ضئيل جداً إذا ما قورن بوجودهم في دول جنوب أوروبا.

نهار رمضان ومفارقات الفصول:
نتيجة للموقع الجغرافي للنرويج - في أقصى شمال الكرة الأرضية - فإننا نجد مفارقات مناخية غاية في الغرابة، وبالذات في أقصى شمال النرويج الذي يقع داخل الدائرة القطبية.. حيث يطول النهار في الصيف جداً فيأخذ أغلب ساعات اليوم.. بل إن الشمس في بعض المناطق لا تغرب لحوالي الشهر.. كما يقصر النهار جداً لبضع ساعات في فصل الشتاء.. بل إن الشمس في بعض المناطق لا تشرق لمدة شهر كذلك.

هذه البلبلة المناخية تجعل المسلمين في حيرة من أمرهم عندما يطول عليهم نهار الصيف، وفي حيرة أخرى في الشتاء عندما لا تتعدى لحظات النهار بضعة ساعات، أو عدة دقائق، فيهرع المسلمون إلى العلماء والفقهاء؛ ليفتونهم في أمر دينهم، وتظهر سماحة الإسلام، ومواكبته لكل زمان ومكان.. وأذكر زيارات لعدد من العلماء السودانيين للنرويج، أبرزهم فضيلة الشيخ د. عبد الحي يوسف، والشيخ محمد عبد الكريم، مما كان له وقع عظيم لدى الجالية المسلمة.

مائدة رمضان في النرويج:
تختلف الأنظمة الغذائية لدى مسلمي النرويج باختلاف الجاليات، فالجالية الباكستانية تفضل الأكل الحار، كثير البهار والشطة، بينما يفضل الصوما?يون "المكرونة الاسباقتة" والموز، ويدخل الموز تقريباً في جميع الوجبات، أما الإرتريون فيفطرون على العصير و "السامبوكسة"، وإنك لتحسب أن ذلك هو كل الإفطار، لتفاجأ بعد قليل بالمائدة الكبرى من جديد؛ المغاربة يحبون "الكسكسي" الذي هو أشبه بالبرغل، ويطبخ مع القرع والكوسة والجزر.. وهو وجبة دسمة للغاية.

شهر للدعوة والعبادة:
المراكز الإسلامية والمساجد في النرويج يربو عددها على الـ (40) مسجداً ومركزاً.. ولكن للأسف فإن حالهم مثل الحال في بقية الدول الأوروبية؛ من حيث كثرة الخلافات، والتنافر في بعض الأحيان، والصحيح أن هذا المرض قد نقلوه معهم من مجتمعاتهم الأصلية، وعلى الرغم من ذلك فالمراكز الإسلامية والمساجد تمثل منطلقاً للدعوة، ومقراً يلتقي منه المسلمون، فتقام فيه الشعائر، وتتوطد أواصر المحبة والتكافل وبالذات في شهر رمضان، وتقام صلاة التراويح والتهجد في كثير من المساجد، وهناك عدد كبير من حفظة القرآن الكريم، من الصومال، والباكستان، على الرغم من أعجميتهم.

النرويجيون.. كيف ينظرون إلى رمضان؟
والمجتمع النرويجي يتفاعل بشكل كبير مع رمضان، فينظر للمسلمين تارة بعيون معجبة بهذه العزيمة النابعة من تلكم العقيدة، وتارة بنظرة من يتهمون المسلمين بالجنون "كيف يدع المرء طعامه وشرابه"؟

وبالنسبة للمسلمين يظل شهر رمضان هو شهر التقوى والإيمان، والخير والبركة؛ يفرحون بقدومه، فيصومون نهاره، ويحيون ليله، وتهدأ نفوسهم، فيقتربون من ربهم خطوات وخطوات، ليقتبسوا من نوره، وليتزودوا بالتقوى مؤونة تكفيهم إلى رمضان القادم.
 

خالد دنقلا