من أسرار القرآن: (452) {يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا}
إذا كان هؤلاء الأولياء من الكفار أو المنافقين فإنهم عادة لا يحترمون حقوق الموالاة، بل يخونونها، ولا يألون جهدًا في إيذاء المؤمنين، بل يتآمرون دومًا عليهم.
بسم الله الرحمن الرحيم
من أسرار القرآن:
(452)- {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا….} [آل عمران:118].
هذا النص القرآني الكريم ينهي عباد الله المؤمنين من اتخاذ أولياء وأصفياء لهم من غير المؤمنين، وذلك لأن الأولياء عادة ما يطلعون على أسرار من يوالونهم، وإذا كان هؤلاء الأولياء من الكفار أو المنافقين فإنهم عادة لا يحترمون حقوق الموالاة، بل يخونونها، ولا يألون جهدًا في إيذاء المؤمنين، بل يتآمرون دومًا عليهم، ويخططون للإضرار بهم، وإن تظاهروا بغير ذلك من شدة نفاقهم، وعمق كراهيتهم للحق وأهله.
ويتضح ذلك جليًا باستعراض ما ورد في موسوعة المستشرقين للدكتور عبد الرحمن بدوي (رحمه الله). فقد أورد فيها سير ما يقارب الثلاثمائة من المستشرقين، الذين كانوا في- غالبيتهم- قد تربوا علي كراهية الإسلام والمسلمين، وتدربوا على فنون التآمر على مصر وعلى غيرها من الدول العربية والإسلامية. التي عانت من الاختراق بواسطة أعدائها عبر التاريخ، ولا يزال المصريون- بصفة خاصة- والعرب والمسلمون بصفة عامة يتعرضون للاختراق السياسي والاقتصادي والفكري دون أن يحذروا من أخطار هؤلاء المتآمرين!...
ومن صور ذلك الاختراق أنه في سنة1882م استدعي قائد البحرية البريطانية نورث بروك مستشرقًا بريطانيا يدعي إدوارد بالمر من أجل السفر إلي مصر للتمهيد للغزو البريطاني لأراضيها الذي وقع بتاريخ 1882/7/11 م. وكان بالمر هذا- للأسف الشديد- يشغل كرسي اللغة العربية بجامعة كمبريدج.
وصل هذا الجاسوس إلي سيناء من أجل تجنيد جيش من بدوها يقوم بتأمين الجانب الشرقي لقناة السويس لصالح القوات البريطانية الغازية للأراضي المصرية بالتعاون مع فرديناند ديليسبس. وصل بالمر إلى السويس في أوائل أغسطس1882م ومعه أربعة عملاء آخرين، وكانت المؤامرة تتلخص في القيام بطعن جيش البطل أحمد عرابي من الخلف. وكادت المؤامرة تتم لولا مروءة بدو سيناء الذين قاموا بعمل كمين لهؤلاء الجواسيس الخونة، واقتادوهم إلي وادي سدر، حيث قتلوهم وألقوا بجثثهم إلى بطن الوادي. وكان ذلك في حدود1882/8/20م.
وبالمثل جاء إلى مصر بتخطيط صهيوني المستشرق اليهودي الألماني بول إليعازر كراوس ليعمل مدرسًا بكلية الآداب بالجامعة المصرية (جامعة القاهرة حاليًا). وقد خلف في ذلك المنصب يهوديين آخرين يدعى أحدهما إسرائيل ولفنصن، ويدعى الآخر جوزيف شاخت. وقد لعب كل من هؤلاء اليهود الثلاثة دورًا خطيرًا في تدمير مفاهيم طلاب الجامعة المصرية وإثارة العديد من الشكوك والشبهات لديهم.
وبعد ثماني سنوات من العمل في الجامعة المصرية وجد بول كراوس منتحرًا في حمام مسكنه (7 شارع أحمد حشمت باشا بالزمالك)، وذلك بتاريخ1944/9/14 م، وكان من أسباب انتحاره هو اشتراكه مع أربعة من القتلة اليهود المنتمين للمنظمة الإرهابية المعروفة باسم شتيرن، والتي كان يقودها طريد العدالة مناحم بيجن في اغتيال الوزير البريطاني المقيم لورد موين بمسكنه في القاهرة. وقد عرفت هذه الفضيحة السياسية باسم فضيحة لافون. وبعد اعتقال القتلة خشي بول كراوس الاعتراف عليه فقام بشنق نفسه هروبًا من مواجهة العدالة.
وفي زماننا الحالي مازالت محاولات اختراق المجتمع المصري مستمرة من أجل إفشال كل مشروع نهضوي للأمة. وليست أعداد الصهاينة الذين قبض عليهم أثناء ثورة 2011/1/25م في كل من القاهرة والإسكندرية ببعيدة عن الأذهان، وليس اليهودي الأمريكي الذي قتل في الإسكندرية منذ أيام قلائل قد طوى ذكره بطي النسيان!!
لذلك يحذرنا ربنا تبارك وتعالى من أخطار هؤلاء الأعداء، ومن الوقوع في خطأ اتخاذهم أولياء فيقول (وهو أصدق القائلين): {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا بِطَانَةً مِّن دُونِكُمْ لَا يَأْلُونَكُمْ خَبَالًا وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ ۚ قَدْ بَيَّنَّا لَكُمُ الْآيَاتِ ۖ إِن كُنتُمْ تَعْقِلُونَ} [آل عمران:118].
ويقول: {...وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ ۗ إِنَّ اللَّـهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [من سورة المائدة:51].
ويقول: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا آبَاءَكُمْ وَإِخْوَانَكُمْ أَوْلِيَاءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الكُفْرَ عَلَى الإِيمَانِ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [التوبة:23].
ويقول: {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ} [الممتحنة:9].
ولا أرى تحذيرًا من خطر اختراق الأعداء لصفوف الأمة في القديم والحديث أشد من هذا التحذير الإلهي الذي إذا لم تعه الأمة وتعمل على مقاومته بقيت فريسة لمخططات أعدائها الذين لا يألون جهدًا في العمل على تدميرها. ونسأل الله تعالى أن يوقظ أمتنا من غفلتها حتى تتمكن من استيعاب حجم المخاطر المحدقة بها، وندعوه أن يحميها من شرور أعدائها اللهم آمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
زغلول النجار
أستاذ علم الجيولوجيا بالعديد من جامعات العالم
- التصنيف:
- المصدر: