حديث عهد بجاهلية
إنَّ كثيرًا من المسلمين الجُدد رسخوا في الإسلام في وقت قصير، وأصبحوا دعاةً لمن بعدهم من المسلمين الجدد؛ لأنهم سلكوا الطريقَ الصحيح للعلم، وكان لديهم قدرٌ كبير من الحرص والاجتهاد في الطلب، وعلى قدر اهتمام المسلم الجديد بزيادة علمه وقربه من العلماء، يزداد علمُه وإيمانه.
المسلم الجديد هو أحد أفراد المجتمع المسلِم، ويدخل في هذا المسمَّى كلُّ من دخل في الإسلام حديثًا، ويكون له من الحقوق ما لسائر المسلمين، وعليه من الواجبات ما على سائر المسلمين، بَيْدَ أنَّ له من الخصائص والسِّمات ما يجعله ينفرد ببعض الأحكام والتفاصيل.
والمسلِمُ الجديد تسميةٌ حادثة، يُقصد بها مَن أسلم حديثًا، وفي السُّنَّة النبوية لم يرد لفظ: المسلم الجديد، أو المسلمون الجدد، وإنما يعبَّر عنه بلفظ: "حديث عهْد بكفر، أو حديث عهْد بشِرْك، أو حديث عهد بجاهلية"؛ كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها: «لولا حداثةُ قومك بالكُفْر، لنقضتُ البيت» (البخاري:1585)، وفي رواية: «لولا أن قومك حديثٌ عهدُهم بجاهلية» (صحيح الترمذي:3901).
وفي حديث معاوية بن الحَكم السُّلمي رضي الله عنه قال فيه: «يا رسولَ الله، إني حديث عهْد بجاهلية» (مسلم:537)، قال الإمام النووي رحمه الله: "قوله: إني حديث عهد بجاهلية، قال العلماء: الجاهلية ما قبل ورود الشَّرع، سُمُّوا جاهلية؛ لكثرة جهالاتهم وفحشهم".
ولذا؛ فالمسلم الجديد مصطلحٌ شاع استخدامُه في الوقت الحاضر، وهو لا ينضبط بوصْف دقيق، فهو يقابل المسلم القديم، ثم إنَّه لا يمكن تحديدُ مدة زمنية يصح فيها إطلاقُ هذا الوصف، وليس هناك حَدٌّ يُعرَف به انتهاء هذا الوصف على المسلم الجديد.
ومن المقرَّر عند الفقهاء أنه يثبت له حكمُ الإسلام فور نطقه بالشهادتين، فإذا قال الكافر: أنا مسلم، أو أسلمت، ثبت له حُكْم الإسلام، قال العلماء: "وإن كَتَب كافرٌ الشهادتين صار مسلمًا؛ لأنَّ الخط كاللفظ، وإن قال: أسلمت، أو: أنا مسلم، أو: أنا مؤمن، صار مسلمًا بذلك وإن لم يتلفظْ بالشهادتين"، واستدلوا لذلك بحديث المقداد رضي الله عنه أنَّه قال: «يا رسول الله، أرأيت إن لقيتُ رجلاً من الكفَّار فقاتلني فضرب إحدى يديَّ بالسَّيْف فقطعها، ثم لاذ مني بشجرة، فقال: أسلمت لله، أفأقتلُه يا رسول الله بعد أن قالها؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقتلْه، فإن قتلتَه فإنه بمنزلتك قبلَ أن تقتله، وإنَّك بمنزلته قبل أن يقول كلمتَه التي قالها» (البخاري:4019)، وبحديث عمران بن حصين رضي الله عنه قال: «أصاب المسلمون رجلاً من بني عقيل، فأتوا به النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمَّد، إني مسلم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لو كنت قلتَها وأنت تملك أمرَك، أفلحتَ كلَّ الفلاح» (مسلم:1641).
ولا يُفهم من ذلك الاكتفاءُ بمعرفته للإسلام؛ ليكونَ مسلمًا جديدًا في الظاهر، بل لا بدَّ من الإقرار والانقياد والتزام الطاعة، قال ابن القيم رحمه الله: "ومَن تأمَّل ما في السير والأخبار الثابتة من شهادة كثير من أهل الكتاب والمشركين له صلى الله عليه وسلم بالرِّسالة، وأنَّه صادق، فلم تُدخِلهم هذه الشهادةُ في الإسلام، علم أنَّ الإسلام أمرٌ وراءَ ذلك، وأنه ليس هو المعرفة قط، ولا المعرفة والإقرار فقط؛ بل المعرفة والإقرار والانقياد، والتزام طاعته ودينه ظاهرًا وباطنًا".
إنَّ فهم المسلم الجديد لمدلول الشهادتين أولُ واجب عليه ليعرف حقيقة الإسلام، وإذا كانت هذه الكلمةُ قد امتنع عنها كفَّارُ قريش قديمًا عندما كان النبي صلى الله عليه وسلم يدْعوهم لها، فإنهم كانوا يُدركون معناها وحقيقتها ولوازمها، واليومَ قد يتلفَّظَ بها كثيرون من دون أن يدركوا معناها، أو يعرفوا شروطها، أو يعملوا بمقتضاها، وقد يكون من أسباب ذلك أنهم يتعرَّفون بالإسلام من غير أهله، أو ممن قلَّ علمُهم وفهمهم لحقائق الإسلام.
ولذلك؛ فالواجب على المدعوين من المسلمين ومن غير المسلمين أن يسألوا الأعلمَ من الناس عن أي أمر من أمور الإسلام، وألاَّ يأخذوا حقائقَ الإسلام وأصولَه من عامة الناس أو جُهَّالهم؛ بل عليهم أن يأخذوها من العلماء، وقد ورد أن علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرَّ بيهودي يسأل مسلمًا عن شيء من أمر الدِّين، فقال له علي رضي الله عنه: "اسألني ودعِ الرجل، فقال له: يا أمير المؤمنين، أنت خبير -أي: عالِم- فقال رضي الله عنه: إن تسأل عالمًا أجْدَى لك"، وقد قال تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} [النحل:43].
إنَّ كثيرًا من المسلمين الجُدد رسخوا في الإسلام في وقت قصير، وأصبحوا دعاةً لمن بعدهم من المسلمين الجدد؛ لأنهم سلكوا الطريقَ الصحيح للعلم، وكان لديهم قدرٌ كبير من الحرص والاجتهاد في الطلب، وعلى قدر اهتمام المسلم الجديد بزيادة علمه وقربه من العلماء، يزداد علمُه وإيمانه.
عبد الله بن إبراهيم اللحيدان
- التصنيف:
- المصدر: