فيالق القدس وجنود الأقصى
ملايين العرب والمسلمين في كل مكان - يجوبون مدن وساحات العالم، في أكثر من أربعين دولةً عربية وإسلامية وغيرها، يحمِلون شِعارًا واحدًا، يُعبِّر عن حقيقة هدفهم، وصدق توجههم، وعميق انتمائهم، وقصدية تحرُّكِهم، فشعوب العالم تريد صادقةً تحرير القدس، واستنقاذها من دنس اليهود وبطشهم، واستعادتها منهم، وهم الغاصبين لها، والمحتلين لمقدساتها، والمدعين زُورًا وكذبًا أنها كانت يومًا لهم..
إنه أقل شيءٍ نُقدِّمه باستحياءٍ وخجلٍ إلى مدينة القدس وإلى المسجد الأقصى المبارك، بل هو جهد المُقل، وعطاء القليل، ولكنه إرادة القوي العزيز، لا الضعيف الذليل، وهو القطمير والفتيل، الذي لا يُعذر فيه أحد، ولا يُبرَّر فيه العجز، ولا يجوز فيه التقصير، ولا يُقدَّم عليه شيء، ولا يسبقه عمل، ولا تنافسه مهمة، فهو واجبٌ ليس فيه تضحية ولا معاناة، ولا جهد ولا مشقة، ولا مغامرة ولا معركة خاسرة، كما ليس فيه كُلفة ولا نفقة، ولا غرامة ولا ضريبة، فلا إعداد مكلف، ولا استعداداتٍ مرهقة، إنما هي جهودٌ بشرية، واستعداداتٌ نفسية، تسبقها النوايا الصادقة، والعزم الأكيد، واليقين الجازم.
إن كُنَّا عاجزين عن استنقاذ مدينة القدس وتحريرها، فلا أقل من أن تبقَ ساكنةً في القلوب، وباقيةً في الحنايا والنفوس، تحميها الصدور والضلوع، لا تفارقنا ولا تغيب عَنَّا، نذكرها في كل وقتٍ وحين، ونتطلع إلى استعادتها والعودة إليها مهما تأخر الزمن، وتعقد إليها السبيل، وطال للوصول إليها الطريق، وكثرت في سبيلها التضحيات والتحديات.
فهي تستحق مِنَّا أن نبذل الجهد والأرواح والمهج، وأن نروي ترابها بالدم والدموع والعرق، فهي مدينتا، وهي أرضنا المقدسة، ومسرى رسولنا الأكرم، ومعراجه إلى السماوات العلى، التي ترنو إليها قلوب المسلمين، وتتطلع إليها أرواحهم، وتهفو إليها نفوسهم، كانت لنا دومًا، وستعود إلينا حتمًا، وستبقى أرضنا ومدينتنا المقدسة، وقِبلتنا الأولى التي نتمسك بها، ولا نُفرِّط فيها، ولا نُفاوِض أو نُساوِم عليها، بل سنبقى نتطَّلع إليها لنا وحدنا ولو فقأ مخرز العدو مِنَّا العيون.
ملايين العرب والمسلمين في كل مكان - يجوبون مدن وساحات العالم، في أكثر من أربعين دولةً عربية وإسلامية وغيرها، يحمِلون شِعارًا واحدًا، يُعبِّر عن حقيقة هدفهم، وصدق توجههم، وعميق انتمائهم، وقصدية تحرُّكِهم، فشعوب العالم تريد صادقةً تحرير القدس، واستنقاذها من دنس اليهود وبطشهم، واستعادتها منهم، وهم الغاصبين لها، والمحتلين لمقدساتها، والمدعين زُورًا وكذبًا أنها كانت يومًا لهم، وإن كانوا قد سكنوا فيها كغيرهم، تحت كنف العرب حينًا، وبرعاية دولة الإسلام أحايين كثيرة، ولكنهم قومٌ يُحرِّفون الكلِم عن مواضعه، ويُزوِّرون التاريخ، ويُحاوِلون طمس الحقائق، وتشويه الوقائع، وتبديل ثوابت التاريخ، ويطالبون العالم بأن يُصدِّق ترهاتهم، ويؤمن بباطلهم، ويعتقد بخرافاتهم.
ربما لا شيء يشغل الإسرائيليين والحركة الصهيونية هذه الأيام قدر مدينة القدس، وما فيها من مقدساتٍ وأماكن روحية، فهم يسابقون الزمن لتغيير معالمها، وطمس هويتها، وتفريغها من سكانها العرب المسلمين والمسيحيين، ويعملون ليل نهارٍ تحتها، ينقبون الأرض، ويُحفِرون الأنفاق، وينثرون فيها بعضًا من تاريخهم، وبقايا من تراثهم، ليوهموا العالم أن هذه الأرض كانت يومًا لهم، وفيها عاش أجدادهم، وفيها بعث أنبياؤهم، وفيها بنى ملوكهم ممالك اليهود، ومنها إلى بابل سبوا، وإلى بقية العالم تشرَّدوا، ليُبرِّروا لأنفسهم العودة إليها، والإقامة فيها، وبناء الهيكل المزعوم فوق تلالها.
وينفقون فيها مليارات الدولارات من ميزانيتهم، ومن التبرعات التي تصل إليهم، والمساعدات التي تقدم لهم، ليملأوا القدس بمساكنهم، ويُشغِلوها بمواطنيهم، ويُوسِّعوا حدودها بأحزمةٍ استيطانيةٍ كبيرة، تأكل مساحاتٍ كبيرة من مدن الضفة الغربية، تلحقها إداريًا وسياسيًا بمدينة القدس، لتُشكِّل في المستقبل القدس الكبرى، المدينة اليهودية الأكبر والأضخم سكانًا ومساحة، حيث لا يبخلون في الإنفاق عليها، والدفع فيها، ولا يتأخرون عن جمع التبرعات لها من كبار أثريائهم، ومن عامة أتباع دينهم، ومن الموالين لهم وللحركة الصهيونية.
وخلال ذلك صادروا مساحاتٍ كبيرة من أراضي المقدسيين العرب، المقيمين والغائبين، ووضعوا أيديهم على مقابر المدينة ومتاحفها، وجرفوا بعضها ليبنوا مكانها حديقةً يتنزه فيها اليهود، وأخرى لتكون مكتبةً عامةً يرتادها السياح والزائرون، ويكون فيها كل ما يخص اليهود وديانتهم، والعبرانيين وممالكهم، ولكن ذلك كله على حساب أصحاب الحق، وملاك الأرض.
إنهم يستهدفون المقدسيين عمومًا، ولا يستثنون من إجراءاتهم أحدًا، مُسلمًا كان أو مسيحيًا، فكلهم عدوٌ وهدف، وكلهم يجب أن يخرج من المدينة المقدسة، إذ لا مكان بزعمهم ولا وجود لكنيسةٍ ولا لمسجد، فهذه الأرض المباركة لهم، قد أقطعهم إيَّاها الرب، ومنحها لأبيهم يعقوب، لتكون له ولذريته من بعد وطنًا ومملكة، ومعبدًا وهيكلًا، وقد صدقوا زعمهم، وعمَّموا خرافاتهم، وجعلوا منها عقيدةً وتوراةً، وسياسةً وتلمودًا.
وتتواصل جهودهم دوليًا لدى كبرى عواصم القرار الدولي، لتعترِف بالقدس مدينةً موحَّدة، إسرائيلية يهوديةً عاصمةً لكيانهم، ولتنقِل حكوماتهم إليها سفارتها وقنصلياتها، ولتلتقي بالمسؤولين الإسرائيليين فيها، وتحثهم على مخاطبتها رسميًا، وبإدراج القدس عنوانًا للمراسلة، وجعلها ضمن برامج الطيران ورحلات السفر ووفود السياحة والجولات الدينية، لتضفي عليها صفة السيادة الإسرائيلية المطلقة، ولتنفي عنها شبة الإحتلال، ولتخرجها عن دائرة الصراع والنزاع، فلا تكون محلًا للتفاوض، ولا قضيةً للحوار والمساومة عليها.
لا تنفك الجهود الإسرائيلية تتوالى وتتابع لتنتزِع مدينة القدس جغرافيًا من أرضنا العربة والإسلامية، ولتخرجها من قلوب العرب والمسلمين بمكانتها الدينية العريقة المقدسة، ولكن هيهات لهم، وأنَّى لهم ذلك، فإنما هم يُصارِعون الله عز وجل في مشيئته، ويُنازِعونه جلَّ وعلا في إرادته، الذي أرادها سبحانه وتعالى أن تكون مسرى رسوله ومعارجه منها إلى السماوات العلى، أرضًا للمسلمين وقفًا، وإن سكنها اليهود وعاشوا فيها ردحًا من الزمن، فإن يومًا بإذن الله قادمٌ لا محالة، وسيكون هو وعد الآخرة، وسيتبر أصحاب الحق ما علا اليهود طُغيانًا وفُجورًا تتبيرًا، وسيتحقق وعد الله الآخر لهذه الأمة بالنصر والتمكين، وبالعودة والتحرير، بجنودٍ وفيالق، وألويةٍ وبيارق، إنهم يرونه بعيدًا ونراه بإذن الله قريبًا، ويومئذ سيفرح المؤمنون بنصر الله المُبين، والوعد الإلهي اليقين، بالفتح الآخِر الجديد.
مصطفى يوسف اللداوي
كاتب و باحث فلسطيني
- التصنيف: