شرح نواقض الإسلام
من اعتقد أن أحدًا يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر؛ لوجود الفرق فشريعة محمد صلى الله عليه وسلم عامة وشريعة موسى خاصة ببني إسرائيل، وشريعة موسى يجوز لغير بني إسرائيل ويسعهم الخروج عنها، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا يسع أحدًا الخروج عنها.
قال الإمام المجدد شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله: "اعلم أن نواقض الإسلام عشرة، الأول: الشرك في عبادة الله تعالى، قال الله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:48]، وقال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72]، ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر".
قال الشارح حفظه الله: الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله و صحبه أجمعين، أما بعد:
فهذه النواقض العشرة التي ذكرها الإمام المجدد الشيخ محمد بن عبد الوهاب رحمه الله هي مبطلات للإسلام سميت نواقض لأن الإنسان إذا فعل واحدًا منها انتقض إسلامه ودينه، وانتقل من كونه مسلمًا مؤمنًا على كونه من أهل الشرك والأوثان نسأل الله السلامة والعافية، وهذه النواقض والمبطلات تبطل الدين والتوحيد والإيمان، كما تبطل نواقض الطهارة، فالإنسان إذا كان متوضئًا متطهرًا، ثم أحدث فخرج منه بول أو غائط أو ريح بطلت طهارته وانتقضت وعاد محدثا بعد أن كان متطهرًا، فكذلك المسلم المؤمن والموحد إذا فعل ناقضًا من نواقض الإسلام انتقض إسلامه ودينه وصار وثنيًا من أهل الأوثان، بعد أن كان من أهل الإسلام..
وإذا مات على ذلك صار من أهل النار، وإذا لقي الإنسان ربه بهذا الشرك لا يغفر له كما قال تعالى: {إِنَّ اللَّهَ لاَ يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاء} [النساء:48]، وهو يحبط جمبع الأعمال، قال تعالى: {وَلَوْ أَشْرَكُواْ لَحَبِطَ عَنْهُم مَّا كَانُواْ يَعْمَلُونَ} [الأنعام:88]، وقال سبحانه: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنثُورًا} [الفرقان:23]، والجنة على المشرك حرام كما قال تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [المائدة:72]، فالشرك يبطل جميع الأعمال، ويخرج صاحبه من ملة الإسلام، ويخلد صاحبه في النار، والجنة حرام على من لقي الله به نسأل الله السلامة والعافية.
هذه النواقض أولها الشرك بالله عز وجل فمن أشرك بالله في أي نوع من أنواع العبادة فقد انتقض إسلامه ودينه، كأن يدعوا غير الله أو يذبح لغير الله، ولهذا مثَّل المؤلف قال: "ومنه الذبح لغير الله كمن يذبح للجن أو للقبر، أو للرسول أو لملك من الملائكة أو لغير ذلك، وكأن يدعو غير الله أو يذبح لغير الله أو ينذر لغير الله، أو يركع لغير الله، أو يسجد لغير الله، أو يطوف بغير بيت الله تقربًا بذلك الغير، أو أي نوع من أنواع الشرك، فإذا أشرك في عبادة الله أحدًا من المخلوقين فإنه ينتقض إسلامه ودينه"، هذا هو الناقض الأول نسأل الله السلامة والعافية.
قال الإمام رحمه الله: "الثاني: من جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم ويسألهم الشفاعة، ويتوكل عليهم كفر إجماعًا"، قال الشارح حفظه الله: هذا الناقض الثاني نوع من الشرك، والشرك أعم، وهذا خاص ولهذا ذكره، وإن كان داخلاً فيه، إلا أنه خاص كأن يجعل بينه وبين الله واسطة محمد، يدعوه يقول يا محمد أغثني، ويا محمد أشفع لي عند ربي، فجعل محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم واسطة بينه وبين الله أو يجعل ملكًا من الملائكة أو وليًا أو جنياً أو قبراً، أو يدعو الشمس أو القمر فيجعلهم بينه وبين الله وسائط، فيدعوه حتى يكون بينه وبين الله واسطة، أو يذبح له أو ينذر له ويدعوه ليكون بينه وبين الله واسطة، ويزعم أنه يقربه إلى الله، كما قال تعالى: {أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ} يعني قائلين: {مَا نَعْبُدُهُمْ إِلاَّ لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى}، والله تعالى كفرهم وكذبهم بهذا القول: {إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ} [الزمر:3]، فهم كَذَبَة في هذا القول، وهم كفار بهذا العمل قال سبحانه: {وَيَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ وَيَقُولُونَ هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18]، فمن جعل بينه وبين الله وسائط يدعوهم أو يذبح لهم أو ينذر لهم أو يتوكل عليهم فإنه كافر بإجماع المسلمين"، نسأل الله السلامة والعافية.
قال الإمام رحمه الله: "الثالث: من لم يكفر المشركين أو شك في كفرهم، أو صحح مذهبهم كفر".
قال الشارح حفظه الله: هذا الناقض معناه: أنه لا يعتقد كفر المشركين، فالمشركون عام يشمل جميع أنواعه الكفار، فكل كافر مشرك، فمن لم يكفر الكافر فهو كافر مثله، من لم يكفر اليهود أو لم يكفر النصارى أو لم يكفر المجوس أو لم يكفر الوثنيين، أو لم يكفر المنافقين أو لم يكفر الشيوعيين فهو كافر، وكذلك من شك في كفرهم قال: أنا ما أدري، اليهود يمكن أن يكونوا على حق، أو يمكن أنه يجوز للإنسان أن يتدين باليهودية، أو بالنصرانية، أو بالإسلام كلها أديان سماوية، كما يوعوا بعض الناس إلى التقارب بين الأديان الثلاث، من اعتقد هذا الاعتقاد فهو كافر، لا بد أن يعتقد أن اليهود كفار وأنهم على دين باطل، وتتبرأ منهم ومن دينهم، وتبغضهم وتعاديهم في الله، وكذلك النصارى لا بد أن تعتقد كفرهم، وكذلك الوثنيون والمجوس، وجميع أنواع الكفرة.
وكذلك أيضا يكفر لو شك في كفرهم كأن يقول: لا أدري هل اليهود كفار أم ليسوا كفارا، يمكن أن يكونوا على حق هذا يكفر لا بد أن يجزم، ويعتقد كفرهم جزماً، وكذلك إذا صحح مذهبهم قال: هم على دين صحيح أو على دين حق فيكون كافراً مثلهم، وذلك لأن من لم يكفر المشركين فإنه لم يكفر بالطاغوت، وليس هناك توحيد إلا بأمرين: إيمان بالله، وكفرٌ بالطاغوت فالذي لم يكفر المشركين واليهود والنصارى لم يكفر بالطاغوت، فلا يصح له توحيد، ولا إيمان فلا بد من أمرين في التوحيد كفر بالطاغوت، وإيمان بالله وهذا موجود في كلمة التوحيد (لا إله إلا الله لا إله) هذا كفر بالطاغوت إلا الله، هذا إيمان بالله، لأن لا إله إلا الله نفي لجميع أنواع العبادة لغير الله.
والكفر بالطاغوت هو إنكار عبادة غير الله ونفيها، والبراءة منها ومن أهلها، ومعاداتهم هذا معنى الكفر بالطاغوت، فلا بد من عداوة المشركين وبغضهم في الله، قال الله تعالى عن إبراهيم: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَدًا حَتَّى تُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَحْدَهُ} [الممتحنة:4]، فهذه هي الحنيفية ملة إبراهيم أن تعبد الله مخلصاً له الدين وأن تتبرأ من عبادة من سوى الله، وأن تنكرها وتبغضها وتبغض أهلها وتعاديهم".
قال الإمام رحمه الله: "الرابع: من اعتقد أن غير هدي النبي صلى الله عليه وسلم أكمل من هديه وأن حكم غيره أحسن من حكمه كالذي يفضل حكم الطواغيت على حكمه فهو كافر".
قال الشارح حفظه الله: من اعتقد أن هناك هديًا أحسن من هدي النبي صلى الله عليه وسلم كأن يقول: الفلاسفة أو الصابئة أو الصوفية طريقتهم أحسن من طريقة محمد صلى الله عليه وسلم فهذه الطريقة فيها الهداية، أو مماثلة لهداية النبي صلى الله عليه وسلم فهذا كافر، فإنه ليس هناك هدي أحسن من هدي الرسول صلى الله عليه وسلم، لإنه لا ينطق عن الهوى إنما هو وحي يوحى، فمن قال إن هناك هديًا أحسن من هدي الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم أو مماثل له كأن يتدين أو يطلب الطريق إلى الله عن طريق الفلاسفة، أو طريق الفلسفة أو الصبو -الصابئة- أو التصوف أو غير ذلك فهذا كافر مرتد، وكذلك إذا اعتقد أن هناك حكمًا أحسن من حكم النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم كأن يعتقد أن الحكم بالقوانين أحسن من الحكم بالشريعة، فهذا مرتد بإجماع المسلمين، وكذلك إذا اعتقد أن الحكم بالقوانين مماثل لحكم الشريعة يكفر أيضًا.
وكذلك إذا اعتقد أن الحكم بالشريعة أحسن من الحكم بالقوانين، لكن يجوز الحكم بالقوانين كأن يقول: الإنسان مخير يجوز له أن يحكم بالقوانين ويجوز له أن يحكم بالشريعة، لكن الشريعة أحسن فهذا يكفر بإجماع المسلمين فالإنسان ليس مخيرًا، وهذا أنكر معلومًا من الدين بالضرورة، فالحكم بالشريعة هذا أمر واجب على كل أحد وهذا يقول: إنه ليس بواجب وأنه يجوز للإنسان أن يحكم بالقوانين فهذا يكفر ولو قال: إن أحكام الشريعة أحسن، فعلى هذا: إذا حكم بالقوانين واعتقد أنها أحسن من حكم الشريعة كفر، وإذا حكم بالقوانين واعتقد أنها مماثلة لحكم الشريعة كفر، وإذا حكم بالقوانين واعتقد أن حكم الشريعة أحسن من الحكم بالقوانين لكن يجوز الحكم بالقوانين كفر أيضًا.
ففي الحالات الثلاث كلها يكفر..
وهناك حالة رابعة إذا حكم بالقوانين أو بالقانون في مسألة من المسائل، أو في قضية من القضايا وهو يعتقد أن الحكم بالشريعة هو الواجب، وأنه لا يجوز الحكم بالقوانين، وأنه لا يجوز أن يحكم بغير ما أنزل الله وهو يعتقد أنه ظالم وأنه مستحق للعقوبة لكن غلبته نفسه وهواه وشيطانه، فحكم بغير ما أنزل الله لشخص حتى ينفع المحكوم له أو حتى يضر المحكوم عليه فينفع المحكوم له، لأنه صديق له أو قريب له أو جار له، أو يضر المحكوم عليه لأنه عدو له، وهو يعلم أن الحكم بما أنزل الله واجب وأنه مرتكب للمعصية هذا يكفر كفرًا أصغر ولا يخرج من الملة، فيكون الحكم بغير ما أنزل الله أربع حالات، ثلاث حالات يكفر فيها كفرًا أكبر، والرابعة يكفر كفرا أصغر.
مسألة: حكم إزالة الشريعة كلها والحكم بالقوانين..
إذا كان سن القوانين كلها وأزال الشريعة كلها رأسًا على عقب هذا بدل الدين، وهذا ذهب جمع من أهل العلم إلى أنه يكفر لأنه بدل دين الله، وهذا هو الذي أفتى به سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم رحمه الله مفتي الديار السعودية سابقًا قال: "إن هذا بدل الدين رأسًا على عقب ليس في قضية من القضايا، إنما بدل الأحكام كلها فأزال الشريعة كلها وأبدلها بالقوانين في كل صغيرة وكبيرة"، وذهب سماحة شيخنا الشيخ عبد العزيز بن باز وفقه الله إلى أنه أيضًا: "ولو بدل الدين لا بد أن يعتقد أنه يجوز الحكم بالقوانين حتى تقوم عليه الحجة"، إذًا هذه هي الحالة الخامسة وهي إذا بدل الدين..
وهناك حالة سادسة وهي أن الحاكم الشرعي إذا بذل وسعه، واستفرغ جهده في تعرف الحكم الشرعي لكن أخطأ وحكم بغير ما أنزل الله خطأً فهذا ليس كافرًا ولا عاصيًا، بل هو مجتهد له أجر واحد لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر» (صحيح النسائي:5396)، فهذا خطأه مغفور وله أجر على اجتهاده، وإذا بذل وسعه وأصاب الحق فله أجران أجر الاجتهاد وأجر الإصابة، قال الإمام رحمه الله: "الخامس: من أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، ولو عمل به كفر".
قال الشارح حفظه الله: كأن يبغض الصلاة فإنه يكفر ولو صلى، أو كرهها، يدل عليه قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9]، فإذا أبغض شيئًا مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الواجبات، أو من الثواب أو من العقاب كأن يبغض إقامة الحدود على الزاني أو السارق، أو كره ذلك فهذا يكفر لأنه أبغض وكره ما أنزل الله، قال الإمام رحمه الله: "السادس من استهزأ بشي من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: {قُلْ أباللّه وَآيَاتِهِ وَرَسُوْلِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزءوُن . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرتُمْ بَعْدَ إيْمَانِكُمْ} [التوبة:65، 66]"، قال الشارح حفظه الله: كأن يبغض الصلاة فإنه يكفر ولو صلى، أو كرهها، يدل عليه قوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ} [محمد:9]، فإذا أبغض شيئاً مما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم من الواجبات أو من الثواب أو من العقاب، كأن يبغض إقامة الحدود على الزاني أو السارق أو كره ذلك فهذا يكفر، لأنه أبغض وكره ما أنزل الله.
قال الإمام رحمه الله السادس: "من استهزأ بشي من دين الرسول صلى الله عليه وسلم أو ثوابه أو عقابه كفر، والدليل قوله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} [التوبة:65، 66]"، قال الشارح حفظه الله: كمن يستهزأ بالصلاة أو بالزكاة أو بالمصلين، لأنهم يؤدون الصلاة لله لا لذواتهم أو بالحجاج وسخر منهم، أو بالطائفين لأنهم يطوفون لله لا لذواتهم، أو استهزأ بثواب الجنة كأن يقال له إن الموحد يدخله الله الجنة، والجنة فيها كذا من النعيم فيستهزأ ويسخر أو يستهزئ بالنار، فهذا يكفر بهذا الاستهزاء لقول الله تعالى: {قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ . لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ}، نزلت هذه الآية في جماعة استهزءوا بالنبي صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك، قالوا: "ما رأينا مثل قرائنا هؤلاء أرغب بطونا ولا أكذب ألسنًا ولا أجبن عند اللقاء"، يعنون الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم وأصحابه، فنزلت فيهم هذه الآية.
وكذلك لو سب الله وسب الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وسب الإسلام كفر بهذا السبب.
قال الإمام رحمه الله: "السابع: السحر ومنه الصرف والعطف، فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى: {..وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ..} [البقرة:102]".
قال الشارح حفظه الله: وذلك أن الساحر الذي سحره من قبل الشياطين لا بد أن يتقرب بالشركيات إلى الشيطان الجني ثم الجني يخدمه، فتكون خدمة متبادلة بين الجني وبين الإنسي الساحر، وهناك عقد بينهما، فالجني لا يخدم الساحر إلا إذا أشرك بالله فيتقرب إليه بالشركيات كأن يدعوه من دون الله أو يذبح له أو يأمره يدوس المصحف بقدميه أو يبول على المصحف أو يلطخه بالنجاسة، فإذا كفر الساحر خدمه الشيطان بأن يخبر ببعض المغيبات أو يسرق له بعض الأشياء أو يستجيب له إذا أمره بلطم إنسان، وهكذا فالسحر من فعله أو رضي به كفر، لأن الراضي كالفاعل، قال تعالى: {..وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ..}.
هذا السحر الذي صاحبه يتصل بالشياطين، أما السحر الذي لا يتصل صاحبه بالشياطين كأن يكون هناك ساحر لا يتصل بالشياطين لكن يعطي الناس أدوية وتدخينات ويسقيهم أشياء تضرهم، ويأخذ أموال الناس بغير حق، هذا إذا استحل كفر وإذا استحل أكل أموال الناس بالباطل، والإضرار بالناس كفر، أما إذا لم يستحل فقد ارتكب كبيرة من كبائر الذنوب لأن صاحبه لا يتصل بالشياطين، لكن السحر الذي يتصل صاحبه بالشياطين فقد كفر لأن الساحر لا ينفك عن الكفر
.
قال الإمام رحمه الله: "الثامن: مظاهرة المشركين ومعاونتهم على المسلمين والدليل قوله تعالى: {وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [المائدة:51]".
قال الشارح حفظه الله: إذا أعان المشركين على المسلمين فمعناه أنه تولى المشركين وأحبهم، وتوليهم رده لأن هذا يدل على محبتهم، فإذا أعانهم على المسلمين بالمال أو بالسلاح أو بالرأي دل على محبتهم، ومحبتهم رده، فأصل التولي هو المحبة، وينشأ عنها الإعانة والمساعدة بالرأي أو بالمال أو بالسلاح فإذا أعان المشركين على المسلمين فمعناه أنه فضل المشركين على المسلمين، أما إذا أعان مشركًا على مشرك فلا يدخل في هذا.
قال الإمام رحمه الله: "التاسع من اعتقد أن بعض الناس يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى عليه السلام فهو كافر".
قال الشارح حفظه الله: "المعنى أنه يعتقد أنه يجوز له الخروج عن شريعة محمد، ويتعبد لله بغير الشريعة التي أتى بها الرسول صلى الله عليه وسلم، وأنه يصل إلى الله ويكون من أهل الجنة ولو لم يعمل بشريعة محمد صلى الله عليه وسلم"، كما قال بعض الفلاسفة: "يتعبد لله عن طريق الفلسفة أو عن طريق الصابئة أو عن طريق التصوف، وأنه يصل إلى الله عن طريق محمد صلى الله عليه وسلم أو عن طريق غيره"، ويقول: كلها سواء، هذا كافر لأنه ليس هناك طريق يصل به إلى الله إلا عن طريق الرسول صلى الله عليه وسلم، ولا يسع أحدًا الخروج عن شريعته صلى الله عليه وسلم لأنها عامة للثقلين وهي خاتمة الشرائع، أما خروج الخضر عن شريعة موسى فليس له فيه حجة لأن موسى شريعته ليست عامة كشريعة محمد صلى الله عليه وسلم، ولأن الخضر نبي يوحى إليه على الصحيح، وعلى القول الآخر وهو أنه ليس بنبي فليس من بني إسرائيل لم يرسل إليه موسى، موسى أرسل إلى بني إسرائيل، والخضر ليس منهم فلا يكون داخلا في شريعة موسى، مع أن الصحيح أنه نبي يوحى إليه ولهذا ذهب موسى يتعلم منه. قال: {..وَمَا فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي..} [الكهف:82]، هذا دليل على أنه نبي يوحى إليه ولا يمكن أن يقتل الغلام، ويخرق السفينة، ويبني الجدار عن طريق الإلهام فلا يمكن أن يفعل هذا إلا بوحي.
المقصود: أن من اعتقد أن أحدًا يسعه الخروج عن شريعة محمد صلى الله عليه وسلم كما وسع الخضر الخروج عن شريعة موسى فهو كافر؛ لوجود الفرق فشريعة محمد صلى الله عليه وسلم عامة وشريعة موسى خاصة ببني إسرائيل، وشريعة موسى يجوز لغير بني إسرائيل ويسعهم الخروج عنها، وشريعة محمد صلى الله عليه وسلم لا يسع أحدًا الخروج عنها.
قال الإمام رحمه الله: "ولا فرق في جميع هذه النواقض بين الهازل والجاد والخائف إلا المكره، وكلها من أعظم ما يكون خطرًا وأكثر ما يكون وقوعًا، فينبغي للمسلم أن يحذرها ويخاف منها على نفسه نعوذ بالله من موجبات غضبه وأليم عقابه، وصلى الله على خير خلقه محمد وعلى آله وصحبه وسلم". قال الشارح حفظه الله: يقول رحمه الله لا فرق بين هذه النواقض العشرة إذا فعلها الإنسان عامدًا أو فعلها هازلاً، أو فعلها خائفًا هذا يكفر كأن يفعلها ويقول أنا أمزح فإنه يكفر بهذا، ولو كان يمزح أو فعلها قاصدًا جادًا يكفر أو فعلها خائفًا يكفر ولا يعذر إلا المكره، وهو الذي يكون إكراهه ملجئًا، كأن يوضع السيف على رقبته ويقال له: اكفر وإلا قتلناك، فهذا لا يكفر، ولا بد أن يكون قلبه مطمئنًا بالإيمان، أما إذا اطمئن قلبه بالكفر فإنه يكفر، فتكون الحالات..
الحالة الأولى: إذا فعلها عامدًا.
الحالة الثانية: إذا فعلها هازلاً أي مازحًا.
الحالة الثالثة: فعلها خائفًا.
الحالة الرابعة: فعلها مكرهًا وقلبه مطمئن بالكفر.
في هذه الحالات الأربع يكفر.
الحالة الخامسة: فعلها مكرهًا وقلبه مطمئن بالإيمان هذا لا يكفر لقوله تعالى: {مَنْ كَفَرَ بِاللَّهِ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِهِ إِلَّا مَنْ أُكْرِهَ وَقَلْبُهُ مُطْمَئِنٌّ بِالإِيمَانِ وَلَكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْرًا فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ} [النحل:106].
والله أعلم وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
عبد العزيز بن عبد الله الراجحي
أستاذ قسم العقيدة والمذاهب المعاصرة بجامعة الإمام محمد بن سعود
- التصنيف:
- المصدر: