الأحكام السلطانية للماوردي - (7) في عهد الخليفة بالخلافة إلى من يلي بعده

منذ 2014-06-13

وَاَللَّهِ لَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إلَّا الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، اللَّيِّنُ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، وَالْمُمْسِكُ مِنْ غَيْرِ بُخْلٍ، وَالْجَوَادُ فِي غَيْرِ إسْرَافٍ.

فصل: "في عهد الخليفة بالخلافة إلى من يلي بعده"

وَإِذَا عَهِدَ الْإِمَامُ بِالْخِلَافَةِ إلَى مَنْ يَصِحُّ الْعَهْدُ إلَيْهِ عَلَى الشُّرُوطِ الْمُعْتَبَرَةِ فِيهِ، كَانَ الْعَهْدُ مَوْقُوفًا عَلَى قَبُولِ الْمُوَلَّى[1].

وَاخْتُلِفَ فِي زَمَانِ قَبُولِهِ فَقِيلَ: بَعْدَ مَوْتِ الْمُوَلِّي فِي الْوَقْتِ الَّذِي يَصِحُّ فِيهِ نَظَرُ الْمُوَلَّى؛ وَقِيلَ وَهُوَ الْأَصَحُّ: إنَّهُ مَا بَيْنَ عَهْدِ الْمُوَلِّي وَمَوْتِهِ لِتَنْتَقِلَ عَنْهُ الْإِمَامَةُ إلَى الْمُوَلَّى مُسْتَقِرَّةً بِالْقَبُولِ الْمُتَقَدِّمِ، وَلَيْسَ لِلْإِمَامِ الْمُوَلَّى عَزْلُ مَنْ عَهِدَ إلَيْهِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ وَإِنْ جَازَ لَهُ عَزْلُ مَنِ اسْتَنَابَهُ مِنْ سَائِرِ خُلَفَائِهِ؛ لِأَنَّهُ مُسْتَخْلِفٌ لَهُمْ فِي حَقِّ نَفْسِهِ، فَجَازَ لَهُ عَزْلُهُمْ، وَمُسْتَخْلِفٌ لِوَلِيِّ عَهْدِهِ فِي حَقِّ الْمُسْلِمِينَ، فَلَمْ يَكُنْ لَهُ عَزْلُهُ، كَمَا لَمْ يَكُنْ لِأَهْلِ الِاخْتِيَارِ عَزْلُ مَنْ بَايَعُوهُ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرْ حَالُهُ، فَلَوْ عَهِدَ الْإِمَامُ بَعْدَ عَزْلِ الْأَوَّلِ إلَى ثَانٍ كَانَ عَهْدُ الثَّانِي بَاطِلًا وَالْأَوَّلُ عَلَى بَيْعَتِهِ، فَإِنْ خَلَعَ الْأَوَّلُ نَفْسَهُ لَمْ يَصِحَّ بَيْعَةُ الثَّانِي حَتَّى يَبْتَدِئَ.

وَإِذَا اسْتَعْفَى وَلِيُّ الْعَهْدِ لَمْ يَبْطُلْ عَهْدُهُ بِالِاسْتِعْفَاءِ حَتَّى يُعْفَى لِلُزُومِهِ مِنْ جِهَةِ الْمُوَلَّى ثُمَّ نُظِرَ، فَإِنْ وُجِدَ غَيْرُهُ جَازَ اسْتِعْفَاؤُهُ وَخَرَجَ مِنْ الْعَهْدِ بِإِجْمَاعِهِمَا عَلَى الِاسْتِعْفَاءِ وَالْإِعْفَاءِ، وَإِنْ لَمْ يُوجَدْ غَيْرُهُ لَمْ يَجُزْ اسْتِعْفَاؤُهُ وَلَا إعْفَاؤُهُ، وَكَانَ الْعَهْدُ عَلَى لُزُومِهِ مِنْ جِهَتَيْ الْمُوَلَّى وَالْمُوَلِّي؛ وَيُعْتَبَرُ شُرُوطُ الْإِمَامَةِ فِي الْمُوَلَّى مِنْ وَقْتِ الْعَهْدِ إلَيْهِ، وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا أَوْ فَاسِقًا وَقْتَ الْعَهْدِ وَبَالِغًا عَدْلًا عِنْدَ مَوْتِ الْمُوَلِّي لَمْ تَصِحَّ خِلَافَتُهُ حَتَّى يَسْتَأْنِفَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ بَيْعَتَهُ.

وَإِذَا عَهِدَ الْإِمَامُ إلَى غَائِبٍ هُوَ مَجْهُولُ الْحَيَاةِ لَمْ يَصِحَّ عَهْدُهُ؛ وَإِنْ كَانَ مَعْلُومَ الْحَيَاةِ وَكَانَ مَوْقُوفًا عَلَى قُدُومِهِ؛ فَإِنْ مَاتَ الْمُسْتَخْلِفُ وَوَلِيُّ الْعَهْدِ عَلَى غَيْبَتِهِ اسْتَقْدَمَهُ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ، فَإِنْ بَعُدَتْ وَاسْتَضَرَّ الْمُسْلِمُونَ بِتَأْخِيرِ النَّظَرِ فِي أُمُورِهِمْ اسْتَنَابَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ نَائِبًا عَنْهُ يُبَايِعُونَهُ بِالنِّيَابَةِ دُونَ الْخِلَافَةِ، فَإِذَا قَدِمَ الْخَلِيفَةُ الْغَائِبُ انْعَزَلَ الْمُسْتَخْلَفُ النَّائِبُ، وَكَانَ نَظَرُهُ قَبْلَ قُدُومِ الْخَلِيفَةِ مَاضِيًا، وَبَعْدَ قُدُومِهِ مَرْدُودًا، وَلَوْ أَرَادَ وَلِيُّ الْعَهْدِ قَبْلَ مَوْتِ الْخَلِيفَةِ أَنْ يَرُدَّ مَا إلَيْهِ مِنْ وِلَايَةِ الْعَهْدِ إلَى غَيْرِهِ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَةَ لَا تَسْتَقِرُّ لَهُ إلَّا بَعْدَ مَوْتِ الْمُسْتَخْلِفِ؛ وَهَكَذَا لَوْ قَالَ: جَعَلْتُهُ وَلِيَّ عَهْدِي إذَا أَفْضَتْ الْخِلَافَةُ إلَيَّ لَمْ يَجُزْ؛ لِأَنَّهُ فِي الْحَالِ لَيْسَ خَلِيفَةً، فَلَمْ يَصِحَّ عَهْدُهُ بِالْخِلَافَةِ.

وَإِذَا خَلَعَ الْخَلِيفَةُ نَفْسَهُ انْتَقَلَتْ إلَى وَلِيِّ عَهْدِهِ، وَقَامَ خَلْعُهُ مَقَامَ مَوْتِهِ، وَلَوْ عَهِدَ الْخَلِيفَةُ إلَى اثْنَيْنِ لَمْ يُقَدِّمْ أَحَدَهُمَا عَلَى الْآخَرِ جَازَ، وَاخْتَارَ أَهْلُ الِاخْتِيَارِ أَحَدَهُمَا بَعْدَ مَوْتِهِ كَأَهْلِ الشُّورَى، فَإِنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ جَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ.

حَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ عَنِ الزُّهْرِيِّ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: وَجَدْتُ عُمَرَ ذَاتَ يَوْمٍ مَكْرُوبًا، فَقَالَ: مَا أَدْرِي مَا أَصْنَعُ فِي هَذَا الْأَمْرِ؟ أَقُومُ فِيهِ وَأَقْعُدُ؟ فَقُلْتُ: هَلْ لَكَ فِي عَلِيٍّ؟ فَقَالَ: إنَّهُ لَهَا لَأَهْلٌ، وَلَكِنَّهُ رَجُلٌ فِيهِ دُعَابَةٌ، وَإِنِّي لَأُرَاهُ لَوْ تَوَلَّى أَمْرَكُمْ لَحَمَلَكُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ مِنَ الْحَقِّ تَعْرِفُونَهَا، قَالَ: قُلْتُ: فَأَيْنَ أَنْتَ عَنْ عُثْمَانَ؟ فَقَالَ: لَوْ فَعَلْتُ لَحَمَلَ ابْنُ أَبِي مُعَيْطٍ عَلَى رِقَابِ النَّاسِ، ثُمَّ لَمْ تَلْتَفِتْ إلَيْهِ الْعَرَبُ حَتَّى تَضْرِبَ عُنُقَهُ، وَاَللَّهِ لَوْ فَعَلْتُ لَفَعَلَ، وَلَوْ فَعَلَ لَفَعَلُوا؛ قَالَ: فَقُلْتُ: فَطَلْحَةُ، قَالَ: إنَّهُ لَزَهْوٌ، مَا كَانَ اللَّهُ لِيُوَلِّيَهُ أَمْرَ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ مَا يَعْلَمُ مِنْ زَهْوِهِ، قَالَ: قُلْتُ: فَالزُّبَيْرُ، قَالَ: إنَّهُ لَبَطَلٌ وَلَكِنَّهُ يَسْأَلُ عَنِ الصَّاعِ وَالْمُدِّ بِالْبَقِيعِ بِالسُّوقِ، أَفَذَاكَ يَلِي أُمُورَ الْمُسْلِمِينَ؟ قَالَ: فَقُلْتُ: سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، قَالَ: لَيْسَ هُنَاكَ إنَّهُ لَصَاحِبُ مَقْتَبٍ يُقَاتِلُ عَلَيْهِ، فَأَمَّا وَلِيُّ أَمْرٍ فَلَا، قَالَ: فَقُلْتُ: فَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، قَالَ: نِعْمَ الرَّجُلُ ذَكَرْتَ لَكِنَّهُ ضَعِيفٌ، إنَّهُ وَاَللَّهِ لَا يَصْلُحُ لِهَذَا الْأَمْرِ يَا ابْنَ عَبَّاسٍ إلَّا الْقَوِيُّ فِي غَيْرِ عُنْفٍ، اللَّيِّنُ مِنْ غَيْرِ ضَعْفٍ، وَالْمُمْسِكُ مِنْ غَيْرِ بُخْلٍ، وَالْجَوَادُ فِي غَيْرِ إسْرَافٍ.

قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: فَلَمَّا جَرَحَهُ أَبُو لُؤْلُؤَةَ وَآيِسَ الطَّبِيبَ مِنْ نَفْسِهِ وَقَالُوا لَهُ: اعْهَدْ، جَعَلَهَا شُورَى فِي سِتَّةٍ وَقَالَ: هَذَا الْأَمْرُ إلَى عَلِيٍّ وَبِإِزَائِهِ الزُّبَيْرُ، وَإِلَى عُثْمَانَ وَبِإِزَائِهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَوْفٍ، وَإِلَى طَلْحَةَ وَبِإِزَائِهِ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، فَلِمَا جَازَ الشُّورَى بَعْدَ مَوْتِ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: اجْعَلُوا أَمْرَكُمْ إلَى ثَلَاثَةٍ مِنْكُمْ، فَقَالَ الزُّبَيْرُ: جَعَلْتُ أَمْرِي إلَى عَلِيٍّ، وَقَالَ طَلْحَةُ: جَعَلْتُ أَمْرِي إلَى عُثْمَانَ، وَقَالَ سَعْدٌ: جَعَلْتُ أَمْرِي إلَى عَبْدِ الرَّحْمَنِ، فَصَارَتْ الشُّورَى بَعْدَ السِّتَّةِ فِي هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَةِ، وَخَرَجَ مِنْهَا أُولَئِكَ الثَّلَاثَةُ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَيُّكُمْ يَبْرَأُ مِنْ هَذَا الْأَمْرِ وَنَجْعَلُهُ إلَيْهِ، وَاَللَّهُ عَلَيْهِ شَهِيدٌ؛ لِيَحْرِصَ عَلَى صَلَاحِ الْأُمَّةِ، فَلَمْ يُجِبْهُ أَحَدٌ، فَقَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَتَجْعَلُونَهُ إلَيَّ وَأُخْرِجُ نَفْسِي مِنْهُ وَاَللَّهُ عَلَيَّ شَهِيدٌ، عَلَى أَنِّي لَا آلُوكُمْ نُصْحًا، فَقَالَا: نَعَمْ، فَقَالَ: قَدْ فَعَلْتُ فَصَارَتِ الشُّورَى بَعْدَ السِّتَّةِ فِي ثَلَاثَةٍ، ثُمَّ بَعْدَ الثَّلَاثَةِ فِي اثْنَيْنِ عَلِيٍّ وَعُثْمَانَ، ثُمَّ مَضَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ لِيَسْتَعْلِمَ مِنَ النَّاسِ مَا عِنْدَهُمْ، فَلَمَّا أَجَنَّهُمْ اللَّيْلُ اسْتَدْعَى الْمِسْوَرَ بْنَ مَخْرَمَةَ وَأَشْرَكَهُ مَعَهُ، ثُمَّ حَضَرَ فَأَخَذَ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْعُهُودَ أَيُّهُمَا بُويِعَ لَيَعْمَلَنَّ بِكِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ، وَلَئِنْ بَايَعَ لِغَيْرِهِ لَيَسْمَعَنَّ وَلَيُطِيعَنَّ، ثُمَّ بَايَعَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ.

فَكَانَتْ الشُّورَى الَّتِي دَخَلَ أَهْلُ الْإِمَامَةِ فِيهَا وَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهَا أَصْلًا فِي انْعِقَادِ الْإِمَامَةِ بِالْعَهْدِ، وَفِي انْعِقَادِ الْبَيْعَةِ بِعَدَدٍ يَتَعَيَّنُ فِيهِ الْإِمَامَةُ لِأَحَدِهِمْ بِاخْتِيَارِ أَهْلِ الْحَلِّ وَالْعَقْدِ[2]، فَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ تُجْعَلَ شُورَى فِي اثْنَيْنِ أَوْ أَكْثَرَ إذَا كَانُوا عَدَدًا مَحْصُورًا.

وَيُسْتَفَادُ مِنْهَا أَنْ لَا تُجْعَلَ الْإِمَامَةُ بَعْدَهُ فِي غَيْرِهِمْ، فَإِذَا تَعَيَّنَتْ بِالِاخْتِيَارِ فِي أَحَدِهِمْ جَازَ لِمَنْ أَفْضَتْ إلَيْهِ الْإِمَامَةُ أَنْ يَعْهَدَ بِهَا إلَى غَيْرِهِمْ، وَلَيْسَ لِأَهْلِ الِاخْتِيَارِ إذَا جَعَلَهَا الْإِمَامُ شُورَى فِي عَدَدٍ أَنْ يَخْتَارُوا أَحَدَهُمْ فِي حَيَاةِ الْمُسْتَخْلِفِ الْعَاهِدِ، إلَّا أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي تَقْدِيمِ الِاخْتِيَارِ فِي حَيَاتِهِ؛ لِأَنَّهُ بِالْإِمَامَةِ أَحَقُّ، فَلَمْ يَجُزْ أَنْ يُشَارِكَ فِيهَا، فَإِنْ خَافُوا انْتِشَارَ الْأَمْرِ بَعْدَ مَوْتِهِ اسْتَأْذَنُوهُ وَاخْتَارُوا إنْ أَذِنَ لَهُمْ، فَإِنْ صَارَ إلَى حَالِ إيَاسٍ نُظِرَ، فَإِنْ زَالَ عَنْهُ أَمْرُهُ وَغَرَبَ عَنْهُ رَأْيُهُ، فَهِيَ كَحَالِهِ بَعْدَ الْمَوْتِ فِي جَوَازِ الِاخْتِيَارِ، وَإِنْ كَانَ عَلَى تَمْيِيزِهِ وَصِحَّةِ رَأْيِهِ، لَمْ يَكُنْ لَهُمْ الِاخْتِيَارُ إلَّا عَنْ إذْنِهِ.

حَكَى ابْنُ إِسْحَاقَ أَنَّ عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ لَمَّا دَخَلَ مَنْزِلَهُ مَجْرُوحًا سَمِعَ هَدَّةً فَقَالَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَيْكَ، فَأَذِنَ لَهُمْ، فَقَالُوا: اعْهَدْ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا عُثْمَانَ، فَقَالَ: كَيْفَ يُحِبُّ الْمَالَ وَالْجَنَّةَ، فَخَرَجُوا مِنْ عِنْدِهِ، ثُمَّ سَمِعَ لَهُمْ هَدَّةً فَقَالَ: مَا شَأْنُ النَّاسِ؟ قَالُوا: يُرِيدُونَ الدُّخُولَ عَلَيْكَ، فَأَذِنَ لَهُمْ فَقَالُوا: اسْتَخْلِفْ عَلَيْنَا عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: إذَنْ يَحْمِلُكُمْ عَلَى طَرِيقَةٍ هِيَ الْحَقُّ، قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: فَاتَّكَأْتُ عَلَيْهِ عِنْدَ ذَلِكَ وَقُلْتُ: يَا أَمِيرَ الْمُؤمِنِينَ، وَمَا يَمْنَعُكَ مِنْهُ؟ فَقَالَ: يَا بُنَيَّ، أَتَحَمَّلُهَا حَيًّا وَمَيِّتًا؟

وَيَجُوزُ لِلْخَلِيفَةِ أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَهْلِ الِاخْتِيَارِ، كَمَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى أَهْلِ الْعَهْدِ، فَلَا يَصِحُّ إلَّا اخْتِيَارُ مَنْ نَصَّ عَلَيْهِ، كَمَا لَا يَصِحُّ إلَّا تَقْلِيدُ مَنْ عَهِدَ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُمَا مِنْ حُقُوقِ خِلَافَتِهِ.

__________

(1) قلت: هكذا وبكل غرابة جعل المصنِّف الأمر محصورًا في عهد الإمام وقبول المولَّى، وكأنَّ الأمة لا دخل لها في الأمر!!.

(2) "أهل الحل والعقد": مصطلح جديد استحدثه المفكرون المسلمون، ويقصَد به: الخبراء في شئون المجتمع وأحواله الاجتماعية والسياسية، يرجع إليهم الناس في المصالح العامة، ويسمعون لهم بسبب ما توفَّر لهم من خبرة وحنكة ودراية في هذا المجال، وعلى عاتق هؤلاء مهمَّة اختيار رئيس الدولة الإسلامية من بين مَنْ تتوافر فيهم الشروط، ثم تقع على عاتقهم مهمة مراقبة ذلك الرئيس ومعاونته في اتخاذ القرارات السياسية والاجتماعية التي تعود على أفراد المجتمع.

 أبو الحسن علي بن محمد بن محمد بن حبيب البصري البغدادي، الشهير بالماوردي (المتوفى: 450هـ)
الناشر: دار الحديث - القاهرة
عدد الأجزاء: 1
[ترقيم الكتاب موافق للمطبوع وهو مذيل بالحواشي]

المصدر: الموسوعة الشاملة
المقال السابق
(6) في البيعة لخليفتين في وقت واحد
المقال التالي
(8) في تعدِّي عهد الخليفة إلى من بعده