شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (21) اسم الله الفتاح
الفتح لغةً: نقيض الإغلاق، والفتح: النصر، والاستفتاح طلب النصر.
أ. معناه لغة:
الفتح لغةً: نقيض الإغلاق، والفتح: النصر، والاستفتاح طلب النصر.
المعنى الأول: النصر:
قال الله تعالى: {إِن تَسْتَفْتِحُواْ فَقَدْ جَاءكُمُ الْفَتْحُ} [الأنفال:19] أي إن تستنصروا فقد جاءكم النصر.
المعنى الثاني: القضاء والحكم بين الخصوم:
قال الأزهري: الفتح أن تحكم بين قوم يختصمون إليك كما قال الله تعالى مخبراً عن شعيب: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف:89]؛ فمعنى الفتح ها هنا أي (اقض بيننا).
المعنى الثالث: نقيض الإغلاق
يقول الله جل وعلا: {إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَاسْتَكْبَرُواْ عَنْهَا لاَ تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوَابُ السَّمَاء} [الأعراف:40]. معنى ذلك أن أبواب السماء تغلق أمام أرواحهم فلا تصعد أرواحهم ولا أعمالهم بعكس المؤمنين، ومن هذا أيضا المفتاح فهو كل ما يُتَوصل به إلى استخراج المغلقات التي يتعذر الوصول إليها، يقول النبي: « » (صحيح)، فالشاهد ها هنا قوله أعطيت أو أُتيت مفاتيح الكَلِم، أي أن الله تعالى يسر للنبي من البلاغة، والفصاحة، والوصول إلى غوامض المعاني، وبدائع الحِكم، ومحاسن العبارات والألفاظ التي أُغلقت على غيره.
ب. معنى الاسم في حق الله تعالى:
- قالوا: الفتاح هو الذي يفتح أبواب الرحمة، ويفتح أبواب الرزق لعباده أجمعين، ويفتح أبواب الامتحان والبلاء للمؤمنين الصادقين، قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُواْ فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} [الأعراف:96] أي إنهم لو امتثلوا لأمرنا وراعوا قدرنا في السر والعلانية، لكان من جزاء ذلك أن اُفَتِح لهم من رحمتي، وأن أنزل عليهم من فيض رزقي، لكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون. ومنه قول الله تعالى: {مَا يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِن رَّحْمَةٍ فَلَا مُمْسِكَ لَهَا وَمَا يُمْسِكْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِن بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} [فاطر:2] فإذا أراد الله عز وجل أن يفتح على عباده فلا راد لقضائه سبحانه وتعالى، مهما اجتمع الناس على أن يضروا إنسانًا لن يضروه إلا إذا شاء الله له ذلك، وإن اجتمعوا على أن ينفعوه لن ينفعوه إلا بما قدره الله له.
المعنى الثاني: يفتح أبواب البلاء والامتحان
{فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ} [الأنعام:44] هذه عقوبة الذين لا يذَّكرون برسائل الله تعالى المتتالية. فالله عز وجل يرسل إليك في كل ثانية من عمرك رسالة فإما أن تفهمها وإما أنك تغفل عنها، فلما تنسى -ولا أقول تجحد أو لا تريد، بل تنسى.. تسمع وتُذكَّر ثم تنسى، تغفل- تكون العقوبة شديدة أن تزداد عليك المحن والابتلاءات لكي تفِيق {فَلَمَّا نَسُواْ مَا ذُكِّرُواْ بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ} [الأنعام:44] وتأتي لك الابتلاءات والامتحانات من كل الطرق، تبتلى في بيتك، تبتلى في عملك، تبتلى في نفسك... تُبتلى حتى تعود، وقد يكون من هذا الابتلاء أن يزاد لك في النعم زيادة في إقامة الحجج حتى إذا فرحت واستمرئت {حَتَّى إِذَا فَرِحُواْ بِمَا أُوتُواْ أَخَذْنَاهُم بغْتَةً} [الأنعام:44] يأخذ مرة واحدة، يموت فجأة، يحدث له بلاء ليس على البال ولا على الخاطر، حادثة سيارة، {أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُون} [الأنعام:44] أي حائرون، تائهون... سلم يارب سلم.
المعنى الثالث: هو الذي يحكم بين العباد فيما هم فيه يختلفون
كما تقدم معنا {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف:89]. وقيل أيضًا الفتاح هو الذي يفتح خزائن جوده وكرمه لعباده الطائعين، ويفتح أبواب البلاء والهلاك على الكافرين.
إذًا الخلاصة: أن صفة الفتاح صفة جمال وجلال، بمعنى أن ربنا يتنزل برزقه وخيره ورحمته على الطائعين، لكن قد يفتح أبواب الهلاك والبلاء على الكافرين، وهو سبحانه وتعالى الذي يفتح على خلقه ما انغلق عليهم من أمورهم، فإذا ضاقت عليك الطُرق وضاقت عليك الأرض بما رحبت فالجأ إلى ربِّك الفتاح، يفتح لك كل عسير وييسر لك أمرك.
يقول ابن القيم:
وكذلك الفتاحُ من أسمائه *** والفتح في أوصافه أمران
فتح بحكم وهو شرع إلَهِنا *** والفتح بالأقدار فتحٌ ثاني
والربُّ فتّاح بزين كليهما *** عدلاً وإحسانًا من الرحمن
ورود الاسم في القرآن:
ورد هذا الاسم مفردًا مرة واحدة في قول الله تعالى: {قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنَا رَبُّنَا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَهُوَ الْفَتَّاحُ الْعَلِيمُ} [سبأ:26]، وورد بصيغة الجمع مرة واحدة أيضًا في سورة الأعراف: {رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ} [الأعراف:8].
حظ العبد من اسم الله تعالى الفتاح:
أ. الأمر الأول: أعمال الجوارح والقلوب
قلنا الله سبحانه وتعالى هو الحاكم بين عباده في الدنيا والآخرة، يحكم بينهم بالعدل والقسط، يفتح بينهم في الدنيا بالحق بما أرسل من الرسل وأنزل من الكتب، وهذا يتضمن من الصفات كل ما لا يتم الحكم إلا به. بمعنى إنه طالما يحكم بينهم إذن فهو حكم عدل على أعمال العبيد سواء أعمال الجوارح أو أعمال القلوب. فالله عز وجل يعلم السر ويعلم العلن، أما العبيد فلا يعرفون إلا العلن، لا يعرفون إلا هيئتك، لذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: « » (صحيح) لماذا؟ لأن الرجل كان يعمل بعمل أهل الجنة فيما يرى للناس، كان يتشبه بهم في ظاهرهم أما الباطن فخرب. ولذا قال يعمل (ب) عمل، وليس عمل أهل الجنة! فمن ها هنا يكون حُكْمَه العدل على أعمال العبيد، ويقضي ويفصل بينهم بالقسط.
الله سبحانه وتعالى يحكم بين عباده في الحياة الدنيا وفي الآخرة ويفتح بينهم بالحق والعدل، لذلك توجهت الرسل إلى الله الفتاح أن يفتح بينهم وبين قومهم المعاندين فيما حصل بينهم من الخصومة، وهذه رسالة إلى الدعاة أن ينهجوا بمنهج الأنبياء في معاملةِ قومِهم. أحيانا يصل الحال بالداعية بعد أن استنفذ كل الطرق مع قومه أن يقول لا فائدة، وربما يعرض عنهم إلى آخرين، والأصل في منهج الدعوة أن يلجأ إلى الله بالدعاء كما جاء عن نوح عليه وعلى نبينا قال {قَالَ رَبِّ إِنَّ قَوْمِي كَذَّبُونِ . فَافْتَحْ بَيْنِي وَبَيْنَهُمْ فَتْحاً وَنَجِّنِي وَمَن مَّعِي مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [الشعراء:117- 118] احكم بيني وبينهم... هل استمر معهم أم لا؟ لا يُهم أنهم يُكَذبون أو أنهم يَتّبِعون المهم أنت راضٍ عني؟ هل أنا مقصر في شيء لذلك لا تصل الدعوة؟
الأمر الثالث: مراقبة خطرات النفوس
يوم القيامة الله الفتاح يحكم بين عباده فيما كانوا يختلفون فيه في الدنيا، فالله جل وعلا لا تخفى عليه خافية، وهو سبحانه لا يحتاج إلى شهود ليفتح بين خلقه، وما كان غائبًا عما حدث في الدنيا فالله سبحانه وتعالى يعلم كما قلنا يعلم سرَّنا ويعلم علانيتنا {فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِم بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَآئِبِينَ} [الأعراف:7]. ويقول الله {وَمَا تَكُونُ فِي شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِن قُرْآنٍ وَلاَ تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاَّ كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ} [يونس:61] لا شيء يخفى على الله سبحانه وتعالى {عَن رَّبِّكَ مِن مِّثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ فِي السَّمَاء وَلاَ أَصْغَرَ مِن ذَلِكَ وَلا أَكْبَرَ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ} [يونس:61] حتى أن خطرات النفوس تُسَجل لكن لا يُحكم فيها، بمعنى أن كل ثانية في حياتك تسجل عليك حتى حديث نفسك، لكن الحساب على إرادة السيئة، من بداية إرادته السيئة يبدأ الحساب، إنما الهم: إنه يهِم مثلا أن يخرج مع امرأة كان يعرفها.. فهذا خاطر، ثم يسترسل في الحديث مع نفسه: أين هذه الأيام؟ وأين ذهبت الآن؟.. فهذا حديث نفس، ثم يبدأ أن يهِم بالأمر فيبحث عن رقم التليفون ويوشك الاتصال، ثم يفيق ويستعيذ ويحجم.
هنا همَّ بالسيئة فلم يعملها كُتبت له حسنة، بمجرد أن يأخذ القرار ويُمسك بالتليفون وينظر إلى الرقم ويرفع السماعة ويبدأ بالكلام من هنا بدأت السيئات، أراد السيئة فبدأ يُحسب عليه، وكل هذا إذا رجع عنه لا شك يُبدَّل إن شاء الله إلا أن يتلبس بالفعل والعياذ بالله تعالى. سمَّى الله تعالى يوم القيامة يوم الفتح لهذا المعنى فهو يوم القضاء بين العباد {قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لَا يَنفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمَانُهُمْ وَلَا هُمْ يُنظَرُونَ} [السجدة:29] انتهى الأمر، لم يعد يُنتظر من أحد أن يأتي بشيء لأن الأعمال انتهت بذلك.
الأمر الرابع: تفرد الله تعالى بمفاتيح الغيب
ومنه أنَّ الله سبحانه وتعالى متفرد بعلم مفاتح الغيب، قال الله جل جلاله: {وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ} [الأنعام:59]، وقد عددها الله تعالى في سورة لقمان في قوله: {إِنَّ اللَّهَ عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34]. وليأتي أشد المعاندين ببيان في هذه الأمور الخمس، عنده علم الساعة فهل من أحد يعلم ساعته؟، هل من أحد يعلم ميعاد الساعة الكبرى؟ ولا النبي الذي آتاه الله علمَ الأولين والآخرين. استأثر الله تعالى نفسه بهذا الأمر فلا يعلم به نبي مُرسل ولا مَلَك حافظ. {عِندَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ} [لقمان:34]. وهذه آية من آيات ربنا، فقد يتنبأ علماء الأرصاد بنزول المطر ولا ينزل وقد يتنبئوا بعدم نزوله وينزل بقدره سبحانه وتعالى، فمهما بلغ الإنسان من العلم هو سبحانه وتعالى مُنزل الغيث. {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ} يعلم ما في الأرحام ابتداءً، يعلم هل هو شقي أم سعيد، ليس النوع فحسب {وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَّاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} [لقمان:34] كل هذه أمور تفرد الله تعالى بعلمها وهي من أمور علم الغيب.
الأمر الخامس: الفتح والنصر من الله تعالى
أنَّ الفتح والنصر من الله تعالى، فهو يفتح على من يشاء ويخذل من يشاء، يُعز من يشاء ويذل من يشاء، وقد نسب الله الفتوح لنفسه لينبه عباده إلى طلب النصر والفتح منه لا من غيره لذلك قال الله تعالى: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحاً مُّبِيناً} [الفتح:1] وقال جل ثناؤه {فَعَسَى اللّهُ أَن يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِّنْ عِندِهِ} [المائدة:52] وقال: {وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ} [الصف:13]. إذن ليس علينا إلا اتخاذ الأسباب فقط أما النصر فهو من عند الله سبحانه وتعالى {وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ} [آل عمران:126] وليس من واجباتي قطف الثمار هذا ليس عملي، عملي يقتصر على الاجتهاد وإيصال الخير للناس وفقط أما الفتح فهذا أمر يختص بسُنة الله الكونية.
أسباب النصر
أولها ولا شك أن يتحقق في الأمة معاني الإيمان والتوحيد؛ أن يُوحِّدوا الله تعالى فلا ولاء ولا براء إلا لله سبحانه وتعالى، يوالي من يواليه الله سبحانه، ويعادي من يعادي الله سبحانه وتعالى، يحب في الله ويُبغض في الله لكن الذي يحدث أننا نوالي في جماعة أو في تيار أوفي حزب وتكون محبتنا للأشخاص على هذا، ونعادي المختلف معنا، ولربما يكون في القلب من الكُره والبغض لأخينا المسلم ما لا تجده في تجاه الكافر والفاجر والمنافق فلا يكون الاجتماع على معاني التوحيد. فأول مفتاح من مفاتيح النصر: التوحيد؛ أن يُخلِص الجميع لله سبحانه وتعالى ولا يبغون إلا ذلك.ثَّم تتوالى بعد ذلك مفاتيح النصر الأُخر كالصدق، التخلق بأخلاق الإسلام، علو الهمة وكذلك الأخذ بالأسباب والاجتهاد فيها. وإذا نظرت فوجدت انهزامًا وذلاً وصغارًا فاعلم أنَّ المعادلة لم تأت على الوجه المطلوب لأنَّ الأسباب تؤدي الى نتائج و النتائج تدل على أنَّ الأسباب بها خلل.
الأمر السادس: الفتح بالعلم والحكمة
ومما يفتحه الله على من يشاء من عباده الحكمة والعلم والفقه في الدين يقول الله {وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ}[البقر:282] ويقول جل وعلا: {أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ فَهُوَ عَلَى نُورٍ مِّن رَّبِّهِ فَوَيْلٌ لِّلْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُم مِّن ذِكْرِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ} [الزمر:22]. يقول القرطبي رحمه الله: "وهذا الفتح والشرح ليس له حد، وقد أخذ كل مؤمن منه بحظ ففاز الأنبياء بالقسم الأعلى ثم من بعدهم الأولياء ثم العلماء ثم عوام المؤمنين ولم يخيِّب الله منه سوى الكافرين فهم الذين لم ينالوا شيء من هذا الشرح" (شرح الصدر). كان النبي يقول لأصحابه إذا دخل أحدهم يقول: إ « » (حسن، واللفظ عند النَّسائي في عملِ اليوم والليلة وعند ابن ماجه باسناد حسن).
الأمر السابع: دوام التوكل
أن تعتمد على الله سبحانه وتعالى قبل الأخذ بالأسباب وأن تطلب منه وحده مفاتيح الخير. قام النبي على المنبر فَقَالَ: «البخاري أيضًا: « » (صحيح البخاري). وتلك المعاني مقلوبة عندنا تمامًا، فالمرء أول ما يوسع له في الرزق ويفيض الله عليه يزداد فرحًا، ويقول هذه علامة المحبة ويظن بأنَّ الله سبحانه وتعالى قد أغدق عليه من نعمه ومنع غيره فهذا دليل على أنَّ ربنا سبحانه وتعالى يحبه ويريده وهو غير منتظم في الصلاة، ومقصر في أحواله بشكل عام، ويظن أنَّ له مكانة خاصة عند ربنا سبحانه وتعالى أو كأنَّ له دلالًا، فلا يوجد مشكلة إذا فرَّط في الصلاة أو فرَّط في شيء، وهذا من بقايا -وللأسف- فكر بعض المتصوفة. وهذا باطل، فالنبي كان يخشى على أمته مثل هذا.. انفتاح الدنيا عليهم لما فيه من فتن واستدراج.
» (صحيح) وفي لفظ آخر عند
الأمر الثامن: أن تكون مفتاح خير
مفتاح الخير هذا معناه أن تكون مُبارك حيثما كنت، أنك تمكث طوال الوقت تُفكِّر في أفكار وأشياء يكون من نتاجها هداية الناس، أن تكون أول من صلَّى من أصحابه وأخذ بهم إلى المسجد، أول من بدأ يُحافظ على دروس العلم ويدعو الناس وأصحابه لنفس الشيء. أن تكون هي أول من تحجب في وسط أقرانها وفي وسط عائلتها وبدأت تدعو إلى هذا بسمتها وأخلاقها، وهكذا. نُفكِّر في فكرة يكون من نتاجها أن تُفتح أبواب الخيرات أمام الناس، فيكون مفتاح خير، وفي نفس الوقت مغلاق شر.
أعظم مفاتيح الخير: التوحيد والمُتابعة للنبي؛ يقول النبي صلى الله عليه وسلم: «الألباني من حديثِ أبي هريرة رضي اللهُ عنه أنَّ النبيَّ قال: « » (حسنه الألباني). فأعظم أسباب الرزق التوحيد لو أنَّه لهج بها خالصًا من قلبه فتحت له أبواب السماء، وكذلك أعظم أسباب الحرمان الذنوب لا سيِّما الكبائر، فبعد ما لهج بالدعاء وفُتحت أبواب السماء، قام بذنب، وقع في كبيرة تحجب عنه: « » (صحيح).
» (صحيح). فالجزاء من جنس العمل، لما تلبس بأعظم مفاتيح الخير تتفتح له أبواب الجنة. قال: فُتِّحت له أبواب لجنة، ولم يُقل: أُدخِلَ من أبواب الجنة. فكأنه لما تلبس بالتوحيد أمسك بالمفتاح. ومنه كذلك ما رواه الترمذي وحسنه
دعاء الله باسمه الفتاح
ما روى مسلم من حديثِ عبد الله بن مسعود رضي الله عنه أنه قال: "إنَّا لليلة الجمعة في المسجد إذ جاء رجل من الأنصار فقال: إن رجلاً وجد مع امرأته رجلاً فتكلم جعلتموه أو قتل قتلتموه وإن سكت سكت على غيظ واللهِ لأسألنَّ عنه رسول الله فلما كان من الغد أتى رسولَ الله فسأله فقال: لو أنَّ رجلاً وجد مع امراته رجلاً فتكلم جعلتموه، أو قتل قتلتموه، أو سكت، سكت على غيظ؟ فقال: « » وجعل يدعو، فنزلت آية اللعان {وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ شُهَدَاءُ إِلَّا أَنْفُسُهُمْ فَشَهَادَةُ أَحَدِهِمْ أَرْبَعُ شَهَادَاتٍ بِاللَّهِ} [النور:6] إلى آخر الآيات التي في سورة النور. فجاء الرجل بعدها وامرأته إلى رسول الله فتلاعنا، فشهد الرجل أربع شهادات باللهِ إنَّه لمن الصادقين، ثمَّ لعن الخامسة {أَنَّ لَعْنَةَ اللَّهِ عَلَيْهِ إِنْ كَانَ مِنَ الْكَاذِبِينَ} [النور:7] فذهبت لتلعن فقال لها رسول الله: « » فأبت فلعنت فلما أدبرا قال: « » فجاءت به أسودًا جعدًا (صحيح). الشاهد: أنَّه لما التبس عليه الأمر صلى الله عليه وسلم أخذ يقول: اللهم افتح، اللهم افتح فأنزل اللهُ تعالى آيات اللعان.
وفائدة أخرى في الحديث هي أنَّ الصحابي لما اعترض على الحكم في بدايته أُخِذَ بكلامه وابتُلِيَ فيه، فما كان بعد نزول آيات اللعان إلا أن اتهم امرأته وجاءا إلى النبي يتلاعنان.. فانتبه: حينما يكون بداخلك شيء تتزعزع فيه ويقينك فيه مهزوز فكن على وجل من أن تبتلى فيه ليخرج الله ما في قلبك.. {إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ} [المائدة:101].
فنسأل الله باسمه الفتاح أن يفتح لنا من أبواب فتحه ورحمته ولطفه ما يقينا مساوئ ذلك.
هاني حلمي عبد الحميد
حاصل على ليسانس دار العلوم وحضر الماجستير في فقه وأصول أحد الفقهاء السبعة.
- التصنيف: