إذا وُسِّد الأمر إلى غير أهله

منذ 2014-06-18

إذا رَأَسَ الناسَ مَنْ كانَ فقيرًا عائلًا، فصار ملكًا على الناس، فإنَّه لا يكادُ يعطي الناسَ حقوقَهم، بل يستأثر عليهم بما استولى عليه من المال، وإذا كان مع هذا جاهلًا جافيًا، فسد بذلك الدين.

عَنْ عُمَرَ بن الخَطَّابِ رضي الله عنه، قال: بَينَمَا نَحْنُ جلوس عندَ رَسولِ الله صلى الله عليه وسلم ذاتَ يومٍ، إذْ طَلَعَ علينَا رَجُلٌ شَدِيدُ بياضِ الثِّيابِ، شَدِيدُ سَوَادِ الشَّعْرِ، لا يُرى عليهِ أثَرُ السَّفَر، ولا يَعرِفُهُ مِنّا أحدٌ، حتَّى جَلَسَ إلى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم، فأسنَدَ رُكْبَتَيْهِ إلى رُكْبَتَيْهِ، ووضع كَفَّيه على فَخِذيه،... ثم ذكر الحديث إلى أن قال: «فأخبِرني عَنِ السَّاعةِ؟» قال: «مَا المَسؤُولُ عَنْهَا بأعلَمَ مِنَ السَّائِل»، قال: فأخبِرني عنْ أَمارَتِها؟ قال: « «أنْ تَلِد الأمَةُ رَبَّتَها، وأنْ تَرى الحُفاة العُراة العَالةَ رعَاءَ الشَّاءِ يَتَطَاوَلونَ في البُنيانِ»  الحديث (رواه مسلم[8]).


مضمونُ ما ذُكر من أشراطِ الساعة في هذا الحديث يَرجِعُ إلى أنَّ الأمور تُوَسَّدُ إلى غير أهلها، كما قال النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لمن سأله عن الساعة: «إذا وُسِّدَ الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة» (رواه البخاري [59])، فإنَّه إذا صار الحفاةُ العراةُ رعاءُ الشاءِ -وهم أهلُ الجهل والجفاء- رؤوسَ الناس، وأصحابَ الثروة والأموال، حتّى يتطاولوا في البنيان، فإنَّه يفسد بذلك نظامُ الدين والدنيا.

 

فإنَّه إذا رَأَسَ الناسَ مَنْ كانَ فقيرًا عائلًا، فصار ملكًا على الناس، سواء كان مُلكُه عامًا أو خاصًا في بعض الأشياء، فإنَّه لا يكادُ يعطي الناسَ حقوقَهم، بل يستأثر عليهم بما استولى عليه من المال، فقد قال بعض السَّلف: "لأنْ تمدَّ يدكَ إلى فم التِّنين، فيقْضمها، خيرٌ لك من أنْ تمدَّها إلى يد غنيٍّ قد عالج الفقرَ".

 

وإذا كان مع هذا جاهلًا جافيًا، فسد بذلك الدين؛ لأنَّه لا يكون له همة في إصلاح دين الناس ولا تعليمهم، بل هِمته في جباية المال واكتنازه، ولا يُبالي بما فسد من دينِ الناسِ، ولا بمن ضاعَ من أهل حاجاتهم.

 

وإذا صار ملوكُ الناس ورؤوسُهم على هذه الحال، انعكست سائرُ الأحوال، فصُدِّقَ الكاذبُ، وكُذِّبَ الصادقُ، واؤتُمِنَ الخائنُ، وخوِّنَ الأمينُ، وتكلَّمَ الجاهلُ، وسكتَ العالم، أو عُدِمَ بالكلية، كما صحَّ عن النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إنّ من أشراط الساعة أن يُرفَعَ العلمُ، ويظهر الجهلُ» (رواه البخاري [6808]، ومسلم [2671])، وأخبر: «أنَّه يقبضُ العلمُ بقبض العلماء، حتى إذا لم يبق عالم، اتخذ الناس رؤوسًا جهالًا، فسُئِلوا فأفتوا بغير علم، فضلوا وأضلوا» (رواه البخاري [100]، ومسلم [2673]).


وقال الشَّعبي: "لا تقومُ السَّاعة حتى يصيرَ العلمُ جهلًا، والجهلُ علمًا".. وهذا كله من انقلاب الحقائق في آخر الزمان وانعكاس الأمور.. وفي "صحيح الحاكم"(4/ 554) عن عبد الله بن عمرو مرفوعًا: «إن من أشراط الساعة أن يُوضع الأخيارُ، ويُرفع الأشرارُ».

المصدر: من جامع العلوم والحكم الحديث الثاني باختصار.