أهل الكتاب
تعبير أهل الكتاب معناه الذين لهم كتاب أو أصحاب الكتاب، ولا يراد به كل ما يطلق عليه كتاب، بل المراد به كتاب خاص، وهو الكتاب الذي أنزله الله على رسول من رسله، وهذا لا يصدق بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا على التوراة والإنجيل، ومن ثم فأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وعندما أرسل الله تعالى رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، كان الشرك قد غلب على الأرض كلها، بمن فيهم من أهل الكتاب، حيث لم يتمسك بالحق إلا قليل منهم، والغالبية منهم اتبعوا الدين المبدل المحرف
تعبير أهل الكتاب معناه الذين لهم كتاب أو أصحاب الكتاب، ولا يراد به كل ما يطلق عليه كتاب، بل المراد به كتاب خاص، وهو الكتاب الذي أنزله الله على رسول من رسله، وهذا لا يصدق بعد بعثة الرسول صلى الله عليه وسلم إلا على التوراة والإنجيل، ومن ثم فأهل الكتاب هم اليهود والنصارى، وعندما أرسل الله تعالى رسوله محمدًا صلى الله عليه وسلم بالهدى ودين الحق، كان الشرك قد غلب على الأرض كلها، بمن فيهم من أهل الكتاب، حيث لم يتمسك بالحق إلا قليل منهم، والغالبية منهم اتبعوا الدين المبدل المحرف، كما قال الله تعالى: {وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتَابِ لَكَانَ خَيْرًا لَّهُم مِّنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفَاسِقُونَ} [آل عمران: 110]، أي منهم من آمن بمحمد رسول الله، وأكثرهم الفاسقون، معناه الخارجون عن دينهم، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: «إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَظَرَ إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ فَمَقَتَهُمْ، عَجَمِيَّهُمْ وَعَرَبِيَّهُمْ، إِلَّا بَقَايَا مِنْ أهل الكتاب» (مسند أحمد: 17149).
فوصف اليهود والنصارى أنهم أهل كتاب، لا ينفي الحكم عليهم بالكفر، ولا يعني إيمانهم بكتابهم، ووجود مؤمنين فيهم لا يعني أن الإيمان غالب فيهم، وبمقتضى المعنى اللغوي فإن المسلمين ينطبق عليهم لغويًا أنهم أهل كتاب، لكن الاستعمال الشرعي (القرآن والسنة) خص اليهود والنصارى بتعبير أهل الكتاب، وقد ورد ذلك التعبير في أكثر من ثلاثين موضعًا في القرآن الكريم، يبين أغلبها أن أهل الكتاب كفار، إلا في بعض المواضع القليلة التي تثبت الإيمان لطائفة منهم، وذلك من عدل الله تعالى، أنه لا يحمل أوزار الكافرين لغيرهم من المؤمنين وإن كانوا يشتركون معهم في الجنس أو الموطن.
وأذكر هنا بعض الآيات القرآنية التي أدلل بها على ما قلت على سبيل المثال وليس الحصر، قال تعالى: {وَدَّ كَثِيرٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُم مِّن بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِّنْ عِندِ أَنفُسِهِم مِّن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ} [البقرة:109]، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَىٰ كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّـهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِّن دُونِ اللَّـهِ فَإِن تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} [آل عمران:64]، وهناك أحد عشر آية في سورة آل عمران يوجد فيها تعبير أهل الكتاب، تنعي على أهل الكتاب كفرهم وصدهم عن سبيل الله، وتطلب منهم الإيمان وتصديق الرسول واتباعه، والآيات لمن أراد مراجعتها في مصحفه تبدأ من رقم 64 إلى رقم 99، من ذلك قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّـهِ مَنْ آمَنَ تَبْغُونَهَا عِوَجًا} [آل عمران:99]، وقال تعالى بعدها مباشرة مخاطبًا المؤمنين: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تُطِيعُوا فَرِيقًا مِّنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ يَرُدُّوكُم بَعْدَ إِيمَانِكُمْ كَافِرِينَ} [آل عمران:100]، والذين أوتوا الكتاب هم أهل الكتاب.
ومن الآيات الدالة على كفر أهل الكتاب قوله تعالى: {يَسْأَلُكَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَن تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتَابًا مِّنَ السَّمَاء فَقَدْ سَأَلُواْ مُوسَى أَكْبَرَ مِن ذَلِكَ فَقَالُواْ أَرِنَا اللّهِ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصَّاعِقَةُ بِظُلْمِهِمْ ثُمَّ اتَّخَذُواْ الْعِجْلَ مِن بَعْدِ مَا جَاءتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ فَعَفَوْنَا عَن ذَلِكَ} [النساء:153]، وأهل الكتاب هنا هم اليهود كما في قوله تعالى: {وَإِن مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ إِلَّا لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا} [النساء:159]، فلا يموت يهودي حتى يقر أن عيسى عبد الله ورسوله.
قال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ وَلَا تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إِلَّا الْحَقَّ ِۚنَّمَا الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ رَسُولُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ} [النساء: 171]، وأهل الكتاب هنا هم النصارى الذين غلوا في أمر المسيح عيسى بن مريم، وجاوزوا به حده فجعلوه إلها أو ابن إله، وقال تعالى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَكَفَّرْنَا عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلَأَدْخَلْنَاهُمْ جَنَّاتِ النَّعِيمِ} [المائدة: 65]، وأهل الكتاب هنا اليهود والنصارى، فتبين أن تعبير أهل الكتاب يطلق ويراد به حينًا اليهود، وحينًا النصارى، وحينًا يراد به كلا الفريقين، والفريقان كافران إلا طائفة منهم آمنت برسولهم ولم تحرف ولم تبدل، ثم آمنت بمحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم لما جاءهم بكتاب من عند الله.
وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَنتُمْ تَشْهَدُون} [آل عمران:70]، وقال تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنتُمْ تَعْلَمُونَ} [آل عمران:71]، وقال تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَاللَّهُ شَهِيدٌ عَلَىٰ مَا تَعْمَلُونَ} [آل عمران:98]، فكل ما تقدم من الآيات يبين أن أهل الكتاب كفار مشركون، لكن هناك من الآيات ما يبين أن طائفة ممن ينطبق عليهم اسم أهل الكتاب مباينون في الاعتقاد للطائفة الكافرة المشركة، ومما يبين ذلك أي أن من أهل الكتاب من هو مستمسك بالحق قوله تعالى: {لَيْسُوا سَوَاءً مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ آنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ} [آل عمران:113]، وقوله تعالى: {وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلَّهِ لَا يَشْتَرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا أُولَـٰئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ} [آل عمران:199].
فأهل الكتاب في التعبير الشرعي هم اليهود والنصارى، وهم كفار مشركون، إلا طائفة منهم آمنوا برسولهم ثم آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم واتبعوه.
محمد بن شاكر الشريف
باحث وكاتب إسلامي بمجلة البيان الإسلاميةوله عديد من التصانيف الرائعة.
- التصنيف: