الجنة نعيم ومبشر

منذ 2014-06-19

إنَّها الجنَّة يا عبادَ الله دار المتقين، ورغبة المخبتين، ومقصدُ الصالحين.

معاشر المؤمنين:

أوصيكم وإيَّاي بتقوى الله، فهي وصية الله لنا ولمن كان قبلنا؛ {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} [النساء:131].

أيُّها الكرام، أيُّها الفضلاء:

اسمحوا لي أنْ أنتقلَ بكم من هذا الحيِّ، ومن هذا المسجد المبارك إلى طيبة الطيبة، وبتحديد إلى مسجد الرَّسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم لنعيش سويًّا هذا الموقفَ العظيم، ونعتبر ونقتدي، ولتكونَ هممنا مع الثُّرَيَّا بدل الثَّرى، يجلس النبي صلَّى الله عليه وسلَّم في مَسْجِدِه مع أصحابه، كالقمر حوله النُّجوم، فتدخل عليه امرأة نحيلة مريضة سمراء تشتكي، قد أثقل المرض كاهِلَها، وهَدَّ العزمُ وهنها.

هي رفيقةُ الأسقام، وخليلة الآلام، جاءت هذه المرأة من بعيدٍ تدفع جسمها دفعًا، وقَدَماها تَخطَّان على الأرض حكايةَ المعاناة، وقِصَّةَ الأوجاع، جاءت تُلقي الهموم، وتحكي الحالَ وقلة الحيلة، ألقت بهمومها إلى البَرِّ الرَّحيم، وشكت حالَها إلى العَطُوف الكريم، وقفت بين يدي رسول الله، وقالت: يا رسولَ الله، إنِّي أُصْرَع، وإنِّي أتكشَّف، فادْعُ الله لي، فقال عليه الصلاة والسلام: «إنْ شئت صبرت ولك الجنة، وإنْ شئتِ دعوتُ اللهَ أنْ يعافيك».

إنَّها تعلم أنَّها تناجي خَيْرَ العالمين، تُناجي حبيبَ الله، وخليل الرحمن، الذي إذا رَفَع يديه إلى السماء رَدَّدت السماءُ أرجاؤها ترحيبًا وتأمينًا، لقد كان بينها وبين قضاء حاجتها بإذن ربِّها أنْ تقول: ادعُ الله لي يا رسول الله أنْ يَشْفِيَنِي، ولكنَّه كان خيارًا دون خيار أعظم، ومطلوبًا أسمى، تلاشت أمامه كلُّ الهموم، وتناست بذكره كل الآلام، إنَّها الجنة، إي وربِّي وكأنِّي بها تُردِّد بعدما سمعت ذلك العرض: الجنة الجنة، لا بأس، أصبر ومرحبًا بالمرض، وما أروعَ ساعاتِ الوَجَع!

عندها أعلنتها دون تردُّد: أصبر يا رسول الله ولكن ادعُ الله لي ألاّ أتكشف، ومن تلك اللحظات باتَ للمرض طَعْمٌ آخر تستلذه، وتستأنس به، ولقد كان ابن العباس رضي الله عنهما يقولُ لعطاء كما عند البخاري ومسلم : "ألا أريك امرأة من أهل الجنة؟ قال: بلى، أين هي؟ قال: هذه المرأة السوداء".

 

أيُّها المؤمنون:

هل عرفتم هذه المرأة؟ هل عرفتموها؟ كلاَّ، ولن تعرفوها، لماذا؟ لأنَّ التاريخَ لَمْ يُسجِّل لها اسمًا، والسِّيَر لم تذكر لها ترجمةً، لقد كانت من عامَّة الناس، قد لا يعرفها أهلُ المدينة ومَن حَوْلَها، ويبدو أنَّها كانت تَمشي بين البشر، وتقرع بقدميها الثَّرى، وهي من أهل الجنة، فنعم المآلُ، ونعم المنقلبُ، ونعم المنتهى.

إنَّها الجنَّة يا عبادَ الله دار المتقين، ورغبة المخبتين، ومقصدُ الصالحين؛ قال الصادق الأمين صلَّى الله عليه وسلَّم: قال الله عزَّ وجلَّ «أعدَدْت لعبادي الصالحين -أي: في الجنة- ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، واقرؤوا إنْ شئتم: {فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [ السجدة:17]» (سنن الترمذي).

وقال صلَّى الله عليه وسلَّم في (الحديث المتَّفق عليه): «إنَّ أوَّل زمرة يدخلون الجنة على صورة القمر ليلة البدر، ثُمَّ الذين يلونهم على أشدِّ كوكب دُرِّي في السماء إضاءة، لا يبولون ولا يتغوَّطون، ولا يتخمطون، آنيتهم فيها الذَّهب، ورشحهم المسك -أي: عرقهم المسك- ولكل واحد منهم زوجتان يرى مُخَّ ساقيهما من وراء اللَّحم من الْحُسْنِ، لا اختلافَ بينهم ولا تَبَاغُضَ، قلوبهم على قلب رجل واحد، يُسبِّحون الله بكرة وعشيًّا»، يا ربِّ، نسألك أن تجعلنا من أهلِها برحمتك يا أرحم الراحمين.

 

معاشر المؤمنين:

دعا النبي صلَّى الله عليه وسلَّم النَّاسَ للخروج يومَ بدر، فجاء من بين القوم شابٌّ صغير السن، جاء فيمن جاء، أقبل يسعى فرحًا يستأذن أمَّه العَجُوز في الخروج مع الرَّسول صلَّى الله عليه وسلَّم وهو حارثة بن سراقة، ومَضَى حارثة مع موكب النُّور نَحْوَ بدر.

وبينما القوم فيها قد أرخى الليل سُدُولَه، وعاش الظَّلامُ في ربوع المكان، جاء هذا الفتى الصغير إلى قَلِيب بدر -أي: إلى بئر بدر- يريد الشرب منها، فأبصره رجلٌ من المسلمين كان يحرس البئر، فظَنَّه من عسكر المشركين، فرماه بسهم، فأرداه قتيلًا، ذهب إليه الرجل، ماذا وجد؟ وجد حارثةَ بنَ سراقة، صحابيًّا جليلًا، مُسلمًا مُؤمنًا مُجاهِدًا، تفاجأَ الرجل وفُجِعَ.

ذهب إلى النبي عليه الصلاة والسلام وأخبره الخبر، فسكت النبي صلَّى الله عليه وسلَّم فلما جاء اليومُ الثاني، بدأت المعركةُ، وكان من أحداثها ما كان، وبعد انتهاء المعركة، ونُصِرَ المسلمون، نعم انتصر المسلمون، نَصَرَ الله حِزْبَه، وأظهر جنده، وأعزَّ أولياه، قفل المؤمنون رجوعًا إلى المدينة، استقبلهم الناس ترحيبًا وتمجيدًا، وكان من بَيْنِ أولئك أم حارثة بن سراقة استوقفت أحَدَ الصَّحابة تَسْأله: أين ابني حارثة؟ أَمَا رأيته؟ أَمَا وجدته؟ أمات شهيدًا؟ فقال الرجل: إنَّه لم يَمُت شهيدًا، ولكنه قُتِلَ خَطَأً، تفاجأت المرأة، وفُجِعَت، وأقبلت إلى النبي صلَّى الله عليه وسلَّم تسعى.

قالت: يا رسول الله، قد عرفت منزلة حارثة مني، فإنْ يكُن في الجنة، أصبر وأحتسب، وإن تكن الأخرى، سترى ما أصنع، قال: «ما قلتِ؟»، قالت: هو ما سمعتَ يا رسول الله، قال: «وَيْحكِ يا أم حارثة، ويحك يا أم حارثة، أهبلتِ؟ أَوَجَنَّة واحدة هي؟! إنَّها جنانٌ، وإنَّ ابنكِ قد أصاب الفردوس الأعلى» (صحيح البخاري).

هنيئًا لك يا حارثة، هنيئًا لك يا حارثة، وجمعنا الله بكَ في جنَّات النعيم يا حارثة، أتظن أنَّ زهرةَ شبابك تذبُل، وأنَّ أيام صباك تنقضي، وأنَّ نَضْرةَ وجهك تنمحي، وأنَّ حلاوة الدنيا وطيب العيش ولَذَّة الحياة تتركها؟! نعم، فلْتُتْرك، ولْتَزُل، ولْتَنْمَحِ، ولتنقضِ، إذا كان وراء ذلك جنة عرضها السموات والأرض؛ قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ أهل الجنة يَتَرَاءَوْنَ أهل الغُرَفِ من فوقهم، كما تَتَرَاءَوْن الكوكبَ الدُّري الغابر في الأفق من المشرق أو المغرب؛ لتفاضل ما بينهم» (صحيح البخاري).


قالوا: يا رسول الله، تلك منازل الأنبياء لا يبلغها غيرُهم، قال: «بلى»، اسمع يا مَن تريدُ الجنة، اسمع يا خاطب الحور، اسمع يا مُحِبَّ الجنة، قال: «بلى، والذي نفسي بيده، رجال آمنوا بالله، وصدَّقوا المرسلين»، هؤلاء هم أهل الجنَّة، أهل المنازل العُليا، فهل آمَنَّا بالله حقَّ الإيمان؟ وهل اتَّبعنا سُنَّةَ سيد ولد عدنان؟ هل اتَّبعنا سنة سيد المرسلين؟ أسأل الله أن نكونَ كذلك، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ للمؤمن في الجنَّة لخيمة من لُؤلُؤة واحدة مُجوفة، طولها في السماء ستون ميلاً، للمؤمن فيها أهلون، يطوف عليهم المؤمن، فلا يرى بعضهم بعضًا»، يا رب، يا أرحم الراحمين، اجعلنا من أهل الجنة، ولا تحرمنا نعيمها.

أيها الكرام:

بعد أنْ هاجر النبي صلَّى الله عليه وسلَّم إلى المدينة لَمْ تَعُدْ مكة موطنًا لأهلِ الحقِّ والإيمان، فراحوا يَتَسابقون فرارًا بدينهم إلى طيبة الطيبة؛ حيث الأمانُ والإيمانُ، حيثُ الهدى والهداية، ولكنَّ قريشًا كانت تُعِيقُ أولئك الفارِّين بدينهم بكل حيلة مستطاعة، وكان من بين هؤلاء الفارين الصحابي الجليل صُهَيْب الرُّومي صاحب التِّجارة، وصاحب المال الوفير.

أقامت عليه قريش رُقَبَاءَ يقومون عليه ليلَ نَهَارَ، لماذا؟ حتَّى لا يفلت من بين أيديهم بنفسه وماله، وفي ليلة باردة تسلَّل صهيبٌ من بينهم، ويَمَّم وجْهَهُ شَطْرَ المدينة، ولَمْ يَمْضِ غير القليل حتَّى فَطِنَ له رُقباؤه، فهبّوا من نومهم مذعورين، وامْتَطَوْا خُيُولَهم السوابق، وأطلقوا أَعِنَّتَها خلفه حتى أدركوه، فلَمَّا أحسَّ بهم، وقف على مكان عالٍ وأخرج سهامه من كنانته ووتر قوسه، وقال لهم: يا معشر قريش، لقد علمتم - والله - أنِّي من أرمى الناس، وأحكمهم إصابةً، فوالله لا تصلون إلَيَّ حتى أقتل بكل سهم معي رجلاً منكم، ثم أضربكم بسيفي ما بَقِيَ في يدي شيء منه.

فقال قائل منهم: والله، لا ندعك يا صهيب، لا ندعك تفوز منَّا بنفسك ومالك، لقد أتيت مكَّة صعلوكًا فقيرًا، فاغتنيت، وبلغت ما بلغت، فلما سمع صهيب ذلك، قال لهم: أرأيتم إن تركت لكم مالي، أتُخلُّون سبيلي، قالوا: نعم، فدلهَّم على موضعِ ماله في بيته بمكَّة، فخلوا سبيله، ثم عاود المسير إلى الرسول صلَّى الله عليه وسلَّم وإلى أصحابه المؤمنين.

فلَمَّا بلغ صهيب قُبَاءً، رآه النبي صلَّى الله عليه وسلَّم مقبلاً، فهَشَّ له وبش، وقال بعد أن جاءه خَبَرُ صهيب بعد أن جاءه خَبَرٌ من السماء، قال له النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «رَبِحَ البَيْعُ أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى، ربح البيع أبا يحيى».

إنَّ هذه الكلمة الصَّادقة، وذلك اللِّقاء الحنون، وتلك الطَّلَّة البشوش، والْمُحَيَّا الطَّلْقَ أنست صهيبًا كلَّ أمواله، أنسته كلَّ تِجَارته، أنسته دُورَه وضيعَتَه، وَاسَتْهُ في أعماقِ قَلْبِهِ، فتلاشى معها طول السَّفر وتَعَب الطريق.

أيُّ تِجَارة، وأي مال إذا كان ثَمنها قَوْلَةَ حقٍّ وصدق: رَبِحَ البيعُ أبا يحيى؟! ولكنَّها معادلة صعبة، لا يُحسن فَهْمَهَا كُفَّار قريش بالأمس، ولا يحسن فهمها كفَّار الأرض اليومَ؛ {وَمَا يَعْقِلُهَا إِلَّا الْعَالِمُونَ} [العنكبوت:43]، هذه هي الجنة، وهذا بعض نعيمها، وهؤلاء هم بعض أهلها، فماذا أعْدَدْنا لها يا عباد الله؟! أسأل الله أنْ نكون وإيَّاكم مِن أهلها، اللَّهم لا تَحرمنا نعيمَ الجنة، ولا تحرمنا تلك اللَّذَّة بفضلك ومَنِّك وكرمك يا أكرم الأكرمين.

أقول ما تسمعون، وأستغفرُ الله الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه، ثم توبوا إليه؛ إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية

معاشر المؤمنين:

اسمعوا يا عباد الله إلى هذا الحرص العجيب، وإلى هذه التضحية بكل غالٍ ونفيس؛ من أجل أن يَحْظى المسلمُ بدارٍ بناها الله بيده في الجنَّة، نسأل الله أنْ نكون من أهلها.

كان غلامٌ من الأنصار يَملك بُستانًا يُجاور بستانَ رجلٍ من الصَّحابة، فأراد الغلامُ أن يبني حائطًا يفصل بستانه عن بستان صاحبه، فاعترضت له نخلة، هي في نصيب الآخر، فأتاه فقال: أعطني النَّخلة، أو بعني إيَّاه، فأبى، فأقبل الغلام على رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم فشكا له الحال، فأمره أنْ يأتي بصاحبه، فأقبل والنبي صلَّى الله عليه وسلَّم بين أصحابه، فقال له: «أعطه النخلة»، فقال: لا، فكَرَّر عليه ثلاثًا: «أعطه النخلة»، قال: لا، يكرر عليه، وهو يأبى، عندها قال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم: «أعطه النخلة، ولك بها نخلة في الجنة»، قال: لا: تعجَّب الصَّحابة، أصبحوا يرقبون الموقفَ، ويُكْبِرون العرض، ويُعْظِمون الثَّمن، ويستنكرون الإحجام من الرَّجل.

وتَخيَّلوا ذلك المنظر؛ إذ الدهشة تعلو الوجوه، وصمتُ الاستغرابِ يَمْلأ المكانَ؛ إذ شقَّ ذلكم الصمتَ صوتُ الصحابِيٍّ الجليل أبي الدَّحداح رضي الله عنه وهو يقول: يا رسول الله، إنْ أنا اشتريتُ النَّخلة، ووهبتها إلى الغلام، أَلِي نَخْلة في الجنة؟ قال: «نعم»، فقال أبو الدَّحداح: يا هذا، قد ابتعتُ النخلةَ نخلتك الوحيدة ببستاني الذي فيه ستمائة نخلة، فقبل الرجل، فذهب أبو الدحداح مسرعًا إلى بستانه يُنادي زوجته: يا أمَّ الدحداح، اخرجي وأبناؤك، فقد بِعْتُ البستانَ، قالت: لمن؟ قال: لله بنخلة في الجنة، قالت: رَبِحَ بيعُك، وبارك اللهُ لك فيما اشتريتَ، ثم أقبلت على صبيانها تُخرجُ ما في أفواهِهِم، وتنفض ما في أكمامهم، حتَّى أفضت إلى الحائط الآخر.

فقال النبي صلَّى الله عليه وسلَّم كما في (صحيح مسلم): «كم مِن عِذْقٍ معلَّق أو مُدَلًّى في الجنة لأبي الدَّحداح»، سبحان الله! ستمائة نخلة، وماء نقي، وظل وافر، وأشجار، وثمار، وأزهار بنخلة واحدة! نعم، ولِمَ لا، إنَّها نَخلة في الجنَّة؟! قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ في الجنة لشجرةً يَسيرُ الرَّاكِبُ الجواد الْمُضَمَّر السَّريع مائةَ سنة لا يقطعها» (صحيح البخاري).

فنسألك يا ربَّنا ألا تَحرمنا ذلك النعيم المقيم، بل اسمعوا يا عباد الله إلى النَّعيم العظيم، قال صلَّى الله عليه وسلَّم: «إنَّ الله تبارك وتعالى يقول لأهل الجنة: يا أهل الجنة، فيقولون: ربنا لبيك وسعديك، فيقول: هل رضيتم؟ فيقولون: وما لنا لا نرضى، وقد أعطيتنا ما لم تعطِ أحدًا من خلقك، فيقول: أفلا أعطيكم أفضلَ من ذلك، قالوا: يا رب، وأيُّ شيء أفضل من ذلك، فيقول: أُحِلُّ عليكم رِضْواني، فلا أسخط عليكم بعده أبدًا» (متفق عليه)، يا الله، يا الله، نسألك ذلك النَّعيم المقيم.

عباد الله، هذه هي الجنَّة، وهذا بعضُ نعيمها، وهؤلاء هم بعضُ المبشرين بها، فكيف نحظى بذلك النَّعيم، وكيف نكون من أهلها؟

فأقول: الأمر سهل ويسير جدًّا، ما عليك يا عبدَالله، إلاَّ أن تعرف أوامر الله فتأتيها، وتعرف المحرمات فتجتنبها، سبحان الله! هل هذا كل شيء؟ نعم، هذا كلُّ شيء، أليس يسيرًا، ولكنَّه يَحتاج إلى مُجاهدة يَحتاج إلى أنْ تعرف أعداءك، ومن أعظمهم النفس والهوى، والدنيا والشيطان، فاحذرهم كل الحذر.

 

احرص يا عبدالله، واحرصي يا أَمَةَ الله، أن تكونوا جميعًا من المتقين؛ لأنَّ المتقين هم أهل الجنة، إذا قلنا يا عبدالله: اتَّقِ الله، فاعلم أنَّ التقوى قد حوت ألفَ أمْرٍ وألفَ نَهْيٍ، فأسأل الله جلَّ جلاله أنْ يجعلنا من عباده المتَّقين، وأن يَجعلنا من أهل جنات النعيم.

اللهم صلِّ على محمد وعلى آلِ محمد، سبحان ربِّك ربِّ العزة عمَّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد الله رب العالمين.