الإيمان أولًا

منذ 2014-06-20

الإيمان يأتي أولاً لأن له الدور الكبير في تقويم السلوك، وتربية الأخلاق عند الفرد المسلم والمجتمع.

الحمد لله الذي كان بعباده خبيرًا بصيرًا، وتبارك الذي جعل في السماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا، وهو الذي جعل الليل والنهار خِلْفة لمن أراد أن يذَّكر أو أراد شكورًا، وتبارك الذي نزل الفرقان على عبده ليكون للعالمين نذيرًا، الذي له ملك السماوات والأرض ولم يتخذ ولدًا، ولم يكن له شريك في الملك، وخلق كل شيء فقدره تقديرًا، واتخذوا من دون الله آلهة لا يخلقون شيئًا وهم يخلقون، ولا يملكون لأنفسهم ضرًا ولا نفعًا، ولا يملكون موتًا ولا حياة ولا نشورًا، والصلاة والسلام على من بعثه الله تباك وتعالى هاديًا ومبشرًا ونذيرًا، وداعيًا إلى الله بإذنه وسراجًا منيرًا.

بلَّغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وكشف الله به الغمة، وجاهد في الله حق جهاده، صلى الله عليه وعلى آله الأطهار، وصحابته الكرام، وسلم تسليمًا كثيرًا، أما بعد:

فمما لا يخفى على كل مسلم عاقل أهمية الإيمان بالله تبارك وتعالى، وعظيم شأنه، وكثرة فوائده التي يعود بها على المؤمن في الدنيا والآخرة، بل إن كل خير في الدنيا والآخرة متوقف على تحقق الإيمان الصحيح بالله تبارك وتعالى فهو أهم المطالب والمقاصد، وأنبل الأهداف، وبه يحيا العبد حياة السُعداء، وينجو من المكاره والفتن، والشرور والشدائد، وينال بإذن الله تبارك وتعالى ثواب الآخرة ونعيمها المقيم، وخيرها الدائم المستمر الذي لا يزول قال الله تبارك وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:97]، وقال جل وعلا: {وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا} [الإسراء:19].

وبالإيمان بالله تبارك وتعالى يحقق الإنسان الغاية التي خُلق في هذه الحياة لأجلها وهي عبادة الله تبارك وتعالى قال الله تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:56]، وإنما المقصود من إرسال الرسل، وإنزال الكتب عليهم؛ هو الإيمان بالله جلَّ في علاه، وإفراده بالعبادة، فهو إذن أول وأهم واجب على العبد كما جاء في الوصية النبوية الكريمة فيما روى ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: «إنك ستأتي قومًا أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمدًا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك وكرائم أموالهم، واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينه وبين الله حجاب» (رواه البخاري برقم [1425]).


فالإيمان يأتي أولًا لأنه سبب كل خير، ومنه الفوز برضا الله تبارك وتعالى، ودخول الجنة {وَبَشِّرِ الَّذِين آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ كُلَّمَا رُزِقُواْ مِنْهَا مِن ثَمَرَةٍ رِّزْقًا قَالُواْ هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِن قَبْلُ وَأُتُواْ بِهِ مُتَشَابِهًا وَلَهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَهُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [البقرة:25]،وقال: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا وَعْدَ اللّهِ حَقًّا وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ قِيلًا} [النساء:122]، وقال: {فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزيدُهُم مِّن فَضْلِهِ وَأَمَّا الَّذِينَ اسْتَنكَفُواْ وَاسْتَكْبَرُواْ فَيُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا أَلُيمًا وَلاَ يَجِدُونَ لَهُم مِّن دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا} [النساء:173].

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا لَّهُمْ فِيهَا أَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَنُدْخِلُهُمْ ظِلًّا ظَلِيلًا} [النساء:57]،وقال الله تبارك وتعالى: {رَّسُولًا يَتْلُو عَلَيْكُمْ آيَاتِ اللَّهِ مُبَيِّنَاتٍ لِّيُخْرِجَ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ وَيَعْمَلْ صَالِحًا يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا قَدْ أَحْسَنَ اللَّهُ لَهُ رِزْقًا} [الطلاق:11].


ومن آمن بالله تعالى فهو في عيشة مطمئنة لا خوف عليه قال سبحانه: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُواْ الصَّلاَةَ وَآتَوُاْ الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:277]، والمؤمن الذي يعمل صالحًا موعود من الله تبارك وتعالى بألا يَضيع عمله قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلًا} [الكهف:30]، وموعود أيضًا بالاستخلاف في الأرض قال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:55].


والإيمان يأتي أولاً لأن له الدور الكبير في تقويم السلوك، وتربية الأخلاق عند الفرد المسلم والمجتمع.

وعلى الإنسان أن يأخذ الإسلام من جميع جوانبه حتى يزداد إيمانه قوةً وصلابة؛ فقد ورد في الكتاب والسنة الإحسان إلى الوالدين، والجيران، واحترام الرجل الكبير وتوقيره، وإكرام الضيف، والإحسان إلى الزوجات، وكل ذلك ثابت كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ لاَ تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْنًا وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ إِلاَّ قَلِيلًا مِّنكُمْ وَأَنتُم مِّعْرِضُونَ } [البقرة :83]، وقال: {وَقَضَى رَبُّكَ أَلاَّ تَعْبُدُواْ إِلاَّ إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِندَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلاَهُمَا فَلاَ تَقُل لَّهُمَآ أُفٍّ وَلاَ تَنْهَرْهُمَا وَقُل لَّهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا} [الإسراء:23]، وعن أبي هريرة رضي الله عنه: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذي جاره، واستوصوا بالنساء خيرًا فإنهن خلقن من ضلع، وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه، فإن ذهبت تقيمه كسرته، وأن تركته لم يزل أعوج، فاستوصوا بالنساء خيرًا» (رواه البخاري برقم [4890]؛ ومسلم برقم [1468]).

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيرًا أو ليصمت» (رواه البخاري برقم [5672]؛ ومسلم برقم [47] واللفظ للبخاري).

فإذا ما جعل المؤمن إيمانه منهجا لحياته وعيشه فسيعيش عيش السعداء الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، بل سيعيش المجتمع بأكمله في سعادة في الدنيا والآخرة.


نسأل الله تبارك وتعالى بمنِّه وكرمه أن يجعلنا من المؤمنين السعداء، وأن يقبضنا إليه ونحن شهداء، وأن يحشرنا مع النبيين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقًا، والحمد لله رب العالمين، وصل اللهم وبارك على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.

المصدر: موقع إمام المسجد