الزواج السياحي

منذ 2014-06-26

في فصل الصيف تكثر السفريات والسياحات، ويرافق ذلك أمور متعددة منها الحلال، ومنها الحرام، وقد اشتهر في زمننا هذا الزواج السياحي، أو ما يسمى المسفار، أو المصياف، وقد بلغ عدد حالات الزواج السياحي في دولة عربية في صيف واحد أكثر من أربعين ألفاً.


 عناصر الخطبة:
1. فوائد النكاح وأهميته.
2. الزواج شروط وأحكام
3. الزواج السياحي: حقيقته وحكمه.
4. أهمية فهم مقاصد الشريعة.
5. الشهوة العابرة.
6. حكم تنازل المرأة عن حقها.
7. فضيلة شهر شعبان.

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، الحمد لله الذي جعل لنا من أنفسنا أزواجاً لنسكن إليها، وجعل بيننا مودَّةً ورحمة، كما ذكر في كتابه، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} [سورة الروم:21].


- فوائد النكاح وأهميته:
فجعل لكم من جنسكم إناثاً لتسكنوا إليهن، استقراراً وثباتاً واطمئناناً، وجعل بينكم وبينهنَّ مودة ومحبة، ورأفة ومودة، فيحب كل واحد منهما صاحبه، ويميل إليه، ويأنس به ويطمئن، فيحصل سكن النفس، وكثرة الجنس والنسل والولد، ومتاع الحياة، وطمأنينة القلب، وتحصين الجوارح، إنها نعمة وراحة، وستر وصيانة، وسبب للذرية والولد، وبه تزول الوحشة، وتحصل به العفة، وترتاح به النفس، ويكون به التواصل عبر البشر إذ يتخذ من أهل زوجته أصهاراً، وهي كذلك مع أهل زوجها، ومن رحمة الله أن جعل لنا الليل لباساً لنسكن فيه، وقرن ذلك بالنساء، كما قال تعالى: {هُنَّ لِبَاسٌ لَكُمْ وَأَنْتُمْ لِبَاسٌ لَهُنَّ} [البقرة:187]، فكل فريق منكم يسكن إلى صاحبه ويلابسه، فيكون كالغطاء والستر له، فهو يسترها وهي تستره، ويعفها وتعفه، ولا يوجد بين اثنين من البشر في العلاقة كما بين الزوجين من الملابسة والمخالطة والمقاربة والسكن.


وكل هذه المصالح تدل على تعظيم أمر النكاح، وأنه ذو شأن عظيم في استقرار نفوس البشر، ولذلك شرَّعه الله؛ فهو الذي خلق النفس وغريزتها، وخلق الجسم وشهوته، وسمّى عقد النكاح ميثاقاً وعقداً غليظاً لازماً؛ ليوجب على كل من الطرفين الوفاء بمقتضاه، وسماه النبي صلى الله عليه وسلم في خطبته العظيمة كلمة الله، فقال يوم عرفة: «فاتقوا الله في النساء، فإنكم أخذتموهن بأمان الله، واستحللتم فروجهن بكلمة الله» [1].
فشرعت الخِطبة: وهي إظهار الرغبة في نكاح المرأة وطلبها من وليها، والإعلام بذلك؛ لتكون مدخلاً لهذا العقد العظيم.

 

وإذا عزم الرجل على خطبة امرأة، فالسنُّة أن يراها؛ لأن ذلك أدعى للمودة بينهما، وأدوم للألفة، وأبعد عن المفاجآت غير السارة، وإذا كان كُفئاً للمخطوبة وغلب على ظنه أنهم يقبلونه، جاز له النظر إليها، وهو نظر حاجة من رجل أجنبي إلى امرأة أجنبية، وإذا حصلت الإجابة لخاطب فلا يجوز لخاطب آخر أن يتقدم إليها أصلاً، إلا إذا ترك الأول أو أذن له [2]، لأن خطبة الرجل على خطبة أخيه من أسباب القطيعة والنفرة والوحشة، ولذلك حرمته الشريِّعة كما حرمت البيع على بيع أخيه، والشراء على شراء أخيه، والسوم على سوم أخيه [3]، والخِطبة ليست عقداً شرعياً ولا ملزماً، وإنما هو مجرد وعد بالزواج، فيظل كل من الخاطبين أجنبياً عن الآخر، لا تجوز الخلوة بينهما، ولا المصافحة والمماسة، ولا كذلك التبسط في الحديث في غير الحاجة؛ لأنه لا يزال أجنبياً، حتى لو قيل إنه لبس خاتم خطبة ونحو ذلك، ويحق لكل واحد منهما فسخ الخطبة إذا تبين له عدم صلاحية الآخر خلقاً أو ديناً، وما يقدمه الخاطب لمخطوبته قبل العقد قد يكون هدية، وقد يكون من المهر، فإذا كان هدية منه فإنها غير مستردة إذا فسخت الخِطبة منه، وإذا كان الفسخ منها ردوها إليه، وإذا كان المُعطى جزءاً من المهر مقدماً قبل العقد، فإنهم على هذا الشرط، والمعروف عرفاً كالمشروط شرطاً، وفي هذه الحالة فما قدم يعود للخاطب عند الفسخ إذا كان من جهته أو من جهتها، لأنه أمانة في يدها حتى يتم العقد، وهو جزء من المهر لا يحق لها إلا عند العقد.


وعقد النكاح يقتضي حل استمتاع كل من الطرفين بالآخر، وهذا شأن عظيم وخصوصاً في هذا الزمان، فيجب تيسير السبل إليه، وفتح الذرائع المؤدية إليه، وتذليل الصعوبات والعقبات، وإلا حصلت فتنة في الأرض، وفساد عريض كما وقع.


- الزواج شروط وأحكام:
ويجب الزواج على من يخاف على نفسه الزنا، ويأثم لو لم يسلك السبيل إلى ذلك، ويستحب مع وجود الشهوة وعدم الخوف من الزنا، ويحرم في دار الكفار الحربيين؛ لأن فيه تعريض لذريته للخطر واستيلاء الكفار عليهم، ولأنه لا يأمن على زوجته منهم.


وإذا حصل الإيجاب والقبول انعقد العقد، ولو كان هزلاً، بشهادة الشاهدين، والإيجاب والقبول من الولي والزوج، ورضا كل واحد منهما، فهذه شروط صحة النكاح، فلا يصح الإكراه.


وإذا زوجت المرأة نفسها بلا ولي فنكاحها باطل [4]؛ لأنه ذريعة إلى الفاحشة، ولأن المرأة تحتاج إلى نظر ولي، فمن ذا الذي سيستفسر ويسأل عنه، ومن الذي سينظر في المصالح، ومن الذي سيكون أدرى بالظروف المحيطة والعواقب، ولا ولاية لكافر على مسلم ولا مسلمة، وكذلك لا ولاية لمسلم على كافر أو كافرة، فلو كانت بنته كافرة لم يتولَّ عقد نكاحها، وكذلك لو كانت مسلمة من ولي لأب كافر بحثنا عن ولي بعده.


والولاية في النكاح على الترتيب تكون للأب، ثم الجد، ثم الولد، ثم الأخ، وهكذا، يذهب للولي الذي بعده إذا لم يصلح الذي قبله.

والعضل حرام، فلم يجعل الشرع الولاية والعقد بيد الولي ليحبس المرأة، أو ليجعلها كالبقرة الحلوب يأخذ مالها ويتفرج عليها عانسة، ويجب الإشهاد على النكاح، لقوله عليه الصلاة والسلام: «لا نكاح إلا بولي وشاهدي عدل» [5]، ويجب إعلانه لقوله عليه الصلاة والسلام: «أعلنوا النكاح» [6]، ولأن الإسرار يشابه السفاح، ومخالفة السفاح واجبة، وإعلانه بالشهود والزفاف ونحو ذلك من الوسائل المباحة في الأصل كالأنوار التي تجعل في البيوت مثلاً، وموكب العرس، ونحو ذلك من الوسائل مؤكدة شرعاً في النكاح.


وإذا تم العقد دون ذكر المهر؛ فالعقد صحيح، وللزوجة مهر المثل، يجب أداؤه عن طواعية وطيب نفس، كما قال تعالى: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً}[النساء:4]، وهو من آكد الأموال وجوباً في الإيفاء والعطاء والتسليم، لأنه استحل به ما كان حراماً عليه.

وكثرة الصداق قد تكون سبباً في البغض، خصوصاً إذا بقي يعاني منه مدة.
والكفاءة المعتبرة بين الزوجين هي كفاءة الدين، وما عدا ذلك ليس شرطاً في صحة النكاح، وقد تزوجت زينب من أسامة وهي القرشية، وهو مولى ابن مولى.


ويحرم تزوج الزانية؛ إلا إذا تابت، وكذلك لا يجوز أن يُزوج الزاني إلا إذا تاب، ولو فرض وقوع فاحشة بينهما، فلا يجوز العقد عليهما إلا بعد توبتهما وتبين براءة رحمها، ويحرم على الرجل أن يتزوج ممن طلقها ثلاثاً حتى يطأها زوج غيره بنكاح صحيح، بدون قصد التحليل، ولا يحل لمسلم أن يتزوج كافرة إلا الكتابية الحرة العفيفة، أما المسلمة فلا يجوز لها الزواج من كافر بأي حال من الأحوال، وقد شرطت أم سليم رضي الله عنها إسلام أبي طلحة ليكون ذلك مهراً لزواجها، ولا يجوز لامرأة أن تشرط على رجل طلاق ضرتها لتتزوجه، ولا يصح هذا الشرط، وأما إذا شرطت أن لا يتزوج عليها، أو لا يخرجها من دارها أو بلدها، أو أن يبقيها في الوظيفية، أو أن تكمل دراستها ونحو ذلك صح الشرط، فإذا أخل الزوج بالشرط فلا ينفسخ النكاح بمجرد ذلك، ولكن يثبت لها حق الفسخ، فإذا أرادت أن تفسخه فسخته، وإذا أرادت أن تمضي عليه مضت، فالأمر حينئذ يكون بيدها لمخالفة الزوج لشرطها.


- الزواج السياحي: حقيقته وحكمه..
عباد الله:
في فصل الصيف تكثر السفريات والسياحات، ويرافق ذلك أمور متعددة منها الحلال، ومنها الحرام، وقد اشتهر في زمننا هذا الزواج السياحي، أو ما يسمى المسفار، أو المصياف، وقد بلغ عدد حالات الزواج السياحي في دولة عربية في صيف واحد أكثر من أربعين ألفاً.


لكن ما هو هذا الزواج؟ وما هي طبيعته؟ فقد قامت أسواق الخَطَّابات، وهذا في مبدأ الأمر ليس عيباً، أو حراماً فإن الإعانة على النكاح بالمجان، أو بالمقابل لا حرج فيه، بل الإعانة عليه بالمجان قربة عظيمة إلى الله، ولكن قد صار هنا سوق وبازار، وصار هنالك صناعة كاملة.


لكن ماذا يوجد في الزواج السياحي؟ تعرض صور الفتيات على السياح في هذه الألبومات، والعمر، والطول، والوزن، ومن إجراءات المطار إلى هذا الذي يسمى مأذوناً، ومعه هذه الصور، بل والفتيات في بعض الأحيان، فيعقد بعضهم إذا نزل في البلد على امرأتين، أو ثلاثاً، أو واحدة لكي يطلقها في آخر السفرة، ويحصل التنافس، والسؤال، وتحتدم القضية في الرشاقة، والجمال، واللباقة، واللغات، ونحو ذلك.


وهذا الزواج المؤقت لا شك أنه مخالف لمبدأ الزواج في الإسلام؛ لأن من طبيعة وحقيقة الزواج في الإسلام الديمومة، والثبات، والاستمرار، والاستقرار، وأي حياة ترجى، وأي تربية لأولاد، وأي سكن نفسي، وأي عشرة هذه التي ستحصل بلا هذا المعنى، بل أصبحت قضية الزواج المؤقت مجرد شهوة عابرة.


والزواج المؤقت إذا اتفق عليه في المدة فهو زواج متعة مُحرّم بوحي الله تعالى، ولم يحل في تاريخ المسلمين على عهد النبي صلى الله عليه وسلم إلا مدة وجيزة لظرف وحال وقع جعله الله لأصحاب النبي صلى الله عليه وسلم برهة من الزمن، ثم نزل تحريمه في الوحي على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة، كما في الحديث الذي رواه الإمام مسلم في صحيحه [7]، وكان هذا في آخر عهد النبي صلى الله عليه وسلم فهو الناسخ لما قبله، وهو الذي استقر عليه الشرع، والذي حرمه هو محمد صلى الله عليه وسلم بأمر الله، ليس عمر رضي الله عنه ولا غيره كما يروج أعداء الدين والملة، فنكاح المتعة زنا، وإذا لم يحصل اتفاق على مدة فهو ينويه، بمعنى أن الزوج يعرف أنه سيطلق في آخر الإجازة، وتعرف هذه المرأة أو وليها أنه سيطلقها في آخر الإجازة بالعادة وما جرى عليه الوضع، فهذا أيضاً يعتبر نكاح متعة، وحال الزواج السياحي أن هؤلاء المصطافين ينزلون في البلد؛ ليعقدوا ويبقى معها أسبوعاً، أو أسبوعين، أو شهراً، وقبل أن تنتهي الإجازة يطلق ويمشي، فصار هذا في حكم المتعارف عليه؛ فيؤول هذا النوع إلى زواج المتعة في النهاية.


وأما إذا كان في نية الزوج وسره، وأهل الزوجة دخلوا معه على أنه مستقر دائم وثابت ومستمر؛ فيصح العقد، ويأثم الزوج لنيته الفاسدة وغشه، لأنهم لو علموا نيته لم يزوجوه.
وقد وصل الأمر ببعض الناس إلى ما يسمى بزواج (week End)، أو (نهاية الأسبوع)، والزواج السريع، وزواج سفرة العمل ونحو ذلك، أمور تكاد تزيد بموديلات الزواج عن موديلات الجوالات، وأصبح للزواج نكهات وأشكال وصور.


إن التلاعب بالشرع حرام، وهذا ميثاق غليظ، وعقد مؤكد، والله سبحانه وتعالى ذكر عظمته، وعظّمه نبيه صلى الله عليه وسلم لا ليكون ملعبة وهزءاً وهزلاً ومجرد تسلية، وشهوة عابرة، ولكن ليكون شرعاً بين الناس، وقانوناً يسيرون عليه، ليكون عقداً فيه استقرار، وذرية، وابتغاء الولد، كما قال تعالى: {فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ} [البقرة:187]، وليكون تقريباً بين الأسر وأطراف المجتمع، وعقداً للأواصر.


ولا شك أن أمثال هذه الزيجات هو خروج عما أراده الله تعالى، وفيها إهانة للمرأة، وضياع للذرية، فكم حصل بسبب هذا النوع من الزواج المؤقت من حمل بعد سفر الزوج يكتشف، فتراسله فينكر، ويقول: "وما يدريني أنه مني"!، وربما أنكر زواجه منها أصلاً، خصوصاً وأن القضية ليس فيها تلك الإثباتات المكتوبة، وإنما هي أشياء شكلية في كثير من الأحيان وشفوية، فيضيع نسب الولد، ونفقته، ونفقة أمه، ومستقبل الأولاد، وهكذا تعج بلدان بأولاد من سياح تركوهم وتخلوا عنهم، ويفتح باب البغاء، فهذه صارت مع هذا، وتنتقل إلى ذاك، ولا نكاح واضح، ولا طلاق واضح، ولا عدة واضحة، وإنما وطء بعضهم لنساء بعض، في عدد بعض، ووطء مشترك في بعض الأحيان، لأن القضية آلت إلى نوع تجارة اشترك فيها ضعاف النفوس من أولياء البنات، وساقوا بناتهم إليها، وصارت العملية توزيع هذا المحل الذي جعله الله في الأصل طاهراً، وفيه هذا العقد الذي جرى على استحلاله فيكون مشاعاً ومشتركاً والعياذ بالله.


عباد الله:
إن الزواج في الإسلام فيه إعلان، قال الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله:"ومن شرط الزواج الشرعي الإعلان فإذا كتمه الزوجان لم يصح، لأنه والحال ما ذكر أشبه بالزنا" [8]، ولكن إذا أعلنه في بلد لا يلزم أن يعلنه في بلد آخر، فإذا تزوج في بلد وعمل زفافاً ودعا إليه من دعا، وتم إعلان النكاح بعد العقد والشهود فلا يلزم أن يعلنه في بلد آخر. وقال سماحة المفتي الشيخ عبد العزيز آل الشيخ حفظه الله:"إن الزواج المؤقت للمسافرين متعة معلنة محرمة شرعاً" [9].


وقد يكون هذا الزواج السياحي مكتمل الشروط، فاسد المقاصد، فيوجد ولي، وشاهدان، وإيجاب وقبول، ورضا الطرفين، ولكن فيه مشابهة لنكاح المتعة في سياقه وآخره، وهو وسيلة للفسق والفجور، وضياع للأولاد، فباعتبار أضراره، وما يؤول إليه يحرم، لا باعتبار ابتداءه.


وأما إذا تزوج الرجل المرأة في بلد يخشى على نفسه فيه، ويقول: "إن طابت لي هذه المرأة فأنا أكمل معها النكاح، وإن حصل بيني وبينها مشكلات ونحو ذلك فارقتها"، فهذا لا حرج فيه، ولا يؤثر على صحة العقد، وكل نكاح هكذا، يتزوج الرجل المرأة  على أن تستمر العشرة وهذا هو الأصل، فإن صار وحصل ما حصل من المنغصات والمنكدات فارقها، وأما أن يتزوج بنية أن يطلق في المستقبل طالت المدة أم قصرت، والمرأة لا تعلم بهذه النية فالعقد صحيح، والزوج آثم؛ لأنه غش، وخداع، وقد قال عليه الصلاة والسلام: «المكر والخديعة في النار» [10].


نسأل الله تعالى أن يصلح أحوالنا، ويؤلف بين قلوبنا، ونسأله أن يدخلنا دار السلام، وأن يخرجنا من الظلمات إلى النور، أقول قولي هذا، واستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.


الخطبة الثانية:
الحمد لله، وأشهد أن لا إله إلا الله، وسبحان الله ولا حول ولا قوة إلا بالله، وأشهد أن محمداً عبد الله ورسوله، البشير النذير، والسراج المنير، والداعي إلى الله بإذنه، صلى الله عليه، وعلى آله، وصحبه أجمعين.
 

عباد الله:
- أهمية فهم مقاصد الشريعة:
فهم مقاصد الشريعة أمر عظيم، وتحقيق مقاصد الشريعة أمر لا بد منه، والامتناع عن كل ما يخالف مقاصد الشريعة ضروري للمسلم فإنما يؤدي إلى شيوع الفواحش، وتأجير الفروج، وانتهاك المحرمات، والسفر إلى بلاد الفسق والفجور، وتحويل البنات إلى تجارة، والفتاة إلى سلعة، وتتبع الرخص، والتحايل على عقد النكاح الشرعي، وترك الأولاد، أو التخلي عنهم، والاستجابة لهذه الإعلانات الكثيرة، وهذه التجارة القائمة التي نهايتها هذا الزنا المقنع، الذي يحط من القدر والشرف، والمنزلة والكرامة الآدمية، وقد قال الله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ} [الإسراء:70].


إن الإخلال بمفهوم الأسرة، ومفهوم الاستقرار في الحياة الزوجية، وتعريض البشر للمتاجرة، والمتاجرة أحياناً بطفلات صغيرات، والفشل لكثير من هذه الحالات، وكثرة المطلقات، بل تعليق الزوجات، لأنه قد يسافر ولم يطلق ويترك المرأة، أو يزعم الطلاق ولا إثبات على ذلك، فماذا ستفعل بنفسها بعد رحيله، والمسألة عندهم لا فرق، زوجوها لغيره بلا طلاق الأول، وينصرف الثاني، وتزوج الثالث، وهكذا، تتقلب بين الرجال في هذه المتاجرة المشؤومة.


وأيضاً فإن تضييع الولد حرام، والوقوع في عالم الضياع والابتزاز والانحراف والكآبة والجرائم هي عاقبة لكثير من هذه الحالات، والإخلال بالشروط الشرعية والأحكام الشرعية، وحصول الخلافات وأروقة المحاكم التي تعج بقضية نسب وإدعاء بنوة لأبوة شقية تركت وأهملت من أناس تزوجوا لمجرد هذه المتعة بالطريقة المحرمة، ومعاناة لهؤلاء الأولاد الذين يخرجون بلا نسب ثابت، ولا نفقة، مع شقاء اجتماعي يعرض هؤلاء الأولاد أنفسهم للانحراف مستقبلاً، والوقوع في الرذيلة، وأيضاً شماتة أعداء الله بالمسلمين، وسخرية المنافقين والعلمانيين من هذا الواقع، ولا يجوز لمسلم أن يجعل لمنافق أو كافر سبيلاً للشماتة بأهل الإسلام، ولذلك يسأل المسلمون ربهم أن لا يؤاخذهم بما فعل السفهاء منهم.


عباد الله:
- الشهوة العابرة:
إن قضية الشهوة العابرة يجب أن تحل، وأن يكون الحل شرعياً، ويكون قضاء الشهوة، وتصريفها بهذا النكاح الذي أحله الله تعالى، واسأل نفسك يا عبد الله إذا هويت شيئاً من هذا، فهل ترضى لابنتك ما تفعله مع بنات الناس، قال تعالى: {وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ} [البقرة:235].


وربما يقع صاحب ذلك في آفة يفضحه الله بها بين الخلق، وينبغي على الآباء أن لا ينساقوا في الطمع المادي فيخلِّوا بشروط النكاح، أو يدخلوا في مغامرات بحياة بناتهم تعود عليهن بالشقاء، وإقرار الأب بمتاجرة من هذا النوع مع ابنته يعتبر من الدياثة، والجنة تحرم على الديوث [11]، والله سائل كل راع عما استرعاه، والواجب على الصحبة أن ينصح بعضهم بعضاً، فإنه كثيراً ما يتواصى بعضهم مع بعض بمثل هذا.


وحقيقة الرجولة: أن يقوم الإنسان بالحقوق، وأن يصرف الشهوة فيما أباح الله، وأن يوافق مقاصد الشريعة، وأن يحقق شروط النكاح، وأن يقوم بالمسئولية إذ أن غالب هذه الأشكال من الزواجات تنم عن شيء واضح وهو إرادة الرجل لشهوة عابرة دون تحمل تبعات، ولا شك أن هذا أمر غير شرعي، فالدين يقوم على حقوق مشتركة، ومراعاة للحقوق.


- حكم تنازل المرأة عن حقها:
عباد الله:
إن تنازل المرأة عن شيء من حقها من أجل نكاح تستمر فيه مع الرجل، جاء به الكتاب والسنُّة، قال تعالى: {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ مِنْ بَعْلِهَا نُشُوزاً أَوْ إِعْرَاضاً فَلا جُنَاحَ عَلَيهِمَا أَنْ يُصْلِحَا بَيْنَهُمَا صُلْحاً} [النساء:128]، فتتنازل له عن بعض حقها، عن بعض ليالي المبيت، أو عن بعض النفقة، وتقول أكفيك بعضها، ولا حرج أن يكون هذا في أول الأمر، فهي تقول له زواج على الكتاب والسنُّة بنية الاستمرار والاستقرار، ولكن أحمل معك بعض النفقة، ولا أشرط عليك أن تأتيني في كل ليلة من ليلتين إذا كان له زوجة أخرى، فقد تشترط واحدة من ثلاث، أو من أربع، أو مرة واحدة في الأٍسبوع، ويوجد حالات كثيرة في المجتمع لنساء ربما لا يكون لهن سبيل للنكاح إلا بشيء من التنازل عن بعض حقها، ولكنه نكاح رغبة واستمرار واستقرار، وليس شهوة عابرة في نكاح مؤقت، وهذا التفريق مهم في إدراك ما هو زواج المسيار الشرعي، أو غير الشرعي؟ والأسماء غير مهمة سواء قيل: مصياف، أو مسفار، أو مسيار، ونحو ذلك.


والمصيبة أن بعض النساء صارت تزوج نفسها اليوم مدَّعية أنه عقد شرعي، ولذلك لا بد من إحياء قضية الولي ودوره، ومقاومة أهل النفاق في طرحهم القائم على إزالة سلطان الرجل عن المرأة بالكلية، وينبغي على الولي أن يعدل ولا يعضل، نسأل الله تعالى أن يجعلنا من الذين يعدلون في أهليهم وما ولوا.


عباد الله:
- فضيلة شهر شعبان:
شهركم شهر شعبان، كان يُسمى عند السلف شهر القُراء؛ لكثرة قراءة القرآن فيه استعداداً للإكثار في رمضان، فهو المفتاح شعبان: والمدخل لذلك الشهر العظيم، فينبغي الإكثار فيه من الصيام أيضاً استعداداً لرمضان، وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين، ففيه الرفع السنوي، فالأعمال ترفع إلى الله يومياً صبحاً وعصراً، وكذلك أسبوعياً، وكذلك سنوياً في شعبان، وإذا مات العبد طويت صحيفته ورفعت إلى الله.


اللهم تغمدنا برحمتك، واجعل الجنة مثوانا، وأجرنا من النار ومن غضبك يا جبار، اللهم يا رحمن، يا رحيم اجمع كلمتنا على الحق، اللهم إنا نسألك أن ترينا الحق حقاً وترزقنا اتباعه، وسع لنا في أرزاقنا ودورنا، وبارك لنا في ما آتيتنا، وأصلح لنا النية والذرية، واجعل ما آتيتنا عوناً على طاعتك وارزقنا طاعتك في الحضر والسفر والمنشط والمكره، اللهم إنا نسألك القصد في الغنى والفقر، وكلمة الحق في الغضب والرضا، اللهم اغننا ولا تطغنا، اللهم انشر الأمن والأمان علينا يا رب العالمين، سبحان ربك رب العزة عما يصفون وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

[1] رواه مسلم [1218].
[2] رواه مسلم [1408].
[3] رواه أبو داود [2081].وصححه الألباني.
[4] رواه أبو داود [2083].وصححه الألباني.
[5] رواه البيهقي [134496] والطبراني في الصغير[5564] والبيهقي [3/221] رقم [11]  وصححه الألباني في إرواء الغليل رقم [1839].
[6] رواه أحمد [15697]. وحسنه الألباني في صحيح الجامع.
[7 ] رواه مسلم برقم ([1406 ،[1407]).
[8] مجموع فتاوى ابن باز [20/432] 
[9] http://www.islammemo.cc/akhbar/arab/2009/08/17/86430.html
[10]  رواه البيهقي في الشعب [4887] وصححه الألباني.
[11] رواه أحمد[5349]. وصححه الألباني.

المصدر: موقع إمام المسجد

محمد صالح المنجد

أحد طلبة العلم والدعاة المتميزين بالسعودية. وهو من تلاميذ العالم الإمام عبد العزيز بن باز رحمة الله عليه.