شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (29) اسم الله العزيز
اقترن اسم الله العزيز مع الرحيم كثيرًا في سورة الشعراء وغيره ليعطينا معنى الكمال.. فهو عزيز في رحمته رحيم في عزته بلا ذل. لأن أحيانًا الرحمة إذا زادت عن حدها وعن قدرها تنقلب إلى ذل، فالأب مثلا من شدة رحمته بابنه قد يذل له أو لأجله حتى لا يصيبه شيء، فهو سبحانه وتعالى رحيم لكنه عزيز؛ لذلك فإن حبه دوما مشوب بالخوف، ليس الخوف الذي يبعدك عنه بل خوف الإجلال والمهابة، فهو معي رحيم ودود رؤوف لكنه عزيز قد يطردني عن جنابه في أي لحظة ولا يبالي!
العزيز لغة: يدور حول ثلاثة معانٍ: (القوة، والشدة، والغلبة).
منه قول الله تعالى {وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ} [ص من الآية:23]، يعني غلبني فيه، وقوله: {فَعَزَّزْنَا بِثَالِثٍ} [يس:14]، أي فقوينا وشددنا بثالث، (وعز الشيء) إذا قل أو ندر فهو شيء عزيز أي أصبح نادرًا
لذلك هذه صفة اختص الله بها نفسه فلا يشاركه فيها أحد لذلك قال: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:8]، استأثر بالعزة نفسه هو سبحانه وتعالى فله الغلبة وله القوة وله البأس سبحانه وتعالى.
وروده في القرآن
اسم الله العزيز ورد كثيرًا في القرآن، ورد اثنتين وتسعين مرة. ولا شك أن في هذا إشارات، فورود الاسم وتكراره بهذا الشكل لابد أن يكون له حكمة. واقترن بأسماء كُثر
فاقترن أحيانًا باسمه الحكيم {وَاعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [البقرة من الآية:260].
واقترن بالعليم {ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ} [الأنعام من الآية:96].
واقترن بالغفور {إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُورٌ} [فاطر من الآية:28].
واقترن بصفة (الانتقام المنتقم) سبحانه وتعالى يقول الله جل وعلا: {وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ} [آل عمران من الآية:4]، واقترن باسم الله الغفار: {رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الْعَزِيزُ الْغَفَّارُ} [ص:66]، واقترن باسمه الحميد {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ} [البروج :8]
معنى الاسم في حق الله تعالى:
يقول ابن جرير: العزيز أي الشديد في انتقامه ممن انتقم من أعدائه لذلك قال: {وَمَا نَقَمُوا مِنْهُمْ إِلَّا أَنْ يُؤْمِنُوا بِاللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ}، آمنوا بالعزيز فمالهم ينقمون عليهم؟ آمنوا بالحميد وشكروا أنعم الله عليهم، أهذا ما نقموه عليهم؟!
قال ابن كيسان: "معناه الذي لا يُعجزه شيء، ألم يقل الله: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كَانَ عَلِيمًا قَدِيرًا} [فاطر:43].
قالوا العزيز الذي لا مثل له ألم يقل: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11].
يقول ابن القيم في النونية:
وهو العزيز فلن يُرام جنابه *** أنى يُرام جناب ذي السلطان
وهو العزيز القاهر الغلاب لم *** يغلبه شيء هذه صفتان
وهو العزيز بقوة هي وصفه *** فالعز حينئذ ثلاث معان
وهي التي كملت له سبحانه *** من كل وجه عادم النقصان
ومن معاني العزيز: الندرة ونفاسة القدر، وهو سبحانه وتعالى لا يعادله شيء ولا مثل له ولا نظير له.
حظ المؤمن من اسم الله العزيز:
إذا علم العبد أن الله العزيز الذي لا يُغلب ولا يقهر يتولد في نفسه شجاعة وثقة كبيرة بالله سبحانه وتعالى؛ فهو عبد العزيز الذي لا يغلب سبحانه ولا يقهر، لذا تجد بعض الصالحين حين يتعاملون مع الأمراء والسلاطين يتعاملون بثقة وصمود وشموخ ولا يخشون في الله لومهم أو بطشهم..لسان حالهم يقول: قد لذنا بالعزيز القهار فمن علينا؟!
من معاني اسم الله العزيز واتصافه بالعزة أنه لا يخذل أحدًا ارتمى بجنابه والعكس صحيح، إذا ارتميت أنت على أبواب خلقه ذُللت ولابد لأنه لا يصح أن تتعزز بغيره؛ ولذلك قالوا أبى الله إلا أن يذل من عصاه، فإذا خالفت أمره وحِدْتَ عن طريقه ذللت وما كانت لك العزة.
وإذا أردنا أن نبحث عن أسباب ذل المسلمين اليوم فعلينا البحث حول هذا المعنى، فلقد فقد المسلمين أهم ما ينبغي أن يتقووا به، ألا وهو: الثقة بالله سبحانه وتعالى والتعزز به.
إن من يتصف بهذه الصفة وهو مؤمن بها تمام الإيمان يحيا بين البرية رافعا لرأسه شامخًا صامدًا، يمضي في الأرض لا يخشى في الله ملكًا ولا سلطانًا ولا لومة لائم، يتضف بالشجاعة المحمودة لا التهور ولا الطيش، شجاعته تحمل معنى الحكمة والثقة والصمود والشموخ، شجاعة لا تعرف الجبن ولا الارتجاف ولا التذبذب ولا الاضطراب، وانظر في قصص الرسل والأنبياء عليهم أفضل الصلوات والتسليم ترى ذلك واضحًا جليًا.
انظر في قصة موسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام:
حين حاول فرعون أن يمنع خروج هذا الصبي إلى الدنيا بأن أمر بقتل جميع الذكور من بني إسرائيل لأنه علم أنه سيخرج فيهم نبي ينتزع منه ملكه، يأبى العزيز إلا أن يتم نوره ولو كره الكافرون، فيولد موسى، ثم يكون من كمال قهره وغلبته وبيان عزته سبحانه وتعالى أن يتربى موسى عليه السلام في قصر فرعون، وفي بيته وتحت رعايته، ولما حاول أن يقتله أهلكه الله هو وقائده وهامان وجنوده أجمعين، فكان نتاج ذلك: {..إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:62]، الثقة العالية في قلب سيدنا موسى.
وهكذا الأمر بالنسبة ليوسف عليه السلام:
أراد إخوته قتله في أول الأمر ولم يكن لهم سبيل لذلك، إذ خالف مرادهم مراد العزيز الذي متى ما أراد امرًا أتمه وأمضاه، ثم يأتي فتح الله عليه ويُمكن له ببلاد مصر والحكم بها، ولما حاول اليهود قتل عيسى عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: {..بَلْ رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:158].
وهكذا كان الأمر أيضًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم حين مكر به الكفار ليقتلوه أو يحبسوه أو يخرجوه من بلدته {...وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ} [الأنفال:30]، وحاولوا أن يصدوا الناس عن الإيمان به وبدعوته وحاربوه وألبوا عليه القبائل لكن يأبى الله العزيز إلا أن يفتح على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا} [الفتح:1].
إن العزيز في الدنيا والآخرة هو من أعزه الله:
{..وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَىٰ كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران:26]، فمن طلب العز فليطلبه من رب العزة: {مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا..} [فاطر:10]، من كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تحصل له العزة، فمع عظم الطاعة تزداد العزة، ولذا فأعز الناس هم الأنبياء ثم الذين يلونهم من المؤمنين المتبعين لهم وعزة كل أحد بقدر علو رتبته في الدين، فإنه كلما كانت هذه الصفة فيه أكمل كان أشد عزة وأكمل رفعة: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ..} [المنافقون:8].
وإذا استبدل طاعته بذنوب ومعاصي فلا يعجب إذا وجد ذلة وصغار خاصة إذا كانت ذنوب كالكبر والعجب، فصاحبها يأبى الله العزيز إلا أن يذله حتى يعرف قدر نفسه.
العزيز لا عزيز عنده، فإياك والتعزز:
يقع الكثيرون في هذه المخالفة خاصة في بداية الطريق، تجده لما يفتح له في الطاعة ويستقيم ويستشعر قدره عند الله ويفرح بحاله يتهاون بعدها في المخالفة ظنّا منه أن ما بينه وبين الله يشفع له، أو أن الله لن يؤاخذه بها وسيتجاوز عنه فهو حبيبه، وهذا معنى خطأ ويؤتى منه الكثيرون، إذ ان أخطاء المقربين أعظم عند الله من غيرهم وعقوباتها أشد.
انظر إلى قول الله تعالى في يونس عليه السلام: {فَلَوْلَا أَنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُسَبِّحِينَ لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [الصافات:143-144]، لولا أنه قال هذا الدعاء لم يكن له أي شيء، ويونس من؟ إنه نبي. ورغم ذلك نبوته لم تشفع له عند الله حينما تصرف دون إذن وخرج من قريته إلى أخرى.
وانظر إلى قول الله عز وجل في حق حبيبه خليله رسول الله: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ . فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} [الحاقة:44-47]، هذا هو النبي.. والله يفصل في الآية ما سيفعله به إن خالف وتقول: {وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الْأَقَاوِيلِ . لَأَخَذْنَا مِنْهُ بِالْيَمِينِ . ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الْوَتِينَ} وهو العرق الذي يُذبح في الرقبة، وهذا التفصيل فيه شدة بلا شك {فَمَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حَاجِزِينَ} ولن ينفعه أحد منكم، فانظر إلى الشدة في الخطاب والشدة في الأخذ ومع من؟ مع الأنبياء. فكيف بك لو خالفت، أو تعززت؟
حتى تحصل العزة فعليك بأسبابها:
- الذل للمؤمنين والتواضع والعفو، يقول صلى الله عليه وسلم: «ما نقصت صدقة من مال، وما زاد الله عبدًا بعفوٍ إلا عزًا، وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله» (صحيح مسلم)، يزداد قدره تعززًا وقوة: «وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله»، فمن عفا عن شيء مع قدرته على الانتقام عُظم في القلوب في الدنيا أو في الآخرة. وهكذا شأن التواضع.
اقتران اسم الله العزيز باسمه الرحيم:
اقترن اسم الله العزيز مع الرحيم كثيرًا في سورة الشعراء وغيره ليعطينا معنى الكمال.. فهو عزيز في رحمته رحيم في عزته بلا ذل. لأن أحيانًا الرحمة إذا زادت عن حدها وعن قدرها تنقلب إلى ذل، فالأب مثلا من شدة رحمته بابنه قد يذل له أو لأجله حتى لا يصيبه شيء، فهو سبحانه وتعالى رحيم لكنه عزيز؛ لذلك فإن حبه دوما مشوب بالخوف، ليس الخوف الذي يبعدك عنه بل خوف الإجلال والمهابة، فهو معي رحيم ودود رؤوف لكنه عزيز قد يطردني عن جنابه في أي لحظة ولا يبالي!
هاني حلمي عبد الحميد
حاصل على ليسانس دار العلوم وحضر الماجستير في فقه وأصول أحد الفقهاء السبعة.
- التصنيف: