الغنيمة يا أهل الإيمان

منذ 2014-07-01

إخواني: حافظوا على شهركم وأكثروا فيه من طاعة ربكم لعلكم تُكتبون فيه من الفائزين. حافظوا على صيامكم مما يخل به أو يفسده من الأعمال السيئة والأقوال الآثمة، فاحفظوا أسماعكم عن سماع ما حرم الله من الأغاني وقول الزور والغيبة والنميمة، واحفظوا أبصاركم عن رؤية ما حرم الله عليكم من المناظر الفاتنة، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، واحفظوا ألسنتكم من قول الزور وشهادة الزور والغيبة والنميمة والشتم والسباب، فإن سابك أحد فلا ترد عليه بالمثل بل قل إني صائم، فليس الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب فقط، بل هو إمساك كذلك عن كل ما حرم الله


إن لله نفحات، ومن هذه المنح والنفحات التي طالما امتن الله بها على عباده هذا الشهر الكريم العظيم الذي أنزل فيه القرآن. هذا الشهر الذي فيه ليلة واحدة هي خيرٌ من ألف شهر، قال صلى الله عليه وسلم: «أتاكم رمضان، شهر مبارك فرض الله عز وجل عليكم صيامه، تُفتح فيه أبواب السماء وتُغلق فيه أبواب الجحيم، وتُغل فيه مردة الشياطين، لله فيه ليلة خير من ألف شهر، من حرم خيرها فقد حرم» (رواه النسائي).

هذه واحدة من المنح التي يمنحنا الله إياها لكي ننال بها جنة عرضها السماوات والأرض، فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومع ذلك يمر رمضان على بعض المسلمين هداهم الله كغيره من الشهور بل إنه وللأسف قد يكون أسوأ حالاً عند البعض، روى الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «رغم أنف رجل ذكرت عنده فلم يصل علي، ورغم أنف رجل دخل عليه رمضان ثم انسلخ قبل أن يغفر له، ورغم أنف رجل أدرك عنده أبواه الكبر فلم يدخلاه الجنة».

فيا أمة محمد صلى الله عليه وسلم هذا موسمكم قد حل، وضيفكم قد أطل، فأين كرم الضيافة وأنتم أهل الكرم؟ وأين البشاشة والفرح وضيفكم خير الضيوف؟ إن من أدرك رمضان وهو في عافية، لفي نعمة عظيمة عليه شُكرها، وشكر هذه النعمة يكون بفعل الطاعات واجتناب المحرمات. عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: «كان رجلان من بني قضاعة أسلما على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستشهد أحدهما وأُخر الآخر سنة، فقال طلحة بن عبيد الله: فرأيت المؤخر منهما أُدخِلَ الجنة قبل الشهيد، فتعجبت لذلك، فأصبحت فذكرت ذلك للنبي أو ذُكر ذلك للنبي، فقال: أليس قد صام بعده رمضان وصلى ستة آلاف وكذا ركعة -صلاة سنة-» (رواه أحمد).

معاشر الأحباب: إن البركات تتنزل في هذا الشهر الكريم، فهل من راغب؟ والرحمات تتنزل في هذا الشهر، فهل من تائب؟ هذه أنهار الخير وبحاره تتدفق في ليالي هذا الشهر الكريم، فأين الجادون؟ هل من مشمر للطاعة، باذل لمهر الحور العين؟ ليالٍ تمر وتمضي كلمح البصر، ويذهب الجهد والتعب وتبقى حلاوة الطاعة، فهذا الثمن يا خاطب الحور، ومن يخطب الحسناء لم يُغلها المهر، صيام وقيام وصدقة وتلاوة قرآن ومجالس ذكر وغير ذلك من أعمال البر والطاعة، والثمن الجنة إن شاء الله.

أيها الإخوة: ولو نظرنا حولنا لوجدنا أن بعضاً ممن أدرك رمضان الماضي أصبح من أهل القبور، أتاهم هادم اللذات ومفرق الجماعات وآخذ البنين والبنات، فاختطفهم من بين أيدينا، أسكتهم والله فما نطقوا، وأرداهم فما تكلموا، كأنهم والله ما ضحكوا مع من ضحك، ولا أكلوا مع من أكل، ولا شربوا مع من شرب.
 

كم كنت تعرف ممن صام في سلفٍ *** من بين أهل وجيران وإخوان
أفناهم الموت واستبقاك بعدهمُ *** حيَّاً فما أقرب القاصي من الداني

اللهَ الله في صلاة القيام -التراويح-، فكما أن شهر رمضان شهر الصيام، فهو كذلك شهر القيام قال تعالى في صفة عباده المحسنين: {كَانُواْ قَلِيلاً مّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الذاريات: 17]. وقال صلى الله عليه وسلم: «من قام رمضان إيماناً واحتساباً غُفر له ما تقدم من ذنبه» (رواه الشيخان). وقال صلى الله عليه وسلم: «من قام مع الإمام حتى ينصرف كتب له قيام ليلة» (رواه أهل السنن).

إخواني: حافظوا على شهركم وأكثروا فيه من طاعة ربكم لعلكم تُكتبون فيه من الفائزين. حافظوا على صيامكم مما يخل به أو يفسده من الأعمال السيئة والأقوال الآثمة، فاحفظوا أسماعكم عن سماع ما حرم الله من الأغاني وقول الزور والغيبة والنميمة، واحفظوا أبصاركم عن رؤية ما حرم الله عليكم من المناظر الفاتنة، فإن النظر سهم مسموم من سهام إبليس، واحفظوا ألسنتكم من قول الزور وشهادة الزور والغيبة والنميمة والشتم والسباب، فإن سابك أحد فلا ترد عليه بالمثل بل قل إني صائم، فليس الصيام هو الإمساك عن الطعام والشراب فقط، بل هو إمساك كذلك عن كل ما حرم الله. لا تنسَ إخوانك الفقراء والمساكين والمحتاجين فالصدقة في رمضان مضاعفة والساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله.

ليكن لك أخي مع القرآن وقفات وتأملات فهو شهر القرآن، عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن فلرسول الله صلى الله عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة" (البخاري: 6، مسلم: 2308). لقد كان القرآن أنيسه وسميره صلى الله عليه وسلم في رمضان.

وفقنا الله وإياكم لاغتنام رمضان وجعلنا وإياكم من المعتوقين فيه من النار آمين آمين.

 

 أمير بن محمد المدري