تعظيم قدر الصلاة

منذ 2014-07-03

أَهلُ الصَّلاةِ هُم أَهلُ الخَشيَةِ مِنَ اللهِ وَالخَوفِ مِن لِقَائِهِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُمُ الرَّاعُونَ لِلأَمَانَاتِ المُوفُونَ بِالعُهُودِ.

الخطبة الأولى

الحمد لله...

فلقد عظم الله شأن الصلاة تعظيمًا، فعرج بنبيه لأجلها تمييزًا لفرضها وتأكيدًا، وتنزلت الآيات الكريمة بها، ونطقت الأحاديث الشريفة بمكانتها وفضلها، وبيان صفتها؛ هداية للعباد إلى إقامتها وإرشادًا.

الصلاة عمود الدين وركن الإسلام الركين، هي الصلة بين العبد وربه، والعهد بين الله تعالى وخلقه، إنها وصية النبي صلى الله عليه وسلم لأمته وهو يفارق الحياة ويقول: «الصلاة الصلاة» (صحيح مسلم)، إنها العبادة التي لا تسقط عن أهل الأعذار، كل يصليها حسب طاقته، لا غنى عنها لمريض أو مسافر أو خائف، هي العبادة التي تتكرر في اليوم خمس مرات، ما لا يتكرر غيرها من الطاعات الواجبات.

هي العبادة التي أمر النبي صلى الله عليه وسلم الآباء أن يأمروا أبناءهم بها حتى قبل بلوغهم سن التكليف فقال:  «مروا أبناءكم بالصلاة لسبع» (مسند أحمد).


كَثرَةُ الخُطَا إِلَيهَا رِفعَةٌ لِلدَّرَجَاتِ وَمَمحَاةٌ لِلسَّيِّئَاتِ، وانتِظَارُهَا رِبَاطٌ، وهِيَ آخِرُ مَا يَبقَى مِنَ الدِّينِ.

الصلاة شريعة الأنبياء والمرسلين، التي أوحى الله بها إليهم فقال: {وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَ‌اتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاءَ الزَّكَاةِ} [الأنبياء:73].

دعا إبراهيم ربه بإقامتها لنفسه ولذريته فقال: {رَ‌بِّ اجْعَلْنِي مُقِيمَ الصَّلَاةِ وَمِن ذُرِّ‌يَّتِي} [إبراهيم:40].

امتدح الله إسماعيل حيث أمر أهله بها فقال: {وَاذْكُرْ‌ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ ۚ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَ‌سُولًا نَّبِيًّا . وَكَانَ يَأْمُرُ‌ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَ‌بِّهِ مَرْ‌ضِيًّا} [مريم:54-55].

توعد الله على التهاون فيها بأليم العذاب وشديد العقاب، فكيف الوعيد على تركها أو جحودها؟ فقال تعالى: {فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ ۖ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا} [مريم:59] وقال سبحانه: {فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ} [الماعون:4-5].

أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، تركها من أعظم الأسباب الموجبة لدخول النار عياذًا بالله، يقول الله تعالى: {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَ‌هِينَةٌ . إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ . فِي جَنَّاتٍ يَتَسَاءَلُونَ . عَنِ الْمُجْرِ‌مِينَ . مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ‌ . قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ} [المدثر:38-43].

كثيرة فوائدها عزيزة غزيرة عوائدها:

راحة للنفس وطمأنينة للقلب، قرة عين النبي صلى الله عليه وسلم وقرة أعين المؤمنين، إذا حضر وقت الصلاة خاطب النبي صلى الله عليه وسلم بلالًا ليؤذن قائلًا: «أرحنا بها يا بلال» وكان يقول: «وجعلت قرة عيني في الصلاة».

الصلاة الصلاة، فإنها السلوى من الهموم والأحزان: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا حزبه أمر فزع إلى الصلاة.

الصلاة الصلاة، فإنها العون على الشدائد والصعاب، يقول تعالى: {وَاسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ‌ وَالصَّلَاةِ} [البقرة:45].

الصلاة الصلاة، فإنها السبب لتحصيل الرزق الطيب الحلال، يقول تعالى: {وَأْمُرْ‌ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ‌ عَلَيْهَا ۖ لَا نَسْأَلُكَ رِ‌زْقًا ۖ نَّحْنُ نَرْ‌زُقُكَ} [طه:132].

الصلاةُ الصلاة فإنها الوسيلة الكبرى لحِفظِ الأمن والقضاء على الجريمة، والتربية على العِفّة والفضيلة، {وَأَقِمِ الصَّلَاةَ ۖ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ‌} [العنكبوت:45].

الصلاةُ الصلاة عباد الله، فإنها الصفاء والطهر، والنقاء للحياة والعمر، ففي الحديث: «أرأيتم لو أنَّ نهرًا بباب أحدكم يغتسل فيه كلَّ يوم خمسَ مرّات، هل يبقى من درنه شيء»؟! قالوا: لا يبقى من درنه، قال: «فذلك مَثَل الصلوات الخمس؛ يمحو الله بهنّ الخطايا» (متفق عليه).

الصلاةَ الصلاة فإنها النور الذي يضيء الله به ظلمات الدنيا وظلمات القبر والآخرة، ففي الحديث: «الصلاة نور».

الصلاة الصلاة، فإنها سبب النصر والتمكين والطمأنينة والأمان، يقول تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْ‌ضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُ‌وا بِالْمَعْرُ‌وفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ‌} [الحج:41].

والإنسان هلوع بطبعه؛ جزوع في الضراء، منوع في السراء، ولا يخلصه من هاذين النقصين ولا يسلمه من هذين الشقاءين إلا الدوام على الصلاة، يقول الله تعالى: {إِنَّ الإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا . إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا . وَإِذَا مَسَّهُ الخَيرُ مَنُوعًا . إِلاَّ المُصَلِّينَ . الَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم دَائِمُونَ} [المعارج:19-23].

وذكرت الآيات جملة من الصفات الكريمة تباعًا، ثم ختمتها بالمحافظة على الصلاة بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ هُم عَلَى صَلاتِهِم يُحَافِظُونَ} [المعارج:23] كما بدأتها بالمداومة عليها؛ تأكيدًا وتعظيمًا، وتنبيهًا إلى أَنَّ الصَّلاةَ هِيَ بِدَايَةُ الخَيرِ وَنِهَايَتُهُ، وَأَوَّلُ الفَلاحِ وَآخِرُهُ، وَمُنطَلَقُ الكَمَالِ وَغَايَتُهُ، فَأَهلُ الصَّلاةِ هُمُ المُؤَدُّونَ لِحُقُوقِ المَالِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُم أَهلُ الخَشيَةِ مِنَ اللهِ وَالخَوفِ مِن لِقَائِهِ، أَهلُ الصَّلاةِ هُمُ الرَّاعُونَ لِلأَمَانَاتِ المُوفُونَ بِالعُهُودِ، أَهلُ الصَّلاةِ، هُمُ الحافِظُون للأعراض الغَاضُّون للأَبصَارِ عن الحرمات، ولذلك استحقوا من الله الرفعة والكرامة حيث قال فيهم: {أُولَئِكَ في جَنَّاتٍ مُكرَمُونَ} [المعارج:35].


الخطبة الثانية

الحمد لله...

فإن للصلاة شروطًا وأركانًا وواجبات، وسننًا ومستحبات ومبطلات، بمراعاتها تحصل إقامتها والاقتداء بالنبي صلى الله عله وسلم فيها حيث قال: «صلوا كما رأيتموني أصلي» (صحيح الجامع) واجب مؤكد تعلم ما لا تصح إلا به.

الخشوع لله روحها، وهو ميدان يتنافس فيه المتنافسون، ويتفاوت فيه المصلون، ورب اثنين تصافا للصلاة، وبين صلاتيهما كما بين السماء والأرض، وفي الحديث: «إن العبد ليصلي، وليس له من صلاته إلا نصفها، ثلثها، ربعها سدسها، تسعها، عشرها».

ومن إقامتها عباد الله أداؤها في الجماعة لمن كان مقيمًا وخلا من الأعذار، فلحضورها في الجماعة شرع بناء المساجد، والأذان لحضور الصلاة إليها، والله تعالى يقول: {وَارْ‌كَعُوا مَعَ الرَّ‌اكِعِينَ} [البقرة:43].

فالله الله في مجاهدة النفس والشيطان على إقامتها، وتعلم الصفة الشرعية التي لا تصح إلا بها، فقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلًا يصلي ولا يطمئن في صلاته، فكان كلما سلم من صلاته وجاء للسلام على النبي صلى الله عليه وسلم يقول له: «ارجع فصل فإنك لم تصل» (صحيح البخاري).

{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَىٰ وَقُومُوا لِلَّـهِ قَانِتِينَ} [البقرة:238].

 

محمد أكجيم