شرح وأسرار الأسماء الحسنى - (31) اسم الله المقيت

منذ 2014-07-03

والمقيت -بمعني المقتدر- هو الذي يمد الإنسان بما يحتاجه من طعام ويهيئ له هذا الطعام بكيفية تتوافق مع طبيعة جسده وأجهزته الحيوية، وبما ييسر للجسد الانتفاع به، فسبحانه هو المقيت المقتدر علمًا وقوة، مقتدر علمًا: فيعلم ما الذي يفيدك ويرسله لك قوتًا ورزقًا لبدنك وروحك، ومقتدر قوة: يهيئ الأسباب لتقبل هذا القوت فتتقبله روحك ويتقبله جسدك.

ورود الاسم في القرآن:
الله جل في علاه سمى نفسه المقيت فى موضع واحد في القرآن الكريم وهو قوله تعالى: {مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا} [النساء:85]. وورد هذا الاسم مطلقًا منونًا مقرونًا بمعاني العلو والفوقية، وانطبقت عليه الشروط التي وضعها أهل العلم في إحصاء الأسماء، فعلى هذا يكون هذا الاسم ثابت بالكتاب.

معنى اسم الله المقيت:
المقيت: من القوت، اسم فاعل للموصوف بالإقاتة. فعله: أقات، وأصله: قات يقوت قوتًا.
والقوت في اللغة هو ما يمسك الرمق من الرزق، يقال: قات الرجل أي أعطاه قوته.
ويطلق على الشيء المدخر المحفوظ الذي يقتات منه حين الحاجة فيسمى قوتًا، كالطعام الضروري الذي تدخره في بيتك تأكل منه وأسرتك، أما الشيء الزائد عن الحاجة فلا يسمى قوتًا.

وبهذا يكون القوت على دربين: (قوت للأبدان، وقوت للأرواح).
فالماء والطعام المتنوع قوت ضروري للبدن وبنسب محددة لو قلت هلك البدن، وكذلك القلب له قوته الضروري الذي بدونه يهلك ويموت، وقال بعض أهل العلم: "المقيت يأتي بمعني المقتدر"، قال الزجاجي رحمه الله: "المقيت المقتدر على الشيء"، يقال: أقات على الشيء اذا إقتدر عليه وهو بذلك صفة ذات، أما إذا جاء بمعنى الذي يعطي القوت فيكون صفة فعل.

والمقيت -بمعني المقتدر- هو الذي يمد الإنسان بما يحتاجه من طعام ويهيئ له هذا الطعام بكيفية تتوافق مع طبيعة جسده وأجهزته الحيوية، وبما ييسر للجسد الانتفاع به، فسبحانه هو المقيت المقتدر علمًا وقوة، مقتدر علمًا: فيعلم ما الذي يفيدك ويرسله لك قوتًا ورزقًا لبدنك وروحك، ومقتدر قوة: يهيئ الأسباب لتقبل هذا القوت فتتقبله روحك ويتقبله جسدك.



وبعضهم قال المقيت (الحافظ)، قال أبو عبيدة: "هو الحافظ أي الذي يحفظ لك الجسم بحفظه لما يقومه من طعام وشراب"، وهذا يتماشى مع اسمه القيوم الذي به قيام كل شيء.

كذلك قالوا المقيت هو: "من شهد النجوى فأجاب وعلم البلوي فكشف واستجاب"، شهد همس القلب قبل أن ينطق اللسان فأجاب ولما نطق اللسان استجاب.

ومن المعاني كذلك ما قاله الشيخ السعدي رحمه الله: "المقيت هو الذي أوصل إلى كل موجود ما به يقتات، أوصل إليها أرزاقها وصرفها كيف شاء بحكمته وحمده، هو المقيت تلخيصًا، هو القدير على كل شيء، المعطي الأقوات للخلق صغيرهم وكبيرهم قويهم وضعفيهم، غنيهم وفقيرهم، {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا وَيَعْلَمُ مُسْتَقَرَّهَا وَمُسْتَوْدَعَهَا كُلٌّ فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} [هود:6]، قدر الله ذلك كله عند خلقه للأرض {وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ} [غافر:10]".

الله قدر الأقوات والأرزاق وجعلها في خزائن وأوكل بها خازن لا يفتحها إلا بإذن المقيت.
يقول ابن كثير رحمه الله: "قدر فيها أقواتها أي ما يحتاج أهلها إليه من الأقوات والأرزاق والأماكن التي تغرس وتزرع".

الفرق بين اسم الله المقيت واسمه الرزاق:
يذهب الإمام الغزالي رحمه الله إلى أن المقيت هو خالق الأقوات وموصلها إلى الأبدان والقلوب، وبهذا يشبه في المعنى اسم الله الرزاق غير أنه أخص، فالرزاق يرزق القوت وغيره وأوسع منه. فالرزاق أعم من المقيت.

كيف ندعو الله تعالى بإسمه المقيت:
من دعاء المسألة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يقول: «اللهم ارزق آل محمد قوتًا» (صحيح البخاري:6460)، لأن الرزق هو القوت وزيادة عليه، لكن النبي لا يريد إلا القوت الضروري الذي يسد الحاجات الأساسية، يعني طعام يقيم البدن، وملبس يستر وبيت بسيط وزوجة صالحة ومركب ييسر الترحال..أما عيشة المترفين المنعمين، ما للمؤمن ولها؟!

ومن هذا المعني دعاء سيدنا إبراهيم: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ} [إبراهيم:37]، فكأنه يقول أعطيهم الرزق الطيب الذي يقيم أبدانهم.

المعاني الإيمانية التي نستخلصها من اسم الله المقيت:
1- ألا نأكل إلا الحلال الطيب، فالله يطعمنا الطيب ويسقينا الطيب وما أحل لنا إلا الطيب، ولن يقبل منا إلا الطيب.. فأطب مطعمك وكل الحلال.

فالحلال الطيب من أعظم القربات عند الله، قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إن الحلال بين والحرام بين وبينهما أمور مشتبهات لا يعلمهن إلا الله فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع في الشبهات وقع في الحرام كالراعي يرعى حول الحمى يوشك أن يرتع فيه ألا وإن لكل ملك حمى ألا وإن حمى الله محارمه ألا وإن في الجسد مضغه إذا صلحت صلح الجسد كله وإذا فسدت فسد الجسد كله ألا وهي القلب» (صحيح مسلم:1599)، قال العلماء: "أن في هذا الحديث إشارة إلى أن طيب المطعم من أعظم أسباب تقوية القلب وزيادة رصيد الإيمان، وأن من أعظم مهلكات القلب ومفسدات أحوال الإنسان أكل الحرام"، لذا وجب على الإنسان التحري.

وروي أن سفيان الثوري كان يتحرى الحلال من الرزق حتى عانى أولاده الفقر، فجاءه رجل بسرة مال ورجاه أن يقبلها منه، فقبلها سفيان وبعد قليل ردها إليه خشية الشبهة، فقال له أحد أولاده: "يا أبت أليس لك أولاد بحاجة لهذا المال؟: فقال سفيان: "أتريد أن تأكل وتتنعم ويُسأل أبوك يوم القيامة؟!"، فهكذا شأن سلفنا الصالح كانوا يتورعون في مسألة أكل الحلال.

2- شاهد المنعم في نعمته:
كان أحد السلف إذا أمسك بتفاحة قال: "سبحان الله"! وكانوا يتعجبون من دقة خلق الرمان.
فتفكر في طعامك وشرابك، قال الله تعالى: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ . فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ . أَنَّا صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا . ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا . فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا . وَعِنَبًا وَقَضْبًا . وَزَيْتُونًا وَنَخْلًا . وَحَدَائِقَ غُلْبًا . وَفَاكِهَةً وَأَبًّا . مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ} [عبس:23-32].

وفي هذه الآية فائدة جميلة، يقول العلماء أن النفي في قوله تعالى: {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ . فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ} نفي الأمر في الحال مع توقع حدوثه في المستقبل، مثل قوله تعالى: {قَالَتِ الْأَعْرَابُ آَمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الْإِيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات:14]، نفى الإيمان عنهم وأثبت لهم الإسلام مع توقع حدوث الإيمان مستقبلا، كذلك {كَلَّا لَمَّا يَقْضِ مَا أَمَرَهُ}، فهذا الإنسان الكفور الجحود ما امتثل لأمري لكن متوقع حدوثه شريطة أن ينظر إلى طعامه، أن ينظر إلى النعم، فلو نظر سيمتثل، إذًا الأدب الثاني أن تشاهد المنعم من خلال النعمة.

3- ألا تطلب حوائجك إلا من الله لأن خزائن الأرزاق بيده.
فعلى الإنسان أن يسأل ربه حاجته كلها لأنه سبحانه هو الذي يقيت هذا البدن وهذه النفس.
تأمل قوله تعالى: {للَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ثُمَّ رَزَقَكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ هَلْ مِنْ شُرَكَائِكُمْ مَنْ يَفْعَلُ مِنْ ذَلِكُمْ مِنْ شَيْءٍ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ} [الروم:40]، المقام مقام امتنان، لهذا اختير معنى رزاق، فلم يقل: "الله الذي خلقكم ودبر أموركم وعلمكم وأعطاكم من فضله ونعمه"، بل ذكر الرزق لأنه يشمل هذا كله.

ثم تأمل قوله تعالى: {ثُمَّ رَزَقَكُمْ}، ولم يقل: "يرزقكم"؛ لتعلم أن الرزق مقسوم، وأن قسمتك منه قد كتبت وحددت فستأتيك ستأتيك، فهو الذي يطلبك وما عليك إلا الأخذ بأسباب وصوله إليك.

4- أن يسعى العبد لقوت قلبه وروحه، فكما يغذي بدنه عليه تغذية قلبه، فإنه يجوع ويعطش كما يجوع البدن ويعطش، يقول عتبة الغلام:

أنا العطشان من حبك لا أروى *** أنا الجائع الذي لم يشبع من حب ربي

 

وأعظم الأقوات للقلب والروح الذكر..
فهو أعظم الأقوات التي توصل إلى معرفة الغايات وهي معرفة الله جل وعلا.
فإذا فقد القلب هذا القوت أنهكته الأمراض النفسية من كآبة وضيق واختناق وهم وغيره.
فليكن لك قوت قلبي من الذكر والطاعة لا تقطعه أبدًا، وإلا ضعف قلبك ووهن كما يضعف البدن حين يفقد قوته اليومي.

المصدر: موقع الكلم الطيب

هاني حلمي عبد الحميد

حاصل على ليسانس دار العلوم وحضر الماجستير في فقه وأصول أحد الفقهاء السبعة.

المقال السابق
(30) اسم الله العظيم
المقال التالي
(32) اسم الله الحسيب