الغيرة على السنة

منذ 2014-07-06

أكثر ما يصل إلينا عبر الجوالات لا نجد له مصدر! أي لا يكتب المرسل من رواه أو أخرجه من الأئمة ومع ذلك لا نغار كما كنا نغار على أعراضنا، ولا نقول للمرسل ما هو مصدرك، ومن أين أتيت بهذا الحديث؟

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله وحده.. أما بعد:
هل يجرؤ أحد من الناس ولو كان صاحب علم ومعرفة بالتاريخ والأنساب أن يتكلم في أخبار القبائل وقصص الأولين بدون أن ينسب ذلك إلى أصل.. بالتأكيد لن يجرؤ على ذلك عاقل، ولن يسمح له الناس أن يعبث في تاريخهم ويفتري في أعراضهم وأنسابهم، ولو تكلم أحد في مجلس بقصة أو قصيدة ولم ينسبها إلا إلى وكالة (يقولون) فسوف يكون كلامه ركيكًا لا قيمة له عند عقلاء الناس.


وإنه من الطبيعي أن يُغار الإنسان على عرضه ونسبه وقبيلته التي ينتمي إليها، فلو تكلم أحد في ذلك فإنه من المؤكد أن تقول له: قف! من أين أتيت بهذا الكلام! وما هو مصدرك الذي نقلت عنه هذا المقال حتى نتثبت منه سواء كان المصدر مكتوبًا أو مسموعًا، وهذا التثبت وهذه الغيرة أمر لا يلام عليها أحد البتة لأنه يتعلق بأمر القبيلة والنسب .

 ولكن ثمة أمر جلل هو أهم وأوجب أن يُغار عليه وأن يتثبت له وهي سنة نبينا وحبيبنا وشفيعنا وقائدنا محمد بن عبد الله عليه صلوات ربي وسلامه ما ذكره الذاكرون وما غفل عنه الغافلون، فهي والله أجدر وأحق أن يعتنى بها ويُغار عليها لا سيما في زمن قل فيه من يلتفت لهذا الأمر، والدليل على غفلة الكثير عن ذلك أنه ترد على المسلم يوميًا أحاديث كثيرة عبر الرسائل وأكثرها مكذوب أو ضعيف لم يثبت فلا يغار كما يغار على خبر قيل في قبيلته، ولا يكلف نفسه أن يبحث عن صحة هذا الحديث من عدمه، بل إنه يستعجل في نشره وهو يعتقد أنه يفعل معروفًا!

 أكثر ما يصل إلينا عبر الجوالات لا نجد له مصدر! أي لا يكتب المرسل من رواه أو أخرجه من الأئمة ومع ذلك لا نغار كما كنا نغار على أعراضنا ولا نقول للمرسل ما هو مصدرك ومن أين أتيت بهذا الحديث؟


 كنت أستمع الى دروس أحد مشايخنا الكبار فكان كلما سئل عن حديث انتشر بين الناس قال: "ما هو المصدر ومن هو الراوي اذكروا لنا من أخرجه حتى نبحث عنه في ذلك المصدر أما أن تذكر الأحاديث بلا نسبة فتلك أحاديث ليس لها أصل وهذا سبب ووسيلة للكذب على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

 حتى تعرف خطورة الأمر تأمل هذه الأحاديث الثلاثة الصحيحة: 
1- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول «إن كذبًا علي ليس ككذب على أحد من كذب علي متعمدًا فليتبوأ مقعده من النار» (متفق عليه)، وقد تواترت الأحاديث في هذا الأمر في الصحاح والسنن عن علي وأبي هريرة وسلمة ابن الأكوع والزبير بن العوام وغيرهم.

 

2- عن المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من حدث عني بحديث يُرى أنه كذب فهو أحد الكاذبين» (رواه مسلم في مقدمة صحيحه).

قال النووي رحمه الله في شرح مسلم: "يحرم رواية الحديث الموضوع على من عرف كونه موضوعًا أو غلب على ظنه وضعه فمن روى حديثًا علم أو ظن وضعه ولم يبين حال روايته ووضعه فهو داخل في هذا الوعيد مندرج في جملة الكاذبين على رسول الله صلى الله عليه وسلم".


3- عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يكون في آخر الزمان دجالون كذابون يأتونكم من الأحاديث بما لم تسمعوا أنتم ولا آباؤكم فإياكم وإياهم لا يضلونكم ولا يفتنونكم» (رواه مسلم في مقدمة صحيحه)، وهذا الحديث معجزة نبوية عظيمة حيث أخبر النبي عليه الصلاة والسلام قبل أكثر من عشرة قرون، بأمر نراه الآن من وجود الدجالين الذين يأتون بأحاديث لم نسمع بها نحن ولا آباؤنا من قبل! 

ومن علامات دجلهم أنهم لا يذكرون للأحاديث التي يروونها سندًا ولا مرجعًا، وإنما يستغلون عواطف الناس ومحبتهم لرسول الله بنسبة تلك الأحاديث إليه ليسهل رواجها بين الناس، وليلبسوا الحق بالباطل كفانا الله والمسلمين شرهم، والعجيب المحيِّر أن الأحاديث الصحيحة بلغت الآلاف، وهي مدونة في كتب السنة وسهلة المنال، ومع ذلك لا نجد لها رواجًا وانتشارًا بين الناس كانتشار تلك الأحاديث التي يغلب عليها الوضع والبطلان.


 وقد كان السلف الصالح رحمهم الله ورضي عنهم يحتاطون أشد الاحتياط في نقل أحاديث رسول الله وهم أشد حبًا منا له وأغير منا على سنته فقد أخرج أبو داود في سننه عن عامر بن عبد الله بن الزبير عن أبيه قال: قلت للزبير: "ما يمنعك أن تحدث عن رسول الله كما يحدث عنه أصحابه فقال: أما والله لقد كان لي منه وجه ومنزلة ولكني سمعته يقول: «من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار»". 

والخلاصة: أخي المسلم الغيور على دينك وسنة نبيك، إذا وصل إليك حديث بأي وسيلة كانت فأنت بين حالتين:
الحالة الأولى: إما أن يكون الحديث مسندًا إلى أصل كأن يقال: رواه البخاري أو مسلم أو النسائي ونحو ذلك.. 
أ- فإن كنت تحفظ ذلك الحديث أو تعلم صحة النسبة فإن السنة أن تنشر ذلك الحديث بين الناس وأنت مأجور على ذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «نضَّر الله عبدا سمع مقالتي فوعاها ثم أداها إلى من لم يسمعها، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه…» (أخرجه أحمد وابن ماجه والطبراني). 


ب- وأما إن كنت لا تحفظ ذلك الحديث ولا تعلم عن صحة النسبة فيجب عليك قبل نشره أن تبحث عن الحديث في الموضع الذي نُسب إليه فيه وهذا من التثبت الواجب فليس الكذب على رسول الله بالأمر الهين.


الحالة الثانية: أن يكون الحديث مجردًا عن النسبة وهذا هو غالب الأحاديث المنتشرة اليوم بين الناس فهذا النوع هو بيت القصيد وهو مقصود هذه الرسالة.. 

والمراد أنه لا يجوز نشر ما هذا حاله مطلقًا بأي حال من الأحوال حتى يعلم المرسل أنه حديث صحيح
فإن أرسلها بدون تأمل ولا علم بصحة الحديث فهو آثم ومأزور، ولو كان الحديث في الواقع صحيحًا لأن نشره لذلك الحديث قبل العلم بصحته تقصير في التثبت المأمور به شرعًا وهو نوع من الكذب على رسول الله وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن كذبا علي ليس ككذب على أحد»
 

أردت بهذا نصح نفسي وإخواني المسلمين واللهَ أسأل أن يصلح أحوال المسلمين في كل مكان وأن يجنبنا الفتن ما ظهر منها وما بطن وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

 

محمد بن فرحان القحطاني