غزة تحت النار - (3) هلعٌ وفزعٌ
كثيرٌ من الإسرائيليين الذين كانوا يفرون من الأطراف إلى الوسط، ومن القشرة إلى القلب، وجدوا أنفسهم ومن كان يؤويهم في خطرٍ شديد، إذ لم تَعد الأماكن آمنة، ولم يَعد للمسافات قيمة، ولم تعد تجدي الحصون والقِبب الفولاذية، ولا الصواريخ الاعتراضية، ولا محاولات نقل المعركة إلى أرض الخصم بعيدًا عنهم، الأمر الذي دفع الكثير منهم، وهم يعيشون عطلة الصيف، للتفكير في السفر والمغادرة، فِرارًا بحياتهم، ونجاةً بأنفسهم.
لا شيء في الشارع الإسرائيلي يدل على الطمأنينة والسلامة، والثبات والثقة، والإحساس بالأمن، فقد دبّ الفزع والخوف في قلوب الإسرائيليين جميعًا دون استثناء، فثلاثة ملايين إسرائيلي أصبحوا في دائرة الخطر، وتحت مرمى النيران، وباتوا يتأهبون للنزول إلى الملاجئ والأقبية، بحثًا عن الأمان، وهروبًا من قصف الصواريخ، واحتمالات تسلُّل عناصر المقاومة خلف خطوط النار، ومباغتة الإسرائيليين في معسكراتهم وبلداتهم، وقد سكن الخوف نفوسهم حتى أصبحوا يظنون أن كل صيحةً عليهم.
أما صافرات الإنذار الإسرائيلية فقد نشطت من جديد، واستعادت عافيتها، وبدأت أصواتها تعلو وترتفع، ويصغي إليها الإسرائيليون بخوف، بينما هم يتراكظون نحو الملاجئ، أو إلى شققٍ سكنية في الطوابق السفلى من البنايات، علمًا أن أصوات الصافرات تسمع في القدس وتل أبيب والخضيرة، كما كانت تسمع في أسيدروت وأوفاكيم وعزاتا ونتيفوت وبئر السبع... وغيرها.
الخوف والرعب وصل هذه المرة إلى صالات مطار اللد، وحلَّ الخطر على مدرجات الطائرات الرابضة، وتلك التي تُحلِّق صعودًا أو هبوطًا، الأمر الذي أجبر المسؤولين الإسرائيليين إلى إلغاء رحلاتٍ، وتأجيل أخرى، في الوقت الذي طلبوا فيه من المسافرين والعاملين ترك الباحات والصالات المفتوحة، والنزول إلى القاعات السفلية، البعيدة عن القصف، والتي تُعتبر آمنةً نسبيًا بالمقارنة مع الصالات الأرضية المكشوفة.
كثيرٌ من الإسرائيليين الذين كانوا يفرون من الأطراف إلى الوسط، ومن القشرة إلى القلب، وجدوا أنفسهم ومن كان يؤويهم في خطرٍ شديد، إذ لم تَعد الأماكن آمنة، ولم يَعد للمسافات قيمة، ولم تعد تجدي الحصون والقِبب الفولاذية، ولا الصواريخ الاعتراضية، ولا محاولات نقل المعركة إلى أرض الخصم بعيدًا عنهم، الأمر الذي دفع الكثير منهم، وهم يعيشون عطلة الصيف، للتفكير في السفر والمغادرة، فِرارًا بحياتهم، ونجاةً بأنفسهم.
أما السفير الأمريكي في الكيان الصهيوني فقد أصابته لوثة الفزع، وحلَّت عليه لعنة صواريخ المقاومة، فأصدر أوامره وتعليماته بإغلاق سفارة بلاده، وطلب من موظفيه وكافة العاملين في السفارة التزام بيوتهم، وعدم الخروج منها إلا في أضيق الحدود، وعند الحاجة الضرورية والملحة، كما أصدر توجيهاته إلى المواطنين الأمريكيين المتواجدين داخل الكيان إقامةً أو زيارة، بضرورة توخي الحيطة والحذر، والابتعاد عن الأماكن والبلدات التي من المتوقع أن تقصفها المقاومة الفلسطينية.
أما العمالة الأجنبية الوافدة من شرق آسيا وغيرها، فقد هرولوا بسرعةٍ إلى شركات الطيران، لشراء تذاكر وحجز مقاعد للسفر في أقرب الرحلات إلى بلادهم أو غيرها، مخافة أن يُقتَلوا في هذه الحرب، وكثيرٌ منهم لا ينسى أن بعض العمال التايلانديين وغيرهم، قد قُتِلوا وأُصيبوا جرَّاء تعرُّضهم لرشقات صواريخ المقاومة في الحربين السابقتين اللتين شنَّهما العدو الصهيوني على قطاع غزة.
إنه رعبٌ يسري، وهلعٌ ينتشر، وخوفٌ يسكن القلوب، ومصيرٌ مجهولٌ ينتظر الكيان الصهيوني، الذي بدأ الحرب، وسبق بالاعتداء، في الوقت الذي يدرك أن جبهته الداخلية مصدعة، وأن مناعته ضعيفة، وأن الروح المعنوية لمواطنيه وجنوده على السواء سيئة ومحبطة، وأن للمقاومة مفاجئات وصولات وجولات، ستكشف عنها الساعات والأيام القادمة.
مصطفى يوسف اللداوي
كاتب و باحث فلسطيني
- التصنيف: