غزة تحت النار - (7) العملية البرية
تهديدات قادة العدو الصهيوني بعمليةٍ برية واسعة النطاق ضد قطاع غزة ليست أكثر من ديماغوجيا دعائية، ومحاولة للحرب النفسية، لن يكون قادرًا على تنفيذها، ولن يكون هناك مسؤول إسرائيلي، سياسي أو عسكري قادرٌ على اتخاذ قرار فعلي بتنفيذها..
تتطلَّع المقاومة الفلسطينية إلى إلحاق خسائر حقيقية في صفوف العدو الصهيوني، فهي تدرك تمامًا أن صواريخها مهما بلغ عمقها، ودقة إصابتها، فإن حجم الدمار المادي الذي تخلفه ليس كبيرًا، فضلًا عن أنها قد لا تتسبب في قتل عددٍ كبير من الجنود والمستوطنين الصهاينة، رغم أنها تسبب حالة ذعرٍ كبيرة، وتخلق مناخًا من الخوف والرعب، الذي يُعطِّل الحياة العامة، ويُصيبها بالجمود، ويمنع المواطنين من ممارسة حياتهم الطبيعية، كونهم يلجأون إلى الملاجئ والأقبية، خوفًا من الصواريخ أو شظاياها.
كما أن سلاح الصواريخ يحد من حجم المشاركة العامة في المقاومة، ويقصرها على عددٍ من الخبراء والمختصين العسكريين، الذين يتحرَّكون بحذر، ويُنفِّذون بسريةٍ تامة، ويختفون بسرعةٍ كبيرة إثر كل عملية، خاصةً في ظل المراقبة الإسرائيلية الحثيثة والدقيقة لحركة الصواريخ، وآليات نقلها، ومنصات إطلاقها، الأمر الذي يحد من المشاركة العامة في أعمال المقاومة.
في الوقت نفسه يتطلَّع الفلسطينيون إلى تكبيد العدو خسائر بشرية حقيقية، لعِلمه أن الكيان الصهيوني لا يستطيع تحمُّل نتائج وتبعات مقتل العشرات من جنوده ومستوطنيه، خاصةً أنه يُوطِّن نفسه على عملياتٍ سريعة وقصيرة، تشبه الكي في حدتها وسرعتها، بما لا يلحق به خسائر، ولا يُجبِره على البقاء طويلًا في الميدان، تحت مرمى نيران المقاومة، مخافة أن يقع صيدًا سهلًا في أيديهم.
لهذا فإنهم يتطلَّعون إلى الخطوة الإسرائيلية القادمة، التي أعلن عنها قادة الكيان الصهيوني في كل الحروب السابقة، ومهَّدوا إعلاميًا لها، وهيأوا مواطنيهم للتكيف معها، لكن أحدًا منهم لم ينفذها، رغم الحشود البرية الضخمة، واستدعاء عشرات آلاف الجنود الاحتياط، لعِلمهم أن الحرب البرية في قطاع غزة لن تكون سهلة، والمواجهة في الميدان وجهًا لوجه مع سكان غزة ستكون مختلفة، فرجال المقاومة في غزة يعرفون شوارعها، ولديهم خبرة في أزقتها، وهم يعيشون وسط شعبٍ يحميهم، وأهلٍ يُقدِّمون لهم كل مساعدةٍ ممكنة.
وفي الوقت نفسه فإن الإسرائيليين يجهلون غزة، ويخافون من أزقتها، ويدركون أن الموت ينبعث من أحيائها، وينتشر في شوارعها، وينثره أطفالها قبل رجالها، وقد خبروه كثيرًا، وذاقوا مر الكأس فيه، وتجرعوا الموات مرارًا على أيدي مقاوميه، فكيف بهم يجرؤون على الدخول في جحر الدبابير الذي إذا انطلق فإنه سيصيب الكثير، وسينال من العديد، لا قتلًا أو إصابةً فحسب، بل أسرًا واعتقالًا، فعيون المقاومة لا تتطلَّع إلى قتل الجنود المعتدين، بل تتوق إلى أسرهم واعتقالهم، ليكونوا هم ثمن الحرية للأسرى والمعتقلين الفلسطينيين.
ومع ذلك فقد استدعى رئيس حكومة العدو أربعين ألف جندي إسرائيلي من قوات الاحتياط، وهم جنودٌ غير مُتفرِّغين، بل لكلٍ منهم وظيفته الخاصة، وعمله المستقِل، واهتماماته الشخصية، وحاجاته الفردية، ممن كونوا أسرًا، وأصبح عندهم أطفال يخافون عليهم، ويخشون الموت دونهم.
يدرك وزير دفاع العدو وضباط جيشه وأركان قيادته، أن غزة تحتها غزة أخرى، وشبكة كبيرة من الأنفاق الحديثة والواسعة والمُجهَّزة، إذ فيها شبكات اتصال وخدمات كهرباء، وحلقات ربط ومفاصل تحويل، وهي أنفاق كثيرة وعديدة، تنتشر كالشرايين تحت أرض القطاع، وتمتد عميقًا وطويلًا لتصل إلى عمق الأرض المحتلة، الأمر الذي يجعل من أي مغامرة برية يقوم بها جيش العدو، فرصةً لقنص جنوده، وتفجير دباباتهم، وإشعال الأرض تحت أقدامهم، كما ستكون فرصة لاحتمالات الأسر في الميدان، ونقلهم إلى أماكن بعيدة وآمنة.
تهديدات قادة العدو الصهيوني بعمليةٍ برية واسعة النطاق ضد قطاع غزة ليست أكثر من ديماغوجيا دعائية، ومحاولة للحرب النفسية، لن يكون قادرًا على تنفيذها، ولن يكون هناك مسؤول إسرائيلي، سياسي أو عسكري قادرٌ على اتخاذ قرار فعلي بتنفيذها.
وفي الوقت نفسه.. فإن قِوى المقاومة الفلسطينية تتمنى دخول جيش العدو إلى غزة، ليصبح أمام رجالها آلاف الأهداف، وبين أيديهم مئات الجنود، ولتنشأ بين المقاتلين حالات تنافس، وعمليات تحدي وسباق، أيهم يقتل أكثر، وأيُّهم يلحق بالعدو خسائر أكبر، وهذا أمرٌ يدركه العدو جيدًا، وهو ما يجعله يقبل بسلاح الصواريخ، ويُفضِّله ألف مرةٍ على حربٍ برية تختنق فيها أنفاسه، ويقتل فيها جنوده أو يُؤسَرون.
مصطفى يوسف اللداوي
كاتب و باحث فلسطيني
- التصنيف: