حديث: لا تغضب

منذ 2014-07-12

الغضب جماع الشر، ومصدر كل بليّة، فكم مُزّقت به من صلات، وقُطعت به من أرحام، وأُشعلت به نار العداوات، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم.

متن الحديث:
عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن رجلاً قال للنبي صلى الله عليه وسلم: "أوصني، قال: «لا تغضب»، فردّد، قال: «لا تغضب»" (رواه البخاري).

الشرح:
خلق الله تعالى آدم عليه السلام من تراب الأرض بجميع أنواعه -الأبيض منها والأسود، والطيب والرديء، والقاسي واللين-، فنشأت نفوس ذرّيته متباينة الطباع، مختلفة المشارب، فما يصلح لبعضها قد لا يناسب غيرها، ومن هذا المنطلق راعى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك في وصاياه للناس، إذ كان يوصي كل فرد بما يناسبه، وما يعينه في تهذيب نفسه وتزكيتها.

فها هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، يتسابقون إليه كي يغنموا منه الكلمة الجامعة والتوجيه الرشيد، وكان منهم أبو الدرداء رضي الله عنه -كما جاء في بعض الروايات-، فأقبل بنفس متعطشة إلى المربي العظيم، يسأله وصية تجمع له أسباب الخير في الدنيا والآخرة، فما زاد النبي صلى الله عليه وسلم على أن قال له: «لا تغضب».

وبهذه الكلمة الموجزة، يشير النبي صلى الله عليه وسلم إلى خطر هذا الخلق الذميم، فالغضب جماع الشر، ومصدر كل بليّة، فكم مُزّقت به من صلات، وقُطعت به من أرحام، وأُشعلت به نار العداوات، وارتُكبت بسببه العديد من التصرفات التي يندم عليها صاحبها ساعة لا ينفع الندم.

إنه غليان في القلب، وهيجان في المشاعر، يسري في النفس، فترى صاحبه محمر الوجه، تقدح عينيه الشرر، فبعد أن كان هادئًا متزنًا، إذا به يتحول إلى كائن آخر يختلف كلية عن تلك الصورة الهادئة، كالبركان الثائر الذي يقذف حممه على كل أحد.

ولهذا كان النبي صلى الله عليه وسلم يكثر من دعاء: «اللهم إني أسألك كلمة الحق في الغضب والرضا» (رواه أحمد)، فإن الغضب إذا اعترى العبد فإنه قد يمنعه من قول الحق أو قبوله، وقد شدّد السلف الصالح رضوان الله عليهم في التحذير من هذا الخلق المشين، فها هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه يقول: "أول الغضب جنون وآخره ندم، وربما كان العطب في الغضب"، ويقول عروة بن الزبير رضي الله عنهما: "مكتوبٌ في الحِكم: يا داود إياك وشدة الغضب؛ فإن شدة الغضب مفسدة لفؤاد الحكيم".

وأُثر عن أحد الحكماء أنه قال لابنه: "يا بني، لا يثبت العقل عند الغضب، كما لا تثبت روح الحي في التنانير المسجورة، فأقل الناس غضباً أعقلهم"، وقال آخر: "ما تكلمت في غضبي قط بما أندم عليه إذا رضيت"، ومن الصفات التي امتدح الله بها عباده المؤمنين في كتابه، ما جاء في قوله تعالى: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 13]، فهذه الآية تشير إلى أن الناس ينقسمون إلى ثلاثة مراتب: فمنهم من يكظم غيظه، ويوقفه عند حده، ومنهم من يعفوا عمن أساء إليه، ومنهم من يرتقي به سمو خلقه إلى أن يقابل إساءة الغير بالإحسان إليه.

وهذا يقودنا إلى سؤال مهم: ما هي الوسائل التي تحد من الغضب، وتعين العبد على التحكم بنفسه في تلك الحال؟ لقد بينت الشريعة العلاج النافع لذلك من خلال عدة نصوص، وهو يتلخص فيما يأتي..

أولا: اللجوء إلى الله سبحانه وتعالى بالدعاء، فالنفوس بيد الله تعالى، وهو المعين على تزكيتها، يقول الله تعالى: ‎{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجبْ لَكُم} [غافر:60].

ثانيا: التعوذ بالله من الشيطان الرجيم، فهو الذي يوقد جمرة الغضب في القلب، يقول الله تعالى: {وَإِمَّا يَنزَغَنَّكَ مِنَ الشَّيْطَانِ نَزْغٌ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} [فصلت:36]، وقد مرّ النبي صلى الله عليه وسلم على رجلين يستبّان، فأحدهما احمرّ وجهه، وانتفخت أوداجه، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «إني لأعلم كلمة، لو قالها ذهب عنه ما يجد، لو قال: أعوذ بالله من الشيطان، ذهب عنه ما يجد» (صحيح البخاري:3282)، وعلى الغاضب أن يكثر من ذكر الله تعالى والاستغفار؛ فإن ذلك يعينه على طمأنينة القلب وذهاب فورة الغضب.

ثالثا: التطلع إلى ما عند الله تعالى من الأجور العظيمة التي أعدها لمن كظم غيظه، فمن ذلك ما رواه أبو داود بسند حسن، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله تبارك وتعالى على رؤوس الخلائق، حتى يخيره من أي الحور شاء».

رابعًا: الإمساك عن الكلام، ويغير من هيئته التي عليها، بأن يقعد إذا كان واقفًا، ويضطجع إذا كان جالسًا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: «إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع» (رواه أبو داود).

خامسًا: الابتعاد عن كل ما يسبب الغضب، والتفكر فيما يؤدي إليه.
سادسًا: تدريب النفس على الهدوء والسكينة في معالجة القضايا والمشاكل، في شتى شؤون الدنيا والدين.