غزة تحت النار - (17) حماسٌ والجهاد (تنافسٌ وتكامل)
"العصف المأكول" و"البنيان المرصوص" اسمان من القرآن الكريم عظيمان، اختارهما الله عز وجل للمعارك، وخصَّ بهما الحروب مع الأعداء، وجعلهما عنوانًا للقتال، وشرطًا من شروط النصر، يتجمَّل بهما المسلمون، ويتحلَّى بهما المقاتلون والمجاهدون، ويخاف منهما الأعداء والخصوم، وبهما يستبشر العدو بالهزيمة، ويوقن بالاندحار والزوال، كأبرهة الهالك، وأصحاب الفيل الضالين، وأبي جهلٍ المتكبِّر، وكفار مكة المعاندين.
"العصف المأكول" و"البنيان المرصوص" اسمان من القرآن الكريم عظيمان، اختارهما الله عز وجل للمعارك، وخصَّ بهما الحروب مع الأعداء، وجعلهما عنوانًا للقتال، وشرطًا من شروط النصر، يتجمَّل بهما المسلمون، ويتحلَّى بهما المقاتلون والمجاهدون، ويخاف منهما الأعداء والخصوم، وبهما يستبشر العدو بالهزيمة، ويوقن بالاندحار والزوال، كأبرهة الهالك، وأصحاب الفيل الضالين، وأبي جهلٍ المتكبِّر، وكفار مكة المعاندين.
إنها أجمل صورةٍ ربانيةٍ قرآنيةٍ يرسمها فصيلان قويان من فصائل الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة، فصيلان آمنا بالله ربًا وبالإسلام دينًا، وبرسولهم محمدٍ صلى الله عليه وسلم نبيًا ورسولًا، وأيقنا بالجهاد طريقًا وسبيلًا، لتحرير فلسطين وتطهير القدس والمسجد الأقصى من دنس اليهود وشؤم الإسرائيليين، وآمنا بالوحدة والتكامل، في وقتٍ يشعر فيه الفلسطينيون أنهم في أمس الحاجة إلى الأخوة والمحبة، والتلاحم والتلاقي، والتعاون والتنسيق، لمواجهة عدوٍ عتلٍ زنيمٍ، باغٍ طاغٍ قاتل، لا يُفرِّق ولا يُميِّز، ولا يهمه إلا القتل والتدمير، والتخريب والتفجير.
إنها أجمل علاقة تجمع بين الفصيلين الإسلاميين الفلسطينيين، حركة المقاومة الإسلامية "حماس"، وحركة الجهاد الإسلامي في فلسطين، اللذين استطاعا أن يرسما بالدم أصدق علاقة فلسطينية، وأن ينسجا بالشهداء أجمل ثوبٍ فلسطيني يزدان به الشعب ويفخر، فتنافسا في الجهاد والمقاومة، وتسابقا في قصف الإسرائيليين ورد كيدهم إلى نحرهم، وتعانقت صواريخهم معًا، كقوسِ نارٍ يصنع النصر، ويلهم المقاومين، فوق القدس وتل الربيع، وفي حيفا والخضيرة، وفي مستوطنات الجنوب وفوق عسقلان وأسدود، حتى غدت صواريخهم عناقيد فخرٍ، وقلائد عزٍ، وأكاليل غارٍ، وقصائد مجدٍ، يتيه بها العرب والمسلمون.
إنه سباقُ الفخر وميدان الرجال، وساحة المجد ومعمعان القتال، فيه يتنافس المتنافسون، ويتبارى المحاربون، يجدون الخطى، ويشحذون الهِمم، ويسابقون الزمن أميالًا، ويتنافسون على الوصول إلى المدن والبلدات عمقًا، ويتحدون العدو أن يصد هجماتهم جنوبًا أو شمالًا، من الأرض أو السماء، وفي الليل أو النهار، فما عاد رجالنا بعد اليوم فُرَّارًا، بل غدو كُرَّارًا لا يخافون، وفرسانًا لا ينامون، أسودٌ على الأرض، وصقورٌ في السماء.
في جنح الليل له كالأشباح يخرجون، من كل مكانٍ وبه يحيطون، يفاجئونه ويصدمون، ينثرون على جنوده ومستوطنيه الموت سُمًا، وينشرون في صفوفه الخوف رعبًا، ويزرعون في قلوبهم جزعًا، تشهد به الملاجئ والكاميرات، وتُسجِّله المحطات والوكالات.
ومن جوف الأرض يصعدون إليه رجالًا وعمالقة، بكامل سلاحهم وبكل عدتهم يخرجون، تنشق عنهم طبقاتها نارًا، بركانًا أو زلزالًا، وسجيلًا أو انفجارًا، تعدَّدت أسماء صواريخهم، واختلفت حمم نيرانهم، من القرآن تُستقى أسماؤها، أو تحمل أسماء الخالدين من رجالها، رنتيسي وياسين وجعبري، ولكنها جميعها للعدو صنعت، ولهزيمته وجدت، ولتحقيق النصر عليه أطلقت.
بقدر فرحة الشعب الفلسطيني بما تحققه فصائله المقاومة، ورجاله المضحون، وبما آلت إليه أوضاعهم، وما أصبحت عليه قوتهم وسلاحهم، وقد تأكد لديهم أنهم قادرون على إيذاء العدو والنيل منه، وصنع معادلاتٍ للصراع جديدة، وفرض شروطٍ للقتال أخرى، تحقق الهيبة، وتردع العدو، وتُجبِره على الكف عن الاعتداء، والتوقف عن العدوان، فإن العدو حزينٌ لهذه العلاقة التنافسية التكاملية بين الفصائل الفلسطينية، ويسوؤه كثيرًا أن تستمر وتكبر، وأن تصبح مثالًا ونموذجًا، يقتدى بهما الآخرون، يسعى لمثلها الباقون، فهذه الوحدة تخيفة، وهذا التعاون يضره ويهزمه.
ولكنها علاقةٌ تَسرُّ الصديق، وتُسعِد الحبيب، وتُرضي الأهل والقريب والنسيب، فما أجمل أن تسود هذه العلاقة بين كل القوى الفلسطينية، تنافسٌ في قتال العدو، وسباقٌ شريفٌ في ميادين الوغى، كلٌ يُقدِّم أفضل ما عنده، ويبذل غاية ما يستطيع، يتبادلون الأدوار، ويتعاورون السلاح، ويغطون على بعضهم بالنيران، ويستعينون بما لديهم من قدراتٍ لأداء الواجب، تعاونًا وتنسيقًا، وتفاهمًا وتوزيعًا، بما يحقق الغاية، ويصل بالمقاومة إلى الهدف، لئلا يكون إرباك أو اضطراب، أو تعطيلٌ وتخريب، وتأخيرٌ وإبطاء..
حفظ الله قِوانا المقاتلة، ووحَّد صفوفنا المقاومة، وسدد رمينا، وحقق في العدو هدفنا، وجعله بأيدينا كالعصف المأكول.
مصطفى يوسف اللداوي
كاتب و باحث فلسطيني
- التصنيف: