غزة تحت النار - (31) شاؤول آرون بلسم الجراح

منذ 2014-07-22

يكاد يكون الخبر الذي أعلنه "أبو عبيدة" الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، بأن المقاومة الفلسطينية استطاعت أسر جندي إسرائيلي من أرض المعركة، مُعلِنًا اسمه ورقمه العسكري، المفاجأة الأكبر طوال أيام العدوان الأربعة عشر، رغم أن مفاجئاتٍ أخرى كبرى قد سبقته، حملت معها أنباء مقتل ثلاثة عشر ضابطًا وجنديًا إسرائيليًا، بالإضافة إلى آخرين في أكثر من مكانٍ، بما يرفع عدد قتلاهم إلى تسعة عشر قتيلًا، خلال ثلاثة أيامٍ من بدء العدوان البري على قطاع غزة.

يكاد يكون الخبر الذي أعلنه "أبو عبيدة" الناطق الرسمي باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، بأن المقاومة الفلسطينية استطاعت أسر جندي إسرائيلي من أرض المعركة، مُعلِنًا اسمه ورقمه العسكري، المفاجأة الأكبر طوال أيام العدوان الأربعة عشر، رغم أن مفاجئاتٍ أخرى كبرى قد سبقته، حملت معها أنباء مقتل ثلاثة عشر ضابطًا وجنديًا إسرائيليًا، بالإضافة إلى آخرين في أكثر من مكانٍ، بما يرفع عدد قتلاهم إلى تسعة عشر قتيلًا، خلال ثلاثة أيامٍ من بدء العدوان البري على قطاع غزة.

إلا أن الخبر القنبلة، والمفاجأة الأضخم، التي ستهُزُّ حكومة الكيان الصهيوني، وستُربِك رئيسها بنيامين نتنياهو، الذي كان خائفًا قلقًا يترقَّب، خشية أن تنجح المقاومة الفلسطينية في أسر أحد جنوده فتذله وتهينه، ويكون طالعه بذلك نحسًا، تمامًا كما حدث مع سلفه أيهود أولمرت، الذي كتب جيلعاد شاليط آخر سطور في حياته السياسية، وأجبره بعد عدوانه على غزة على التخلي عن منصبه في رئاسة الحكومة، ليدخل بعدها في متاهة الفضائح، ويتورَّط في مسار تحقيقات ومحاكماتٍ قضائية أدانته وسجنته.

المفاجأة الجديدة، شاؤول آرون، أنست الفلسطينيين جميعًا ما أصابهم أمس وصباح اليوم في حي الشجاعية بغزة، وأدخلت الفرحة إلى قلوبهم في كل مكانٍ، فخرجوا في شوارع قطاع غزة، التي عاث فيها العدو الصهيوني فسادًا، فخربها ودمَّرها، وقتل الكثير من أهلها، وأدمى شعبنا كله بما قد ارتكبه في حقنا من مجازر دمويةٍ بشعة، إلا أن خبر أسر الجندي شاؤول أرون نزل على قلوب ذوي الشهداء وأهل الجرحى بردًا وسلامًا، فأرضى نفوسهم، وشفى غليلهم، حتى أن بعضهم قد ذهب إلى ثلاجة الموتى في مستشفى الشفاء بغزة، يصرخ في وجوه الشهداء أن انهضوا، وقوموا من مرقدكم، فقد انتقمت لكم المقاومة، وانتصرت لدمائكم وأرواحكم، وأسرت جنديًا أولًا في المعركة، وسيتلوه آخر وغيره كثير إن شاء الله.

لم تعم الفرحة قطاع غزة المكلوم فقط؛ بل عمت أماكن الفلسطينيين في كل مكان، في الوطن وفي الشتات، إذ خرج الفلسطينيون في مدن الضفة الغربية كلها، في رام الله والخليل، ونابلس وطولكرم، وقلقيلة والقدس وجنين، فرحين مبتهجين بما حققته المقاومة، وبما صنعه رجالها، فخرجوا في الشوارع بسيارتهم، وأطلقوا العنان لأبواقها فرحًا، وصدحت المساجد بالتكبير والتهليل ابتهاجًا، بما أفاء الله به على المقاومة، وما زالت الفرحة عامة، والبهجة كبيرة، والأمل في هذا الصيد الثمين أن يكون حلًا وبلسمًا لكل الجراح والآلام، وأن يُنهي المعاناة والحصار، وأن يضع حدًا لأوزار الحرب وويلاتها.

ولعل الفرحة بأسر الجندي الإسرائيلي لم تقف عند حدود غزة والضفة والقدس وعموم فلسطين، بل شملت مخيمات الفلسطينيين في لبنان والأردن والشتات، التي خرجت في مسيراتٍ ليلية صاخبة، بالسيارات والدراجات النارية، وأطلقت خلالها أعيرةً ناريةً في الهواء، فرحًا وابتهاجًا وأملًا بغيره جديدٍ، وبأهدافٍ أخرى متوالية، تُفاجِئ بها المقاومة العالم كله، الإسرائيليين وحلفاءهم، ومن اصطف معهم وراهن عليهم، كمفاجأة الألمان في شِباك البرازيل في المونديال، سبعةُ أهدافٍ، أكثر لا أقل.

اليوم ليس كالأمس، وغدًا لن يُشابِه اليوم في شيٍ، وسيعلم العدو والذين ظلموا، أن المقاومة أصبحت ذات شوكة، وأن شوكتها صلبة، وأن وخزها قاسٍ ومؤلم، وأنها باتت تفي بوعودها، وتُنفِّذ تهديداتها، وأنها تفعل ما تريد، وتصدُق فيما تعد، وهي لن تكتفي بصيدها وإن كان ثمينًا، بل ستجد في البحث عن المزيد، وستجتهد في صيد الجديد والكثير، وقد بات العدو يعلم أن المقاومة جادة في وعيدها، وصادقة في سعيها، وحازمة في أمرها، وهي تريد هذه المرة أن تكون هذه الحرب هي آخر المعارك، ليكون بعدها حرية كاملة، وانعتاق كلي، فلا حصار ولا تدخل، ولا تضييق ولا اعتداء، ولا قتل ولا أسر، ولا حرمان ولا عقاب.

اليوم أصبح بإمكان المقاومة أن تطرح شروطها من جديد، وأن تضع ورقتها للتهدئة على الطاولة، وعلى الجميع أن يسمع لها ويُصغي، وأن يفي ويُلبي، وأن يفتح في وجهها الأبواب الموصدة، وأن يُرحِّب بها ولو مُرغمًا، وأن يُثبِت شروطها ولو كان كارهًا، إذ لا مجال للمماطلة ولا للتسويف، ولن ينفع مع الفلسطينيين محاولات الكسر والتركيع، ولن تجدي أبدًا جرائم استهداف المدنيين وتدمير المساكن والبيوت، فقد أصبح للمقاومة إلى جانب قتل جنود العدو، أشلاءهم وبقايا من أجسادهم، وآخرين أسرى سيأتي دورهم، وسيلحقون بمن سبقهم، ليكونوا للفلسطينيين بوابة الحل، وبلسم الجراح، ومفتاح الفرج، ونهايةَ الحصار.
 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام

مصطفى يوسف اللداوي

كاتب و باحث فلسطيني

المقال السابق
(30) ضحايا الإسعاف والدفاع المدني
المقال التالي
(32) وهم القضاء على المقاومة