{كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ}

منذ 2014-07-27

إن هؤلاء "الكتبة" يسخرون من هؤلاء الأبطال وصواريخهم التي لا تقتل ولا تؤثر، بل هيجت الوحش الإسرائيلي وقدَّمت إليه سبب ما أقدم عليه من سفك للدماء وتدمير لمقومات الحياة عند هذا الشعب الأبي الصبور -اقرأ مثلًا أهرام السبت 12-7 تحت عنوان: غزة وحماس، والشروق بتاريخ 15-7 تحت عنوان: قبل أن نهزم إسرائيل- إنه موقف دميم منكور مناقض لمقتضيات النخوة والمروءة والكرامة؛ فهؤلاء لا يوجهون إلى القتلة الفجرة لومًا ولا يحملونهم إثمًا. بل الملوم عندهم، والمؤثّم في ميزانهم المعكوس، هم "الحماسيون" بمذهبهم وانتمائهم؛ إذ فتحوا أبواب "الجحيم الإسرائيلي" على أرضهم وأهليهم.

{كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللهُ} هذا جزءٌ من آيةٍ عظيمة كريمة في الكتاب الحكيم تصور -في بيان بديع معجز- شأنًا من شئون اليهود، وطبعًا من طباعهم وسجيةً من سجاياهم المقيمة معهم ممتدة في آماد الزمان، ومنتشرة في آفاق المكان!

إنهم كافرون جاحدون معاندون، بلغوا آخر المدى في كفرهم؛ فقالوا في ربهم الكريم قولًا عظيمًا أثيمًا استحقوا به لعنته تعالى وعقابه. ومع ذلك، هم أبدًا أعداء لحقيقة الإيمان كارهون لدين الإسلام.

قال تعالى: {وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللَّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُوا بِمَا قَالُوا بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنْفِقُ كَيْفَ يَشَاءُ وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ} [المائدة:64] وقال عز من قائل: {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا} [المائدة من الآية:82] وما أشبه الليلة بالبارحة!

فهاهم يهود اليوم -كيهود الأمس- ينفثون سموم حقدهم الأسود الغليل على العرب والمسلمين ويوقدون نيران الحرب كل حين فيطفئها الله عزو جل وهو سبحانه على كل شيء قدير كما دلَّت الأحداث على ذلك عدة مرات منذ، اغتصبوا أرض فلسطين منذ ستين عامًا أو تزيد؛ وفي الأخبار الأخيرة برهانٌ مبين.

لقد استيأست إسرائيل من تراجع أبطال غزة عن ضرباتهم المفزعة المؤرقة لهم في مضاجعهم وأسواقهم ومزارعهم ومصانعهم؛ فأوقدت نار الحرب على المدينة الباسلة الصابرة الصامدة ووجهت لغايتها الوحشية الدنيئة أفتك ما في خزائن السلاح الأمريكية والإسرائيلية من أسلحة البطش والقتل والتدمير.

فدمَّرت ما دمَّرت من المباني، وأخربت ما أخربت من المزارع والمصانع وقتلت ما قتلت من الشيوخ والنساء والأطفال. فعلت ذلك كله والعرب أجمعون من حولهم في خزيهم الذليل صامتون، وفي مهانتهم الكسيرة قابعون، بل أكثرهم بما يجري فرحون شامتون.

فتخرج علينا طائفة من حملة الأقلام في أبصارهم عمىً، وفي بصائرهم عمهٌ، انقلبت موازينهم، وتهاوت قيمهم فانعكست أحكامهم إذ وجهتهم إلى الاتجاه المعاكس وسارت بهم في الطريق المضاد، وهكذا أنحوا باللائمة على رجال غزة البواسل وحملوهم مسئولية ما حدث بدلًا من أن يحنوا رءوسهم تقديرًا لهم وإكبارًا لبطولتهم في مقاومة عدو باغ فاجر سوف يتقلب بيننا واحدًا في أثر آخر.

إن هؤلاء "الكتبة" يسخرون من هؤلاء الأبطال وصواريخهم التي لا تقتل ولا تؤثر، بل هيجت الوحش الإسرائيلي وقدَّمت إليه سبب ما أقدم عليه من سفك للدماء وتدمير لمقومات الحياة عند هذا الشعب الأبي الصبور -اقرأ مثلًا أهرام السبت 12-7 تحت عنوان: غزة وحماس، والشروق بتاريخ 15-7 تحت عنوان: قبل أن نهزم إسرائيل- إنه موقف دميم منكور مناقض لمقتضيات النخوة والمروءة والكرامة؛ فهؤلاء لا يوجهون إلى القتلة الفجرة لومًا ولا يحملونهم إثمًا. بل الملوم عندهم، والمؤثّم في ميزانهم المعكوس، هم "الحماسيون" بمذهبهم وانتمائهم؛ إذ فتحوا أبواب "الجحيم الإسرائيلي" على أرضهم وأهليهم.

وكأن "إسرائيل" -عند هؤلاء- صديق أو ولي حميم عِيل صبره ونفدت طاقته على الاحتمال؛ فقام بعدوانه الفاشي الفاجر على كل مظاهر الحياة فضلًا عن التقتيل والإرهاب والترويع، تأديبًا لأولئك "المقاومين" أنهم لم يخنعوا أو يُستذلوا كما فعل حملة الأقلام ومن يكتبون لهم ويسيرون في ركابهم أو يعملون لحسابهم.

وهكذا تحوّلت الإدانة المفروضة و"الاستنكار" المقدس من القاتل إلى المقتول ومن المعتدي إلى المُعتدى عليه، ولا تعجب فذلك شأن من مات قلبه وغاب ضميره فاتبع هواه {أَفَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلَهَهُ هَوَاهُ} [الفرقان من الآية:23]؟!

وكأنْ قد نسي هؤلاء -أو تناسوا- أن إسرائيل عدو لئيم للعرب والمسلمين أجمعين بغير تمييز ولا تفريق. وأن اليهود يريدون كسر شوكة الصامدين لكي يفرغوا من بعدهم للباقين أولي المذلة والخذلان، وأرباب الاستكانة والهوان.

إن هؤلاء "الكتبة" يسخرون من صواريخ القسام ويتخذونها هزوًا. وينسون أثرها الكبير الجليل في إفزاع المواطن الإسرائيلي وإخافته وحرمانه من الشعور بالأمن، إن هذه الصواريخ في الحقيقة الغائبة أو المتجاهَلة عند حملة الأقلام رمز للمقاومة ورمز للإصرار العنيد على مواصلة الكفاح واستمرار الجهاد المقدس ضد الاحتلال إنها -يا دعاة التخذيل والخنوع- أشبه ما تكون بحجارة الانتفاضة التي لم تقتل ولم تهدِم، ولكنها بعثت ضمير العالم من مرقده، وأفاقته من غفوته، ثم حملته على الاعتراف بأن على أرض فلسطين شعبًا عربيًا له حق معلوم في الحياة العزيزة الكريمة مثل سائر الشعوب هذا -أيها المصفقون لعدوكم اللائمون لأبطالكم في موقف غريب تمتزج فيه الاستكانة بالمهانة- هو ما فعلته بالأمس حجارة الانتفاضة وهو ما تفعله اليوم صواريخ القسام.

إنها صفعات مُزلزِلة مهينة تتلقاها كل حين إسرائيل ومعاونوها بالقول والعمل والشعور أو كتابة السطور في الشرق والغرب، وبين خائني العرب. وتأتي هذه الصفعات من أبطال مغاوير أقوى أسلحتهم، وأمنع عددهم هو ما لديهم من إباء العِزَّة وعِزَّة الإباء.

ذلك أنهم لا يجاهدون اليوم عدوًا واحدًا يحتل أرضهم ويغتصب حقوقهم ويقتل نساءهم وأطفالهم وشيوخهم؛ بل يجاهدون معه نصراءه وأولياءه وحلفاءه من بني قومهم: يشاركونه بالحرب عليهم ويظاهرونه في تجويعهم وإغلاق منافذ الحياة دونهم. بل يؤيدونه -بصورٍ عديدة- في محاولاته الفاشلة لإذلالهم وقهرهم وحملهم على التسليم فما يؤيدهم ذلك إلا صمودًا واستبسالًا في المواجهة وعِنادًا في المقاومة وإصرارًا على الكفاح. وهكذا يقفون الآن في الميدان بين شقي رحا عدو معتدٍ فاجر أثيم بين أيديهم وخائنو قومهم من خلفهم فلله درهم!

ولم يستطع عدوهم الفاجر بكل ما لديه من أدوات القتل والبطش أن يقتحم عرينهم أو يدخل أرضهم؛ لأن أبطالهم البواسل مجاهدون يقاتلون على قضية، ويدافعون عن عقيدة.

ومهما كانت نتيجة هذه الحرب فإنها قبسة من نور الكرامة، يكتبها التاريخ لأولئك الصادقين الصابرين من الرجال ولكنها بقعة دميمة سوداء من خنوع المذلة ومذلة الخنوع في صحائف العرب، وحكامهم الخائنين، وكتابهم المأجورين.
 

 

فتحي جمعة

 

المصدر: خاص بموقع طريق الإسلام