تأملات

منذ 2014-07-31

إننا نعتبر أنفسنا (النموذج) الذي يُقاس عليه سائر الناس، فمن زاد علينا فهو من أهل الإفراط ومن نقص عنا فهو من أهل التفريط.

انتبهت ذات يوم وأنا أقود سيارتي إلى واحدة من القواعد النفسية والأخلاقية العامة التي يشترك فيها أكثر الناس:

إذا حجزتني سيارة بطيئة أمامي
قلت: يا لهذا السائق البليد!
وإذا تجاوزتني سيارة مسرعة من ورائي
قلت: يا له من سائق متهور!

إننا نعتبر أنفسنا (النموذج) الذي يُقاس عليه سائر الناس، فمن زاد علينا فهو من أهل الإفراط ومن نقص عنا فهو من أهل التفريط.

إذا وجدتَ من ينفق إنفاقك فهو معتدل كريم، فإذا زاد فهو مسرف وإذا نقص فهو بخيل، ومَن يملك جرأتك في مواقف الخطر فهو عاقل شجاع، فإذا زاد فهو متهور وإذا نقص فهو جبان.

ولا نكتفي بهذا المنهج في حكمنا على أمور الدنيا بل نوسعه حتى يشمل أمور الدين، فمَن عبد عبادتنا فهو من أهل التقوى والإيمان، ومن كان دونها فهو مقصر، ومن زاد عليها فهو من المتنطّعين.

وبما أننا جميعاً نرتفع وننخفض ونتقدم ونتأخر ونتغير بين وقت ووقت وبين عمر وعمر، فإن هذا المقياس يتغير باستمرار.

ربما مَرّ علينا زمان نصلي فيه الصلاة مع الجماعة ثم نقوم فنمشي دون أن نصلي السنّة، فنحس -في قرارة أنفسنا- بالأسف على مَن يفوّت الجماعة ونراه مقصراً ، لكننا لا نرى أي بأس في الذين يقتصرون على الرواتب دون النوافل.

فإذا تفضّل الله علينا وصرنا من المتنفّلين نسينا أننا لم نكن منهم ونظرنا إلى من لا يتنفّلون بعين التعالي والزِّراية أو بعين الشفقة والرثاء.

* نصل من تلك الملاحظات إلى قاعدة مهمة من قواعد الحسبة:

إياك أن تظن أن مقياس الصواب في الدنيا ومقياس الصلاح في الدين هو الحالة التي أنت عليها والتي أنت راض عنها، فرُبّ وقت مضى رضيتَ فيه من نفسك ما لا ترضاه اليوم من غيرك من الناس.

 

مصطفى أبوأسعد

المصدر: صفحة الكاتب على الفيس بوك