من أسرار "القصص" - قضية التكرار
تلامذة المستشرقين قد عاب قضية التكرار في مواضع معينة من الَقُرْآن الكَرِيم منها تكرار قصة موسى في سُوْرَة الْقَصَصِ، فذكر محمد خلف الله في رسالته أن في القرآن قصصاً مكررة اعتماداً على ورود بعض قصص الأنبياء في أكثر من سورة. فيتساءل هازئاً: " لماذا كرر القرآن قصص آدم، ونوح، وهود، ولوط، وصالح، وشعيب وغيرهم من الرسل والأنبياء؟ إن الوقوف على تاريخ كلّ واحد من هؤلاء يكفي في إيراد القصة الواحدة في الموطن الواحد، وليس يلزم أن تكرر القصة في أكثر من موطن من مواطن القرآن ".
إن معنى التكرار في اللغة: " عبارة عن الإتيان بشيء مرة بعد أخرى "، أو " هو الرجوع على الشيء ".
وكان بعض تلامذة المستشرقين قد عاب قضية التكرار في مواضع معينة من الَقُرْآن الكَرِيم منها تكرار قصة موسى في سُوْرَة الْقَصَصِ، فذكر محمد خلف الله في رسالته أن في القرآن قصصاً مكررة اعتماداً على ورود بعض قصص الأنبياء في أكثر من سورة. فيتساءل هازئاً: " لماذا كرر القرآن قصص آدم، ونوح، وهود، ولوط، وصالح، وشعيب وغيرهم من الرسل والأنبياء؟ إن الوقوف على تاريخ كلّ واحد من هؤلاء يكفي في إيراد القصة الواحدة في الموطن الواحد، وليس يلزم أن تكرر القصة في أكثر من موطن من مواطن القرآن ".
وقد رد سيد قطب على ذلك بقوله: " قد يحسب أناس أن هناك تكراراً في القصص القرآني لأن القصة الواحدة قد يتكرر عرضها في سور شتى، ولكن النظرة الفاحصة تؤكد إنه ما من قصة أو حلقة قد تكررت في صورة واحدة من ناحية القدر الذي يساق وطريقة الأداء في السياق، وأنه حينما تكررت حلقة كان هنالك جديد تؤديه ينفي حقيقة التكرار ".
وذكر النورسي " أن القرآن الكريم يظهر نوعاً من إعجازه البديع أيضا في تكراره البليغ لجملة واحدة أو لفظة، وذلك عند إرشاده طبقات متباينة من المخاطبين إلى عدة معانٍ، وعبر كثيرة في تلك الآية أو القصة فاقتضى التكرار، حيث إنه كتاب دعاء ودعوة، كما أنه كتاب ذكر وتوحيد، وكل من هذا يقتضي التكرار. فكل ما كرر في القرآن الكريم إذاً من آية أو قصة إنما تشتمل على معنى جديد وعبرة جديدة ".
وذكر الشيخ محمد رشيد رضا أنه قد تكرر القصة الواحدة في القرآن، ولكن في تكرارها فوائد في كل منها فائدة لا توجد في الأخرى من غير تعارض في المجموع، لأنها لما كانت منزَّلة لأجل العبرة والموعظة والتأثير في العقول والقلوب ؛ اختلفت أساليبها بين إيجاز وإطناب، وذكر في بعضها من المعاني والفوائد ما ليس في بعضها الآخر حتَّى لا تُملَّ ألفاظها ومعانيها، ثُمَّ إن الأقوال المحكية فيها إنما هي معبرة عن المعاني وشارحة للحقائق وليست نقلا لألفاظ المحكي عنهم بأعيانهم، فإن بعض أولئك المحكي عنهم أعاجم، ولم تكن لغة العربي منهم كلغة القرآن في فصاحتها وبلاغتها، هذا وإن اختلاف الأساليب وطرق التعبير في قصص القرآن وفي القرآن عموماً عن المعنى الواحد لا تختلف إلا لكي تفيد في فهمها فائدة لفظية أو معنوية.
ونحن نرى رأي الشيخ مُحَمَّد رشيد رضا، ونعدّ التكرار إنما أتى في مواضع من الَقُرْآن الكَرِيم كي يستزيد المؤمن إيماناً كون التكرار الذي يراه في الَقُرْآن الكَرِيم يأتي في كلّ مرة بأٍسلوب جديد، وصياغة جديدة وهو ما وقع في سُوْرَة الْقَصَصِ، فقصة موسى عليه السلام لا تشبه قصته نفسها في إطارها العام في سُوْرَة (طَه).
محمد مطني
دكتوراة في التفسير كلية العلوم الإسلامية وعضو هيئة تدريسية في كلية الآداب جامعة الأنبار
- المصدر: